خبراء: نقص معايير الأمان، غياب الصيانة، ومركزية بعض الخدمات تؤدي إلى تكرار الحوادث

خبراء: نقص معايير الأمان، غياب الصيانة، ومركزية بعض الخدمات تؤدي إلى تكرار الحوادث

جمال عسكر: سوء التنفيذ جعل «الإقليمى» بؤرة حوادث يومية

البحث عن الحلول  يبدأ بعد الكارثة ولا نملك خطة صيانة منتظمة

ماجد فهمى: تركز البنية التحتية في مكان واحد  يُعطل القطاعات الحيوية

تحديث خطط الطوارئ وتوزيع مراكز البيانات على نطاق أوسع “ضرورة”

خالد خليفة: ندعو لتوزيع مراكز البيانات وفصل الشبكات السلكية عن اللاسلكية

تجديد البنية التحتية يتطلب شراكات دولية واستثمارات استراتيجية
 
شهد شهر يوليو الحالي سلسلة من الأزمات المتلاحقة، حيث تكررت الحوادث الدامية على الطريق الإقليمي بشكل لافت، ما أعاد طرح تساؤلات حول كفاءة التخطيط ومدى فاعلية الصيانة والرقابة على شبكات النقل، ولم يهدأ الجدل حتى وقع حريق سنترال رمسيس، الذي تسبب في ارتباك واسع بخدمات الاتصالات والخدمات الرقمية المصرفية، كاشفًا عن اعتماد مفرط على نقطة تشغيل مركزية واحدة تتحكم في نسبة كبيرة من البنية التحتية للاتصالات تتراوح ما بين 60% إلى 70%، وهو ما أثار القلق بشأن خطط الطوارئ واستمرارية الأعمال في حالات الطوارئ، ومن هنا ناقشت – “مجلة البوصلة الاقتصادية” – خبراء مختصين حول أبعاد تلك الأزمات، وما تكشفه من تحديات أعمق قد تستدعي تحركًا عاجلًا، في التقرير التالي..

قال المهندس جمال عسكر، خبير قطاع السيارات وهندسة الطرق، إن تكلفة إنشاء شبكة الطرق القومية ومنظومة النقل في مصر بلغت 2 تريليون جنيه، وهو رقم ضخم في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وحالة من الركود الاقتصادي.

وأوضح، أن الإشكالية لا تكمن في حجم الإنفاق بل في غياب الالتزام بالمعايير والمواصفات العالمية خلال تنفيذ تلك الشبكة، ما أدى إلى تدهور حالة العديد من الطرق نتيجة غياب الصيانة الدورية، وهو ما تسبب في تكرار الحوادث وسقوط أجزاء من الطرق وتهالك الأسفلت في فترة قصيرة.

ونوه إلى أن أبرز مظاهر سوء التخطيط يتمثل في تجاهل استخدام الخرسانة في بعض الطرق التي تشهد ضغطًا عاليًا من سيارات النقل الثقيل، مثل «التريلات»، رغم أنها الأكثر احتياجًا لتلك التقنية لضمان المتانة والتحمل، لافتًا إلى طريق «مصر – السويس»، الذي نُفذ بالخرسانة بسبب طبيعة المنتجات الثقيلة التي تُنقل عليه، ما عزز من صلابته وكفاءته مُقارنة بطرق أخرى.

وتابع أن الطريق الدائري الإقليمي يمتد لمسافة 400 كيلومتر تقريبًا، وتم تنفيذه بالأسفلت رغم كثافة مرور الشاحنات عليه، وهو ما تسبب في تهالكه سريعًا، وتحول إلى بؤرة للحوادث اليومية التي باتت مشهودة للجميع.

وانتقد غياب جدول زمني واضح للصيانة الدورية للطرق، سواء على فترات من 3 إلى 6 أشهر، واصفًا ذلك بأنه خلل في منظومة إدارة البنية التحتية، خاصة أن الصيانة المستمرة ضرورية لمراقبة حالة الطرق ومنع تدهورها، مشيرًا إلى أن ما يحدث حاليًا هو إدارة برد الفعل، حيث نشهد التحركات بعد وقوع الكارثة، وهو أمر لا يُمارس في أي دولة متقدمة.

وذكر أن تحقيق السلامة على الطرق يتطلب تنفيذ مشروعات وفق معايير عالمية، إلى جانب تطبيق نظام صيانة فعال، وتوعية السائقين، ورفع كفاءة خدمات الطوارئ، مثلما يحدث في السعودية التي توفر سيارات إسعاف وشرطة على امتداد طرق طويلة مثل طريق «الرياض –  جدة»، الذي يتجاوز طوله 1000 كيلومتر تقريبًا، وذلك يهدف إلى ضمان سرعة الاستجابة والحفاظ على أرواح المواطنين قبل حماية البنية التحتية.

من جانبه، قال ماجد فهمي، الخبير المصرفي ورئيس بنك التنمية الصناعية سابقًا، إن الجهاز المصرفي في مصر يتعامل بقدر كبير من الحذر والاحترافية فيما يخص مراكز تكنولوجيا المعلومات (IT)، حيث تمتلك البنوك عادة مركزًا رئيسيًا، وآخر أصيلًا، بالإضافة إلى مركز بديل، بحيث يعمل كل منهما فورًا في حال حدوث خلل في الآخر.

