مراقبون ماليون يقيّمون أداء “البنك المركزي المصري” في النصف الأول من 2025

“خبراء”: تمكن من تحقيق التوازن النقدى وسط ضغوط التضخم وأسعار الصرف
“عبد العال”: قرارات المركزى بمرونة سعر الصرف وتقييد السيولة وضعت الاقتصاد على مسار الاستقرار
“حلمي”: التضخم انخفض 13% منذ بداية العام.. وخفض الفائدة مرهون بزوال أثر قرارات الدولة على الأسعار
“أبو الفتوح”: خفض الفائدة لم يُحفّز الإقراض.. واستقرار الجنيه لا يزال هشًا ويعتمد على المعروض من الدولار
“عزام”: المركزى المصرى أدار السياسة النقدية خلال النصف الأول من 2025 بقدر كبير من التوازن والمسؤولية
شهد النصف الأول من عام 2025 تغيرات جوهرية في السياسة النقدية بمصر، قادها البنك المركزي في إطار خطة محكمة للسيطرة على التضخم واستعادة استقرار سعر الصرف، مع الحفاظ على النشاط الاقتصادي، فبعد قرارات قوية من تشديد السياسة النقدية، بدأ “المركزي” في تخفيف الفائدة تدريجيًا مع ظهور مؤشرات على تباطؤ التضخم، وسط تحديات خارجية وداخلية تتطلب موازنة دقيقة بين السياسات المالية والنقدية.
تحدثت “البوصلــــة” مع مجموعة من الخبراء المصرفيين حول قرارات البنك المركزي خلال النصف الأول من العام، وتوقعاتهم لما تبقى من 2025، ومدى تأثير خفض الفائدة، وتطورات سعر الدولار، وأسباب استمرار الضغوط التضخمية.
أكد محمد عبد العال، الخبير المصرفي، أن البنك المركزي المصري انتهج سياسة نقدية تقييدية صارمة منذ مارس 2024 لمواجهة التضخم المرتفع، الذي تجاوز حينها متوسط 30%، موضحًا أن هذه السياسة تضمنت قرارات محورية أسهمت في إعادة ضبط المسار النقدي والاقتصادي للدولة، مشيرًا إلى أن أبرز هذه القرارات تمثلت في تحرير سعر صرف الجنيه المصري وتوحيده، في خطوة استهدفت القضاء على السوق السوداء للعملة، وتهيئة البيئة لإصلاحات هيكلية أوسع، كما أقدمت لجنة السياسة النقدية المنبثقة عن مجلس إدارة البنك المركزي برفع أسعار الفائدة بـ600 نقطة أساس دفعة واحدة.
وأوضح أن هذه التحركات صاحَبها تعديل جوهري في آلية سحب السيولة من السوق، حيث كان المركزي ينفذ عطاءات ربط ودائع أسبوعية بطريقة تخصيص جزئي توزّع فيها الحصص بين البنوك، لكن بدءًا من أبريل 2024، قرر البنك تطبيق نظام “قبول جميع العطاءات” بالكامل، دون تحديد حصص، وهو ما اعتبره “عبد العال” من أقوى القرارات الداعمة لتشديد السياسة النقدية في تلك المرحلة.
وأضاف أن هذه السياسات كانت الأساس لتحول جذري في النصف الأول من عام 2025، إذ لا يمكن الحديث عن تيسير السياسة النقدية دون الرجوع إلى الحزمة القوية من قرارات التشديد التي سبقتها. ولفت إلى أن الإجراءات، سواء عبر رفع الفائدة، أو الإبقاء على نسبة الاحتياطي الإلزامي المرتفعة عند 18%، أو سحب السيولة بالكامل، وكذلك التنسيق مع وزارة المالية بشأن أدوات الدين، كلها ساعدت في خفض معدلات التضخم بشكل ملحوظ.
