تجزئة العقار: فرصة جديدة للاستثمار في السوق العقاري المصري

“عيد”: التملك الجزئي للعقار يتيح القدرة على التنوع بين المنتجات العقارية المختلفة
“إيهاب”: استراتيجية الاستثمار الجزئي نجحت في أمريكا والإمارات وسنغافورة
“فوزي”: حوكمة التملك الجزئي ضرورة لإنجاح ذلك النموذج
اقتنص القطاع العقاري استراتيجية جديدة تتلائم مع البيئة المحيطة بالسوق العقارية، بداية من معدلات التضخم المرتفعة، وارتفاع سقف أسعار العقارات لمستوى قياسي غير مسبوق،” الاستثمار الجزئي للعقار” بات توجها جديدا لشركات التطوير العقاري بحثا عن رؤوس الأموال المحدودة والتي خرجت من دائرة الاستثمار العقاري بسبب عدم القدرة على مجابهة الأوضاع الإقتصادية الحالية، “البوصلة الاقتصادية” تبحر مع خبراء العقارات لاكتشاف النموذج الاستثماري الجديد.
بداية، أكد الدكتور طارق عيد المدير التنفيذي لشركة بيت الاستثمار العربي الذراع العقارية للمجموعة العربية الكويتية أن الملكية الجزئية للعقار تمثل توجهًا استثماريًا حديثًا في السوق العقارية المصرية نشأ في ضوء تضخم أسعار العقارات بمعدلات قياسية، حيث تتيح للمستثمرين امتلاك حصص في عقارات دون الحاجة لشراء الوحدة بالكامل، وهذا النموذج الاستثماري يوفر فرصًا للأفراد ذوي الملاءة المالية المحدودة للدخول إلى سوق العقارات والاستفادة من عوائدها، مع اقتسام التكاليف رفقة شركاء الوحدة الآخرون.
وتابع أن الملكية الجزئية تعني امتلاك أكثر من شخص لحصص في عقار واحد، بحيث يتم تقسيم قيمة الوحدة العقارية إلى حصص صغيرة يمكن للمستثمرين شراؤها. معلنا أن الاستثمار الجزئي للعقار ينقسم إلى نوعين الأول عبر صندوق “مغلق” أي ذو استثمار محدد المدة وبإنقضاء تلك المدة ينتهي عمل الصندوق، والنوع الثاني هو الصندوق المستمر الذي يدر دخلا دوريا منتظما، ضاربا المثال بإطلاق شركة مدينة مصر لتطبيق “SAFE” الذي يتيح للمستثمرين شراء حصص بقيمة 50 ألف جنيه للحصة الواحدة، مع إمكانية الاستثمار في مشروعات متنوعة من مختلف المطورين العقاريين.
ونوه أن طرق تقنين ذلك النموذج العقاري يمر عبر الحصول على ترخيص من هيئة الرقابة المالية لمزاولة ذلك النشاط، حيث تعد الرخصة إقرارا حكوميا بقانونية ممارسة ذلك النموذج من الكيان العقاري، لافتا أن هناك كيانات مزيفة لا تمتلك أي سند قانوني تمارس النصب على المستثمرين عبر إدعاء توظيف الأموال في الاستثمار الجزئي للعقار، ثم الإستيلاء على أموال العملاء.
وأشار إلى قدرة الأفراد في تلك الاستراتيجية من الاستثمار في العقارات دون الحاجة لرأس مال كبير، وهو ما يغري شريحة أوسع من المستثمرين، مشيرا أن ذلك يتيح للمستثمرين توزيع استثماراتهم على عدة عقارات، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في عقار واحد، كما يمنح المستثمر القدرة على تنويع استثماراته بين المنتجات العقارية المختلفة “السكنية والفندقية والتجارية والإدارية”، موضحًا أن العائد على الاستثمار في الوحدات الفندقية يناهز 25%، بينما يبلغ العائد للوحدات السكنية 15%، في حين يسجل العائد للوحدات الإدارية 8%، موضحًا أن ذلك يوفر دخلًا دوريًا من الإيجارات، بالإضافة إلى إمكانية تحقيق أرباح عند بيع الحصة في المستقبل، مضيفًا أن تولى شركات التطوير العقاري إدارة العقارات يعفي المستثمرين من مسؤوليات الإدارة والصيانة.
وأضاف أن العقبة التي تعترض طريق المستثمرين هو صعوبة تسييل حصصهم بسرعة، خاصة في ظل غياب سوق ثانوية نشطة لهذه الحصص، مع غياب السيطرة المطلقة على العقار بالنسبة للمستثمرين، ومن هنا فإن عملية اتخاذ القرارات تأتي بشكل جماعي أو من قبل الشركة المديرة، ومع بزوغ هذا النموذج الاستثماري فإن الأمر يتطلب وجود تشريعات واضحة لحماية حقوق المستثمرين وتنظيم عمليات البيع والشراء تواكب الطفرة التي يشهدها التملك الجزئي للعقار.
