أسواق النفط تجاوزت تأثير النزاع الإقليمي… ولكن الحذر واجب

أسواق النفط تجاوزت تأثير النزاع الإقليمي… ولكن الحذر واجب

بداية، قال عضو المجلس الأعلى للبترول الأسبق محمد الهاجري إنه بكل تأكيد هناك دائما عوامل خفية أو غير مباشرة «وقد تكون معلومة ولا يجرأ أحد على ذكرها»، وقد تؤثر على الأسواق، ومنها:

• التوقعات الاقتصادية العالمية: ضعف الطلب من أكبر الموردين، خصوصاً من الصين وأوروبا، قد يُضعف أثر أي توترات جيوسياسية على الأسعار

• عمليات المضاربة: بعد ارتفاع الأسعار بسبب المخاوف الجيوسياسية، تدخل المضاربات لجني الأرباح فتتذبذب الأسعار.

• تقييم السوق لمدى تأثير الحرب فعلياً: إذا رأت الأسواق أن التصعيد العسكري لن يؤدي إلى تعطيل فعلي للإمدادات النفطية فإن الأسعار تهبط، ما عدا جدية التهديد بغلق مضيق هرمز وهو احتمال بعيد المنال وغير واقعي.

• تدخلات سياسية أو رسائل تهدئة من قوى إقليمية أو دولية تقلل من احتمالات اتساع نطاق الحرب، وهذ ما بدأ يظهر بالأفق مما ينعكس على حركة السوق.

وأضاف الهاجري: «أخيرا المتحكم الأقوى بالسوق يمكنه التلاعب واستغلال الأحداث لصالحه»، مبينا أنه مجرد عدم تحقق التهديد يؤدي إلى تراجع الأسعار، ويُعرف هذا في الأسواق بـ buy the rumor، sell the fact، فالسوق استبق الحدث بالشراء حين ظهرت التهديدات، وباع عند عدم تحققها.

محمد الهاجري:

المتحكم الأقوى في السوق يمكنه التلاعب واستغلال الأحداث لمصلحته

فائض المعروض العالمي من النفط يجعل السوق أكثر قدرة على استيعاب أي اضطرابات قصيرة الأمد

وأشار إلى أن غلق مضيق هرمز تهديد ضخم، لكنه ليس جديداً، والسوق أصبح أكثر «مناعة» ضده طالما لا توجد خطوات عملية على الأرض، مضيفا أن الأسواق تتعامل مع الاحتمالات لا النوايا، ومع غياب تحرك فعلي لغلق المضيق فإن السوق يعيد تسعير المخاطر بذكاء وتحوط وتبعا للاحتياج الفعلي.

وأفاد بأن السوق استوعب وتقبل وتعامل مع الصدمة الجيوسياسية إذا صح التعبير لأسباب عديدة، منها:

• الحرب برأيي غير متكافئة وهي حرب عن بعد ليس لعدد الجنود قيمة وإنما الغلبة للتقنية ودعم الدول الكبرى.

• إن الفائض في المعروض العالمي من النفط يجعل السوق أكثر قدرة على استيعاب أي اضطرابات قصيرة الأمد ومحدودة التأثير.

• زيادة الإنتاج من دول خارج أوبك (خصوصاً الولايات المتحدة) ستعوض نقص الإمدادات والتي لن تطول وهم أعلم متى تتوقف.

• السحب من المخزونات التجارية في حالة الطوارئ يقلل دائماً من القلق والمخاطر.

وأردف: «بالنهاية هي ليست حربا بالمعنى الحقيقي، هي ضربة تأديبية موجعة يعرفون متى تنتهي عندما يريدون ذلك، بعد تحقيق أهدافهم وقبل التأثير على مصالحهم».

استمرار التهديدات

من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة مجموعة الشموخ لخدمات النفط بالإمارات د. علي العامري إن أسواق النفط تشهد تقلبات حادة في أعقاب التصعيد الإيراني-الإسرائيلي، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 7 – 10 في المئة في الأيام الأربعة الأولى بسبب مخاوف الإمدادات، لكنها شهدت لاحقا تراجعا ملحوظا رغم استمرار التهديدات بغلق مضيق هرمز، لوجود عوامل خفية متعددة تؤثر في الأسواق النفطية، وهذه الأحداث يمكن أن تؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسعار، حيث يتفاعل المستثمرون مع الأخبار والتوقعات حول تأثير النزاعات على إمدادات النفط.