وبيّن أن معدل التضخم بدأ بالتراجع ليصل إلى 22.6% في بداية 2025، ثم انخفض إلى 10% في فبراير، قبل أن يشهد ارتفاعًا طفيفًا في أبريل إلى 10.4% بفعل عوامل موسمية، فيما سجل التضخم الأساسي السنوي 13.1% في مايو.
وفي ضوء هذا التراجع، قال إن “المركزي” بدأ دورة تيسير نقدي، كانت أولى خطواتها خفض سعر الفائدة 225 نقطة أساس في أبريل لأول مرة منذ خمس سنوات، تلاها خفض آخر بواقع 100 نقطة أساس في مايو.
وعن تطورات سعر الصرف، شدد على أن قرار تحرير سعر صرف الجنيه أثبت نجاحه في الحفاظ على استقرار السوق، رغم التأثر بالمتغيرات الخارجية، لافتًا إلى أن الدولار كان يتأثر لفترة قصيرة قبل أن يعاود الهبوط، وهو ما انعكس في قدرة السوق على استيعاب خروج ثم عودة الأموال الساخنة، والتي لم يتجاوز حجم خروجها 4 مليارات دولار خلال التوترات الإقليمية الأخيرة بين إسرائيل وايران، قبل أن تعود مجددًا.
واختتم الخبير المصرفي بأن البنك المركزي نجح في تبني سياسة متزنة بين استهداف التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن الأسواق بدأت تستعيد استقرارها، مدعومة بتحسّن المؤشرات الكلية، وعودة ثقة المستثمرين، ما يثبت فعالية القرارات النقدية الأخيرة في الحفاظ على قيمة الجنيه وضبط إيقاع السوق المالية.
قال طارق حلمي، نائب رئيس بنك المصرف المتحد سابقًا، إن معدلات التضخم في مصر انخفضت بشكل ملحوظ منذ بداية عام 2025 مقارنة بالعام الماضي، بتراجع يُقدّر بنحو 13%، مشيرًا إلى أن هذا الانخفاض يعود إلى تشديد السياسة النقدية برفع أسعار الفائدة، مما ساهم في تقليص السيولة والحد من الطلب المحلي، إلى جانب استقرار سعر صرف الجنيه بعد التعويم، وانخفاض أسعار السلع الغذائية، خاصة الخضراوات، بالإضافة إلى تدفقات تمويل ضخمة من دول الخليج وصندوق النقد الدولي، عززت استقرار السوق.
وأوضح أن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه يتحرك وفقًا لآليات العرض والطلب، مضيفًا أن أعلى مستوى بلغه الدولار خلال العام الجاري كان في أبريل 2025، حيث تجاوز حاجز 51.7 جنيه، نتيجة أزمة في توافر العملة الأجنبية، وخروج استثمارات أجنبية على خلفية حالة عدم اليقين الاقتصادي، والتي تفاقمت آنذاك بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية، مشيرًا إلى أن السوق شهد بعدها تحسنًا ملحوظًا في المعروض من الدولار وهدوءًا في الطلب، ما ساهم في استقرار سعر الصرف حاليًا بين 49 و50 جنيهًا.
وفيما يخص التضخم، أشار إلى أن معدل التضخم السنوي ارتفع مجددًا ليسجل 16.8% في مايو، مقارنة بـ13.9% في أبريل، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، في ضوء التزام الدولة باتفاقها مع صندوق النقد الدولي بشأن رفع الدعم تدريجيًا، كما توقع أن يؤدي تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة، الذي أقره مجلس النواب مؤخرًا، إلى ضغوط تضخمية إضافية، وهو ما يدفع البنك المركزي إلى التريث في اتخاذ قرارات جديدة بشأن خفض أسعار الفائدة لحين تقييم الأوضاع في السوق المحلية، خاصة وأن الزيادة الأخيرة في التضخم ناتجة عن قرارات حكومية مباشرة.
