“بقايا المبيدات”: صادرات مصر من المنتجات الزراعية تتجاوز 5.2 مليون طن في نصف عام رغم التحديات العالمية

“بقايا المبيدات”: صادرات مصر من المنتجات الزراعية تتجاوز 5.2 مليون طن في نصف عام رغم التحديات العالمية

مناسيب التحاليل الدقيقة خطوة حاسمة لتحقيق أمن غذائى وتصديرى مستدام

تحديث الأجهزة ورفع كفاءة العاملين استراتيجية المعمل للريادة التصديرية

في ظل توجه الدولة لرفع كفاءة منظومة سلامة الغذاء وتعزيز الصادرات الزراعية، يلعب المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات دورًا محوريًا في ضمان جودة المنتجات المصرية، سواء الموجهة للأسواق المحلية أو التصديرية.

وفي هذا الحوار، تكشف الدكتورة هند عبد اللاه، رئيس المعمل، عن الأرقام القياسية، والتكنولوجيا المتقدمة، والمعايير الصارمة التي تحكم المعمل، ودوره في حماية سمعة مصر التصديرية عالميًا، وإلى نص الحوار..

*بداية.. ما دور المعمل في تحقيق سلامة الغذاء وتأثيره على التصدير؟ **دور المعمل هو تحقيق سلامة الغذاء للحفاظ على الصحة العامة، لأن أي وقاية تتم على النبات بعد مكافحة الآفات، سواء على السطح أو ضد الآفات المدفونة، تترك متبقيات من المبيدات، هذه المتبقيات يجب أن تكون بتركيزات محددة، لأن تجاوزها الحد المسموح به يؤثر مباشرة على العملية التصديرية.

*كيف يتم تصنيف وتسجيل المبيدات في مصر وما معايير السماح باستخدامها؟ **المبيدات تتنوع بين الحشرية والفطرية والأكاروس ومبيدات الحبوب المخزونة، ليختلف نوعها وتركيبها الكيميائي بحسب نوع الآفة، فبعض المبيدات مصرح بها وأخرى غير مصرح بها، حسب تقييم لجنة مبيدات الآفات الزراعية، وتقوم اللجنة بتسجيل المبيد في مصر وفقًا لمحددات تعتمد على متابعة ما يصدر عن الاتحاد الأوروبي والمرجعيات العالمية، وأي مبيد يحظر دوليًا يتم حظره فورًا في مصر، ويتطلب تسجيل المبيد اشتراطات كثيرة أهمها أن يكون آمن نسبيًا، لأن الأمان يسبق الفاعلية، ولا يتم تسجيل أي مبيد إلا بعد إجراء تجارب عليه لمدة عامين.

*كيف تتماشى استراتيجية المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات مع توجهات الدولة في مجال سلامة الغذاء وزيادة الصادرات الزراعية؟
**تتوافق استراتيجية المعمل بشكل كبير مع توجهات الدولة فيما يتعلق بسلامة الغذاء وتعزيز الصادرات، خاصة الصادرات الزراعية والغذائية المصنعة، وقد أنشئ المعمل وفق نظم جودة واضحة، وكان الهدف الاستراتيجي الأول أن تكون نتائج التحاليل صالحة ومعتمدة لدى الاتحاد الأوروبي أو أي دولة حول العالم، وهو ما تم تحقيقه والحفاظ عليه بل وتعزيزه، فقد حصل المعمل على الاعتماد الأوروبي كجهة موثوقة، ثم تلاه اعتماد من الجانب الأمريكي، بالإضافة إلى الرقابة من الجانب المصري، أما الاستراتيجية الثانية فتتمثل في التحديث المستمر للأجهزة بهدف تحقيق الاستدامة، وقد بدأ المعمل بقسمين فقط، هما قسم متبقيات المبيدات وقسم المعادن الثقيلة، ثم توسع ليضم سبعة أقسام متخصصة، من بينها سلامة الغذاء، مضافات الأغذية، جودة الغذاء، المواد الحافظة، والمواد الملامسة للغذاء، وجميعها تعمل على ضمان سلامة الغذاء منذ الزراعة وحتى الحصاد.