علي العامري:

المخزونات الصينية من الخام كبيرة وهناك قدرة على إطلاقها في السوق خلال ساعات

بعض دول الخليج عززت خطوط إمداد بديلة لتجاوز مضيق هرمز مما خفض اعتماد السوق عليه

واضاف العامري أن من هذه العوامل استباق الأسواق المخاطر الجيوسياسية فور اندلاع الهجمات، مما دفع الأسعار إلى الارتفاع السريع. ومع عدم تحقق سيناريو «الحرب الشاملة» أو إغلاق مضيق هرمز، بدأ تصحيح الأسعار ليعكس الواقع الفعلي للإمدادات، كما تشير التقديرات إلى وجود فائض نفطي يصل إلى 6 ملايين برميل يوميا، مدعوما بارتفاع المخزونات الصينية إلى مستويات قياسية، مع قدرة الصين على إطلاقها في السوق خلال ساعات.

وأشار إلى أنه بالإضافة لذلك فإن الأسواق تعلم بالزيادة المتوقعة في إنتاج «أوبك+» بمقدار 411 ألف برميل يوميا بدءا من الشهر المقبل، خاصة من السعودية والإمارات، مع احتمالية تعويض الصادرات الإيرانية المفقودة (1.7 مليون برميل يوميا) عبر إنتاج دول أخرى. وأخيرا تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن ارتفاع أسعار النفط يفاقم التضخم خاصة في الدول المستوردة، وهذا قد يدفع هذه الحكومات إلى الضغط لاحتواء الأسعار.

حالة تذبذب

وذكر العامري أن الأسعار هبطت بالفعل بعد تهديدات بغلق مضيق هرمز، حتى وإن لم يتم تنفيذ هذه التهديدات، كون الأسواق غالباً ما تتفاعل مع المخاطر المحتملة، مما يؤدي إلى تذبذب الأسعار، لافتا إلى أن التهديدات تثير قلق المستثمرين حول إمكانية حدوث نقص في الإمدادات، حتى لو لم يحدث ذلك فعليا.

وتساءل: «لماذا لم يؤثر التهديد على الأسعار؟»، والجواب هو عدم جدوى الإغلاق عمليا، حيث يعد المضيق شريانا حيويا لإيران نفسها وتعتمد عليه في تصدير 75% من نفطها إلى الصين، واستيراد السلع الأساسية، وأي إغلاق سيدمر اقتصادها قبل خصومها، وكذلك هناك عوائق عسكرية وجيوسياسية

مع وجود الأسطول الأميركي الخامس في المنطقة. والأهم هو معارضة الصين (الشريك التجاري الأكبر لإيران) لأي تعطيل للإمدادات، لما يمثله من تهديد لاستقرار أسواق الطاقة.

وأضاف أنه من الممكن أن يكون السوق قد امتص أحداث الحرب إلى حد ما، خاصة في ظل وجود فائض في المعروض يقدر بنحو 6 ملايين برميل أو أكثر، وهذا الفائض يمكن أن يوفر بعض الحماية ضد تقلبات الأسعار الناتجة عن الأزمات الجيوسياسية، حيث تكون لدى السوق القدرة على تلبية الطلب حتى في حالة حدوث اضطرابات، مبينا أن الدول الصناعية (مثل الصين والولايات المتحدة) تمتلك احتياطيات نفطية ضخمة، أُعلن عن استعدادها لإطلاقها لمواجهة أي نقص.

وبين أنه منذ اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية تغيرت أنماط التجارة العالمية، وتمت إعادة تشكيل مسارات النفط، حيث عززت دول الخليج خطوط إمداد بديلة (مثل خطوط الأنابيب عبر السعودية والإمارات) لتجاوز مضيق هرمز، مما خفض اعتماد السوق عليه، فضلا عن أن بيانات شركات الشحن (مثل تانكر تراكرز) تشير الى استمرار تدفق النفط عبر المضيق بنسبة 95% من مستوياته الطبيعية، مما شجع المضاربين على بيع العقود الآجلة.