وفيما يتعلق بتوقعاته لأسعار الفائدة خلال النصف الثاني من 2025، رجّح “حلمي” أن يتريث البنك المركزي في خفض الفائدة خلال الربع الثالث، في ظل استمرار الضغوط التضخمية، على أن يكون خفض الفائدة ممكنًا في الربع الأخير من العام إذا استقرت الأسعار وتراجعت معدلات التضخم تدريجيًا.
وتوقّع استقرار سعر الدولار عند مستوياته الحالية خلال الفترة المقبلة، كما رجّح ارتفاعًا طفيفًا في معدلات التضخم بنسبة لا تتجاوز 2% خلال الربع الثالث من العام، على أن تعاود الانخفاض مع بداية الربع الأخير حال استقرار الأسعار وثبات السياسات الحالية، مشيدًا بالسياسات والإجراءات التي ينتهجها البنك المركزي، مؤكدًا أنها كانت حاسمة في دعم استقرار الاقتصاد الكلي خلال الفترة الأخيرة.
قال الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح، إن قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة مرتين خلال النصف الأول من عام 2025 بإجمالي 3.25% كان من المفترض أن يؤدي إلى تحفيز الاقتراض وتقليل جاذبية الإيداع، إلا أن البنوك تعاملت مع هذه الخطوة بقدر كبير من الحذر في ظل استمرار حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية وتذبذب توقعات المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب.
وأضاف أن التأثير الإيجابي لخفض الفائدة على سوق الإقراض سيظهر بشكل تدريجي، لا سيما في القطاعات التي تمثل محركات للنمو، مثل العقارات والصناعة التحويلية، ولكنه يتطلب استقرارًا أوسع في بيئة الأعمال وتحسن ثقة القطاع الخاص، مؤكدًا أن البنوك تفضّل التريث في تعديل سياسات التسعير أو توسيع حجم الائتمان قبل أن تتضح الصورة الكاملة بشأن التضخم وسعر الصرف.
وفيما يخص سوق الصرف، أوضح “أبو الفتوح” أن متوسط سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري بلغ نحو 50.41 جنيه في يناير 2025، وانخفض بشكل طفيف إلى نحو 50.02 جنيه بحلول يونيو، ما يعكس حالة من الاستقرار النسبي، لكنه استقرار هش ومشروط بتوافر النقد الأجنبي وتوازن العرض والطلب، مشيرًا إلى أن أي تغيرات مفاجئة في المشهد الخارجي سواء جيوسياسية أو تتعلق بأسعار الفائدة الأمريكية قد تعيد الضغط على العملة المحلية.
وأوضح أن ضعف الجنيه في فترات سابقة لم يكن ناتجًا فقط عن عوامل داخلية، بل تأثر أيضًا بسياسة التيسير النقدي عالمياً، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وخروج الأموال الساخنة، ما زاد من تقلبات السوق وأضعف قدرة الجنيه على الصمود أمام الدولار.
وفيما يتعلق بمعدلات التضخم، أكد أن متوسط التضخم السنوي في النصف الأول من 2025 تجاوز 13.5%، مدفوعًا بارتفاع الأسعار في مايو إلى نحو 16.5– 16.8%، نتيجة تأثيرات مباشرة لقرارات حكومية كرفع أسعار المحروقات تدريجيًا في إطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى تطبيق تعديلات في قانون الضريبة على القيمة المضافة، مضيفًا إن التضخم الحالي يعكس ضغوطًا هيكلية، وليس مجرد تقلبات مؤقتة، مشيرًا إلى أن السلع الغذائية والطاقة والنقل والصحة والتعليم هي المحركات الأساسية لزيادة الأسعار.
ورأى أن قدرة البنك المركزي على احتواء التضخم من خلال أسعار الفائدة محدودة، في ظل عوامل خارجية تتعلق بسلاسل الإمداد وأسعار السلع عالميًا، لافتًا إلى أن المركزي لجأ إلى أدوات إضافية مثل عطاءات الودائع المجمعة لسحب السيولة، حيث قام بسحب 412.2 مليار جنيه في يونيو بعائد 24.5%.