وأوضح أن المشكلة الكبرى ظهرت حين تعرضت الاتصالات بالكامل للانقطاع بسبب حريق سنترال رمسيس، الذي نتج عنه تأثير مباشر على بعض الخدمات البنكية، مثل التطبيقات التابعة لبنوك معينة، التي توقفت بشكل ملحوظ والاتصالات، وهو ما يطرح تساؤلات مهمة حول مدى الجاهزية الشاملة للجهاز المصرفي لمثل هذه الظروف الطارئة.

وتابع أن ما حدث في سنترال رمسيس كشف عن خلل حقيقي يتمثل في الاعتماد على مبنى واحد فقط كمركز رئيسي للبنية التحتية، مشددًا على ضرورة وجود أكثر من مركز بديل على مسافة آمنة وكافية.

وشدد على ضرورة أن تمتلك الدولة خططًا استباقية متكاملة لمواجهة مثل هذه الأزمات، عبر توفير مراكز احتياطية وجاهزة، تدخل الخدمة فورًا حال حدوث أزمة، باعتبارها جزءًا أساسيًا من بنية تكنولوجيا المعلومات والتشغيل الآمن.

في سياق متصل، قال المهندس خالد خليفة، الخبير التكنولوجي، إن حريق سنترال رمسيس كشف خللًا جوهريًا في بنية الاتصالات المصرية، حيث تمثلت في اعتماد الشبكة القومية على نقطة مركزية واحدة، مؤكدًا أن سقوط هذه النقطة لأي سبب طارئ كان كفيل بانهيار الخدمة على مستوى الجمهورية.

وأوضح أن المشكلة الأساسية أن جميع الخطوط البحرية وأسلاك الألياف الضوئية والبنية التحتية السلكية واللاسلكية تتجمع في سنترال رمسيس، ما يعني أن الشبكات في مصر بلا بدائل تشغيلية، وفي حال سقوط تلك النقطة لأي سبب مفاجئ ستنهار المنظومة بالكامل، وهو ما حدث بالفعل.

وأضاف أن هذا الخلل تسبب في انهيار شبه كامل للخدمات، سواء في الإنترنت أو شبكات المحمول، نظرًا إلى أن الشبكة اللاسلكية تعتمد بدورها على البنية التحتية السلكية، مع غياب خطط التشغيل البديلة حال حدوث طارئ.

وأشار إلى أن شركة “المصرية للاتصالات” هي المزود الرئيسي للخدمة، وجميع الشركات الأخرى تعتمد عليها في تغذية الشبكات، منوهًا إلى أنه مع توقف سنترال رمسيس، انهارت معها أغلب الشبكات المحلية، ولم تنجُ إلا بعض الجهات التي تملك خطوطًا خارجية، سواء عن طريق الأقمار الصناعية أو كابلات بحرية لا تتبع نفس المسار.

وتابع أن ما حدث أظهر خطورة الاعتماد على نقطة مركزية واحدة، مفيدًا أن الحل يكمن في الانتقال إلى شبكات حديثة لا تعتمد على نقطة واحدة، من خلال توزيع مراكز البيانات في أماكن متعددة، وتحت الأرض، مع إخفاء مواقعها لحمايتها وتأمينها فنيًا، مشيدًا بالتوجه الرئاسي نحو تطوير البنية التحتية في العاصمة الإدارية الجديدة، لافتًا إلى أن ما يحدث حاليًا من نقل الوزارات وتحديث الشبكات هو خطوة حقيقية نحو بنية أكثر حداثة، مشيرًا إلى أن تلك الشبكات تعتمد على مراكز بيانات متفرقة لا يعرف أحد أماكنها بدقة، وهو ما يُعد نظامًا أكثر أمانًا.

وشدد على أهمية فصل الشبكتين السلكية واللاسلكية جزئيًا على الأقل، بحيث يمكن تشغيل إحداهما في حال تعطل الأخرى، مما يخلق نوعًا من التوازن الفني ويقلل من التأثيرات الكارثية لأي عطل أو كارثة مفاجأة.

وتطرق إلى التحديات المتعلقة بتجديد البنية التحتية بالكامل، مشيرًا إلى أنه من الصعب أن يحدث ذلك حتى إذا كانت مصر من أقوى الدول، ولكن تنفيذه يتطلب شراكات استراتيجية دولية مع دول كبرى مثل الصين وروسيا وأمريكا وتركيا، كما اقترح منح هذه الدول فرص استثمار في مراكز البيانات والشبكات المحلية بنظام حق الانتفاع، وذلك بالتعاون مع شركات المحمول القومية والأجنبية، ما يسهم في تسريع وتيرة التطوير.

وأشاد بدور شركات تكنولوجيا المعلومات المصرية، مؤكدًا أنها تنفذ بالفعل مشاريع خارجية في ليبيا والعراق، لكنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من النمو واكتساب الخبرة داخليًا لتواكب التحولات العالمية في البنية التحتية الرقمية.