وفرق المدير التنفيذي لشركة بيت الاستثمار العربي بين الملكية الجزئية للعقار ونظام “التايم شير” فالملكية الجزئية تعني امتلاك حصة في العقار والاستفادة من عوائده المالية، بينما نظام “التايم شير” يمنح الحق في استخدام العقار لفترة زمنية محددة سنويًا دون امتلاك حصة فعلية فيه. بالتالي، يعتبر الاستثمار في الملكية الجزئية أكثر جدوى من الناحية المالية مقارنة بـ”التايم شير”، مشيرًا أن ارتفاع أسعار العقارات وتراجع القدرة الشرائية بجانب معدلات التضخم القياسية، يرجح أن يشهد نموذج الملكية الجزئية نموًا ملحوظًا في مصر. ومع ذلك، يتطلب نجاح هذا النموذج توفير بيئة تنظيمية مناسبة وزيادة الوعي بين المستثمرين حول مزاياه وتحدياته، حيث تظل الترجيحات بنمو ذلك النموذج قائمة على قدرة الملكية الجزئية للعقار على مواجهة تحديات الاستثمار العقاري في مصر، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. ومع التوسع في تطبيق هذا النموذج وتوفير الأطر التنظيمية اللازمة، يمكن أن تصبح الملكية الجزئية خيارًا استثماريًا رئيسيًا في السوق العقارية المصرية.
وفي نفس الصدد، أكد أحمد إيهاب المدير التنفيذي لشركة مدار للتطوير العقاري أن السوق العقاري المصري يواجه في الوقت الحالي تحديات ضخمة كارتفاع تكلفة مواد البناء، وتراجع القدرة الشرائية، وتزايد الفجوة بين المعروض واحتياجات شرائح كبيرة من العملاء، وأمام هذا الواقع كان لابد من تبني استراتيجيات جديدة في القطاع. وهنا يبرز مفهوم “التملك الجزئي” كأحد النماذج المرنة والحلول الذكية، التي يمكن أن تعيد التوازن المفقود بين العرض والطلب، ويراهن هذا النموذج الإستثماري على الراغبين في الاستثمار العقاري أو تأمين وحدة سكنية دون الحاجة إلى تحمل التكلفة الكاملة، حيث يستقطب العملاء من ذوي رؤوس الأموال المحدودة.
وأشار أن التملك الجزئي يقوم على فكرة تمكين الأفراد من امتلاك حصة قانونية من أصل عقاري (سكني أو تجاري أو إداري)، مع تحديد واضح وتنظيم متكامل لحقوق الانتفاع أو العوائد أو التداول. وهذا النموذج نجح بالفعل في عدد من الدول مثل الإمارات، والولايات المتحدة، وسنغافورة، وغيرها، وأتاح الاستثمار في العقار برؤوس أموال محدودة، وتحقيق عوائد مستقرة ومجزية مستقبلًا.
وأوضح أن الظروف تبدو مواتية لهذا الطرح، خصوصًا في المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية، والساحل الشمالي، والعلمين الجديدة، لاسيما مع تجاوز أسعار العقارات لسقف القدرة الشرائية للكثير من العملاء، مما يعزز من قدرة تلك الاستراتيجية على النجاح، والتي تجمع بين إتاحة الفرصة، وتنويع أدوات الاستثمار.
وتحدث “إيهاب” عن ضرورة توفير بيئة تشريعية واضحة، تضمن تسجيل الحصص، وتنظم العلاقة بين الملاك المتعددين، سواء في الانتفاع أو إعادة البيع. وهنا يبرز دور الحكومة كمنظم للسوق، وشركات التطوير العقاري كمحفز للتطبيق الآمن، إضافة إلى البنوك وشركات التكنولوجيا المالية كشركاء أساسيين في توفير منصات رقمية تمكن الأفراد من تداول الحصص وتقييم الأصول.
وأكمل، بأن “تمدد” التملك الجزئي للعقار في السوق المصري يحتاج إلى الإرتقاء بالوعي المجتمعي، وإطلاق تجارب نموذجية مدروسة، تُظهر القيمة الحقيقية لهذا التوجه، كما لا يمكن اعتبار التملك الجزئي بديلاً عن التملك الكامل، لكنه خيار مهم، خاصة مع الظروف الراهنة بالإضافة إلى تطور السوق العقاري المصري، وهناك فرصة حقيقية للنمو، ولكنها تحتاج إلى الدعم من خلال منصات رقمية وشركاء تمويل موثوقين، مما سيعزز ثقة الجمهور، ويجذب شرائح جديدة لهذا النموذج.
بينما قال المهندس فتح الله فوزي نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس مجلس إدارة شركة مينا لإستشارات التطوير العقاري أن الاستثمار الجزئي للعقار يعد سلاح ذو حدين، ففي حين تعزز تلك الفكرة من استقطاب رؤوس أموال جديدة للاستثمار العقاري، لكن يظل الخطر الأكبر هو صعوبة تسييل الحصة المملوكة للفرد أو إعادة بيعها.
وأشار أن حوكمة “الاستثمار الجزئي للعقار” من قبل هيئة الرقابة المالية سيدفع بمستويات الإقبال عليه في السوق المصري، باعتبار أن النموذج يخاطب فئة من العملاء خرجت من الاستثمار بالسوق العقاري بسبب الأوضاع الإقتصادية السائدة.
وأضاف أن نموذج التملك الجزئي للعقار يختلف عن الصناديق العقارية التي تكون مدرجة بالبورصة ويمكن التخارج منها في أي وقت دون قيود، مشيرا أن الاستثمار الجزئي يحتاج إلى “إذابة” أي عقبات تعرقل التخارج من الوحدة العقارية، وحال تم حوكمة تلك النقطة، فإن تلك الاستراتيجية ستواصل النمو في السوق العقاري.