وأشار أيضًا إلى أهمية تعزيز أدوات السياسة المالية بالتوازي مع السياسة النقدية، خاصة عبر ضبط الإنفاق العام وتحسين بيئة الاستثمار ورفع كفاءة الدعم الموجه، ما سيساهم في تخفيف الضغوط التضخمية وتحقيق استقرار مستدام في الأسعار، مشيدًا بالجهود التي يبذلها البنك المركزي في دعم منظومة المدفوعات الإلكترونية وتوسيع الشمول المالي، مشيرًا إلى أن طرح العملة البوليمرية من فئة 20 جنيهًا، إلى جانب تعميم تقنيات QR Code وتوسيع استخدام المحافظ الإلكترونية، يعكس تحولًا استراتيجيًا نحو اقتصاد رقمي أكثر كفاءة وشفافية، قادر على دعم النمو وتقليل الاعتماد على الكاش.
فيما أكد حمدي عزام، الخبير المصرفي، أن البنك المركزي المصري تمكن خلال النصف الأول من عام 2025 من إدارة السياسة النقدية بكفاءة عالية، محققًا توازنًا دقيقًا بين محاصرة التضخم، والحفاظ على استقرار سعر صرف الجنيه، ودعم النشاط الاقتصادي.
وأوضح عزام أن البنك بدأ العام وهو يحمل إرثًا من قرارات حاسمة تم اتخاذها في عام 2024، أبرزها تحرير سعر الصرف في مارس 2024، وهو القرار الذي مهّد الطريق لمرحلة جديدة من الإصلاح النقدي والمالي، لكنه تطلب إجراءات صارمة لضبط السوق ومنع الانفلات التضخمي.
وأشار إلى أن البنك المركزي لم يتسرع في تغيير توجهاته، بل انتظر حتى بدأت معدلات التضخم في التراجع بشكل ملحوظ، حيث انخفض التضخم من نحو 22% في يناير إلى 13.1% في مايو، وهو ما أتاح له البدء في تخفيف السياسة النقدية تدريجيًا، بدءًا بخفض الفائدة في أبريل بمقدار 225 نقطة أساس، تلاه خفض آخر في مايو بـ100 نقطة، ليصل سعر الإيداع إلى 24% وسعر الإقراض إلى 25%.
وأضاف أن هذه الخطوة لم تأتِ منفصلة عن أدوات أخرى مكملة، بل واصل البنك المركزي سحب السيولة من السوق بشكل منتظم، من خلال آلية عطاءات الودائع، والتي بلغت في يونيو وحده أكثر من 400 مليار جنيه، مما ساعد على تجنب تسرب السيولة إلى قنوات قد تؤدي إلى عودة ارتفاع الأسعار. وفيما يخص سعر الصرف، أشار إلى أن الجنيه المصري حافظ على استقرار نسبي أمام الدولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام، حيث بدأ السعر عند متوسط 50.45 جنيه، وشهد بعض التقلبات في أبريل لكنه استقر عند نحو 50.02 جنيه بنهاية يونيو، وهو ما يعكس نجاح البنك المركزي في إدارة السوق، بالرغم من الضغوط الخارجية الناتجة عن التوترات الجيوسياسية والاضطرابات في الأسواق العالمية.
وشدد عزام على أن البنك المركزي أدار تلك المرحلة بحذر محسوب، فلم يُفرط في تشديد السياسة النقدية بما يخنق الاقتصاد، ولم يتعجل في التيسير النقدي حتى يتأكد من تراجع حقيقي ومستدام في التضخم.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن المرحلة القادمة ستتوقف على مدى استقرار المؤشرات الاقتصادية، لا سيما معدلات التضخم وسعر الصرف، مشيرًا إلى أنه في حال استمرت وتيرة التراجع في الأسعار، فمن المتوقع أن يشهد النصف الثاني من 2025 مزيدًا من خفض أسعار الفائدة، مع الحفاظ على الانضباط النقدي كأولوية.