واختتم: «أتوقع استقرار الأسعار حول 75-90 دولارا للبرميل، ما لم تشهد المنطقة تصعيدا عسكريا مباشرا يستهدف منشآت نفطية كبرى أو يعطل الممرات البحرية فعليا، أما إذا صدق الإيرانيون وتم إغلاق المضيق (وإن كانت احتمالاته ضعيفة) فقد تقفز الأسعار إلى ما بين 150و200 دولار وفقا لتقديرات آي إن جي بارينغز». باختصار، تفوقت آليات السوق (الفائض، الاحتياطيات، المرونة اللوجستية) على المخاوف الجيوسياسية، لكن المنطقة لا تزال على حافة بركان قد يثور بأي تصعيد غير محسوب.

عوامل خفية

بدوره، ذكر مدير تسويق النفط والغاز بوزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عمان علي الريامي أن الحرب الدائرة حاليا تدور في الحديقة الخلفية لأكبر منتجي النفط على مستوى العالم، لافتا إلى أن أسعار الخام ارتفعت في بداية الحرب بشكل كبير وصل الى نسبة كبيرة، ولكن استقرت وبدأت في الهبوط التدريجي خاصة بعد أن ظهر أن التهديدات بغلق مضيق هرمز، الذي يمر منه ثلث تجارة العالم، سواء السلعية أو النفطية، لم تكن جدية أو من الصعوبة اتخاذ قرار الغلق بشكل نهائي، وأضاف أنه قد تكون هناك ضربة لبعض السفن المارة من خلاله، وما عدا ذلك فإنه لا يمكن غلقه نهائيا.

علي الريامي:

عوامل خفية أدت إلى خفض أسعار الخام خصوصا مع الظروف الحالية التي يجب أن تصعد فيها

من الصعوبة اتخاذ قرار بغلق المضيق نهائياً لأن ثلث تجارة العالم تمر من خلاله

وأضاف الريامي: «كنا نتوقع ارتفاعات في أسعار النفط بشكل كبير، ولكن مع مرور الوقت شاهدنا انخفاضات كبيرة حتى هبط الى مستوى 73 دولارا للبرميل»، معربا عن تساؤله لماذا هبطت أسعار النفط خاصة أن الحرب الدائرة تقع في قلب منطقة حساسة بمنطقة الخليج، منها طرف في الحرب، وهي إيران، التي تعد دولة منتجة للنفط وعضوة في منظمة أوبك.

وأضاف أن هناك نبرة عالية حاليا تنادي بوقف التصعيد، من دول مثل السعودية وعمان وقطر، لافتا إلى أن هناك عوامل خفية لا يعلمها أحد، أدت إلى خفض أسعار الخام، خاصة مع الظروف الحالية التي يجب أن تصعد فيها بشكل قوي، وأكد أنه يجب دراسة السوق خلال الفترة المقبلة لمعرفة أسباب عدم صعود النفط بأرقام كبيرة.

قلق الأسواق

من جهته، أفاد الخبير النفطي د. خالد بودي بأنه عند بداية الأزمات ترتفع أسعار النفط ارتفاعا حادا، بسبب قلق الأسواق من تداعيات الأزمة، ولكن بعد مرور أيام على الحرب دون أن تتأثر إمدادات النفط إلى الأسواق يطمئن المتداولون في السوق وتتراجع الأسعار.

خالد بودي: عدم حدوث نقص في الإمدادات أوجد ارتياحاً في السوق أدى إلى استقرار الأسعار

وأضاف بودي أنه بالنسبة للتهديدات بإغلاق مضيق هرمز يبدو أن الأسواق تفاعلت بهدوء مع ذلك، فالمضيق شريان رئيس يتدفق من خلاله النفط وتستفيد منه أطراف متعددة وليس من السهل إغلاقه، ولفت الى أن عدم حدوث نقص في الإمدادات فضلا عن وجود فائض يولد حالة من الارتياح في السوق ويؤدي إلى الاستقرار في الأسعار.

وتابع: «لو حدث أن تعثر وصول النفط إلى الأسواق فيمكن أن نشهد صعودا في الأسعار يستمر إلى أن تنتهي الحرب أو يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار»، مشيرا إلى حدوث ذلك في المرات السابقة، حيث شهد الخام صعودا حادا في الأسعار عندما حدث تراجع في الإمدادات إلى الأسواق النفطية بسبب مواجهات عسكرية، وتجاوزت الأسعار 120 دولارا للبرميل.