اشتباكات السويداء تضع قدرة دمشق على توحيد سورية على المحك

تحوّلت محافظة السويداء جنوب سورية، للمرة الثانية في غضون أشهر، إلى ساحة حرب طاحنة بين مسلحين دروز ومقاتلي عشائر سُنية، سقط فيها عشرات القتلى، وتدخلت فيها القوات الأمنية الموالية للسلطات الانتقالية التي وجدت نفسها أمام اختبار جديد لقدرتها على إعادة توحيد البلاد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
الاشتباكات، التي بدأت بحادثة خطف متبادلة، تحوّلت بسرعة إلى مواجهات مسلحة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، شملت أحياء داخل مدينة السويداء وقرى في الريفين الغربي والشرقي، ما أدى إلى مقتل 89 شخصاً، منهم 46 مقاتلاً درزياً وأربعة مدنيين من السويداء، و18 مقاتلاً من عشائر البدو، و14 من قوات الأمن، و7 أشخاص مجهولي الهوية بلباس عسكري، بالإضافة إلى أكثر من 100 جريح، بعضهم حالاتهم حرجة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبعد دعوة محافظ السويداء إلى ضبط النفس مساء أمس الأول، أعلنت وزارتا الداخلية والدفاع في دمشق، في وقت مبكر أمس عن «تدخل مباشر» لفض النزاع، ونشر وحدات عسكرية وأمنية في السويداء.
واعتبرت «الدفاع» أن «الفراغ المؤسساتي» ضاعف الفوضى، في حين قال وزير الداخلية أنس خطاب، إن «غياب مؤسسات الدولة، خصوصاً الأمنية والعسكرية، هو السبب الرئيس للتصعيد»، داعياً إلى «فرض هيبة الدولة» ومحاسبة المتسببين.
وتعرضت القوات التابعة للسلطات الانتقالية لإطلاق نار وأصيب بعض نقاطها بقذائف صاروخية، كما تحدثت تقارير عن أسر بعض عناصرها، في حين تخلل الهجوم، الذي شنّه مسلحو العشائر، استخدام طائرات مسيّرة وقصف بمدفعية الهاون على قرى المحافظة التي تسكنها الأقلية الدرزية.
وتبادل المسلحون الدروز السيطرة على بعض القرى مع مسلحي العشائر، في حين تمكنت القوات التابعة للحكومة من الانتشار في الكثير من القرى المحيطة بريف مدينة السويداء.
وبعد تدخل مماثل عندما وقعت اشتباكات في مايو الماضي، نفّذ الجيش الإسرائيلي ضربات جوية استهدفت دبابات في قرية سميع بالسويداء، بزعم «منع تهديدات أمنية عبر الحدود». وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن الدبابات حاولت تجاوز خط أحمر رسمه الإسرائيليون في جنوب سورية.
لكن اللافت كان حديث مسؤول إسرائيلي عن «وجود تنسيق أمني على مستوى رفيع مع الحكومة السورية»، بعد مفاوضات مباشرة جرت بين الطرفين في أذربيجان.
إلى ذلك، جدد الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، دعوته إلى الحماية الدولية، رافضاً دخول القوات الحكومية إلى السويداء. واتهم «جهات أمنية» بالمساعدة في «قصف القرى الحدودية ومساعدة العصابات التكفيرية».
وأصدرت حركة «رجال الكرامة»، بياناً أكدت فيه أن «السلطة كانت شاهدة على انهيار الأمن في الطرق المؤدية للمحافظة، وخصوصاً على طريق دمشق، من دون أن تحرك ساكناً».
وأعلنت الحركة حالة النفير العام، مؤكدة أن تحركاتها «دفاعية»، وأنها «لن تسمح بتحويل السويداء إلى حقل اختبار لتصفية الحسابات الإقليمية والطائفية».
في المقابل، تمنى الزعيم اللبناني وليد جنبلاط أن يعود «الأمن والوفاق إلى السويداء من خلال حل سياسي وتحت رعاية السلطة السورية»، مشدّداً على رفض نداءات الحماية الخارجية والإسرائيلية.
بدورها، أصدرت قوات سورية الديموقراطية (قسد) بياناً أعربت فيه عن قلقها مما وصفته بـ«الهجمات على المدنيين في السويداء»، محذرة من أن «الاعتداءات على السكان في الجنوب تمثل انتكاسة خطيرة لوحدة سورية».
أما نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسورية، نجاة رشدي، فدعت «السلطات الانتقالية والجهات المعنية المحلية على اتخاذ خطواتٍ فورية لحماية المدنيين، واستعادة الهدوء، ومنع التحريض»، مؤكدة «الحاجة المُلحة إلى إدماجٍ حقيقي، وبناء الثقة، والحوار الهادف للمضي قدماً في عملية انتقال سياسي موثوق وشامل في سورية».