*كيف يتم تطبيق استراتيجية المعمل على السوق المحلي لضمان سلامة الغذاء؟
**تطبيق الاستراتيجية على السوق المحلية أمر بالغ الأهمية، ويتم من خلال عدة محاور، أولها تنفيذ برنامج للرصد يشمل الخضر والفاكهة المتداولة في الأسواق، للكشف عن متبقيات المبيدات، ويجري هذا البرنامج تحت إشراف لجنة مبيدات الآفات التابعة لوزارة الزراعة، حيث تجمع عينات من 17 محافظة من مختلف المحاصيل والخضر، ويطبق نفس البرنامج على المزارع، بالتعاون مع الهيئة القومية لسلامة الغذاء، وهي الجهة المسؤولة عن الغذاء في مصر، وذلك من خلال عمليات التفتيش، وتحلل جميع هذه العينات داخل المعمل المركزي، كما تحلل الواردات الغذائية التي تدخل البلاد للكشف عن الملوثات المختلفة، ويتم ذلك بدقة عالية قبل السماح بتداولها في السوق المحلية.

*ما دلالة الأرقام القياسية التي تحققها الصادرات الزراعية المصرية في ظل التحديات العالمية؟
**خلال السنوات الأربعة الأخيرة، سجلت الصادرات الزراعية المصرية زيادات سنوية ملحوظة، تراوحت ما بين 600 إلى 800 ألف طن سنويًا، وفي عام 2024 تجاوزت الصادرات الزراعية 8.6 مليون طن، بزيادة قدرها مليون و200 ألف طن عن العام السابق، وهو معدل نمو كبير، كما أعلنت وزارة الزراعة، خلال الأسبوع الماضي، أن حجم الصادرات الزراعية خلال النصف الأول من عام 2025 بلغ أكثر من 5.2 مليون طن، وهو رقم قياسي جديد لم يتحقق من قبل في نفس الفترة، ورغم التحديات العالمية الكبيرة التي واجهها القطاع منذ عام 2019، مثل جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والأزمات الجيوسياسية المتلاحقة، فإن مصر لم تكتفي بالحفاظ على مستويات التصدير، بل حققت نموًا متواصلًا بمعدلات ملحوظة.

*كيف تتم متابعة الصادرات الغذائية من خلال المعمل المركزي، وما الجهات المسؤولة عن الرقابة وسحب العينات؟ **كل المنتجات الغذائية المصدرة من مصر تمر بالمعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات، لكن المعمل لا يتولى سحب العينات بنفسه، هناك جهات رقابية مسؤولة عن ذلك، مثل الحجر الزراعي، وهيئة سلامة الغذاء، وهيئة الخدمات البيطرية، نظرًا لأن المعمل يفحص أيضًا الأسماك المخصصة للتصدير، وبالنسبة للتصدير، فإن الجهات الرقابية تتولى سحب العينات، بينما في بعض الحالات الأخرى، مثل مصانع الصناعات الغذائية التي تتعامل مع عملاء في الخارج يقوم المصنع نفسه بإرسال العينات لتحليلها بانتظام سواء للمصنع أو للمنتج النهائي، في هذه الحالات إذا كان الفحص يتم بطلب من جهة رقابية، فإن المعمل يزودها بالنتائج لاتخاذ القرار المناسب بشأن قبول أو رفض الشحنة، أما إذا كان الطلب من عميل أو مصدر، فالمعمل يجري له التقييم بناءًا على الدولة التي يصدر إليها، لأن كل دولة لها معايير مختلفة، لذلك يجب على العميل أن يوضح الدولة التي يصدر إليها، ونوع المنتج، حتى يتم تحديد الاشتراطات الفنية المطلوبة، سواء كانت تحاليل متبقيات مبيدات، أو تحاليل ميكروبية، أو فطريات.

*كيف تتعامل مصر مع المعايير الأوروبية الصارمة في تصدير المنتجات الزراعية، وما دلالة ارتفاع الكميات المصدرة للاتحاد الأوروبي؟
**الاتحاد الأوروبي يعد من أصعب الأسواق في ما يتعلق بمعايير التصدير، خاصة أن هذه المعايير تتغير من عام إلى آخر، ورغم ذلك، فإن الكميات المصدرة إليه من مصر شهدت زيادة، وهو ما يعد مؤشرًا واضحًا على ارتفاع جودة المنتج المصري، ليس فقط من حيث الجودة التجارية، بل من حيث معايير السلامة أيضًا، والتحسن لم يقتصر على تراجع معدلات الرفض من جانب الاتحاد الأوروبي، بل انعكس أيضًا في ارتفاع حجم الطلب واستقرار الصادرات، مما يدل على أن المنتجات المصرية أصبحت أكثر قبولًا وأمانًا في الأسواق الأوروبية، هذا الإنجاز لم يكن نتيجة جهد جهة واحدة، بل هو نتيجة سلسلة متكاملة من الجهود، شارك فيها المصدرون، واتحاد المصدرين، والحجر الزراعي، ووزارة الزراعة، والمعامل المركزية، واليوم أصبحت المعامل هي الفيصل الحقيقي في تحديد مدى صلاحية الشحنات للتصدير، من خلال التحاليل المسبقة التي تؤكد مدى التزامها بالمعايير المطلوبة، ويرجع هذا الدور المحوري إلى استراتيجية تطوير المعامل، سواء من حيث تحديث الأجهزة أو امتلاك تكنولوجيا متقدمة تضاهي أحدث ما يستخدم عالميًا، إلى جانب كوادر فنية تمتلك خبرات قادرة على المنافسة الدولية.

*كيف يتم تطوير خبرات الكوادر الفنية داخل المعمل المركزي لمواكبة التقدم في تقنيات التحليل وسلامة الغذاء؟ **تطوير الكوادر داخل المعمل يتم عبر مسارين رئيسيين، الأول، عند وصول أجهزة جديدة تعتمد على تكنولوجيا حديثة، يرفق معها خبير متخصص يقوم بتدريب العاملين بالمعمل على تشغيل الجهاز والتعامل معه بكفاءة، أما المسار الثاني، فيتم من خلال إيفاد خبراء من المعمل إلى الخارج، للتدريب في دول مختلفة على تقنيات وأساليب تحليل حديثة، وخلال الفترة الماضية، سافر عدد من الفنيين إلى ألمانيا وإيطاليا ودول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي، كما شاركت الشهر الماضي في برنامج تدريبي بإسبانيا متعلق بسلامة الغذاء، ونحن نحرص دائمًا على متابعة كل ما هو جديد في مجالات تحليل الأغذية وسلامتها، وما تتطلبه المعايير الدولية من تحديثات، وتعد هذه المشاركات أيضًا تمثيلًا مشرفًا لمصر، حيث يفاجأ كثير من الخبراء الأجانب حين يعلمون أن المعامل المصرية تمتلك هذه التقنيات الحديثة، مما يعكس حجم التطور الذي وصلنا إليه.

**كيف يتم تمويل تحديث الأجهزة داخل المعمل، وما أحدث الإضافات في هذا الإطار؟
**تحديث الأجهزة داخل المعمل يتم من خلال التمويل الذاتي، حيث يعتمد المعمل على الرسوم التي تحصل مقابل تحليل العينات المختلفة، ومن هذه العائدات، يتم شراء أجهزة حديثة بشكل مستمر لدعم وتطوير البنية التحتية الفنية، وقد تم مؤخرًا شراء جهاز حديث تجاوزت قيمته 10 مليون جنيه، جرى إضافته إلى فرع المعمل الجديد بالإسماعيلية، الذي تم افتتاحه الشهر الماضي، ويخضع حاليًا عدد من الفنيين للتدريب على استخدام الجهاز تحت إشراف خبراء متخصصين.

*ما أهمية التكنولوجيا الحديثة في المعمل، ولماذا تعد أساسية لضمان دقة النتائج؟
**التكنولوجيا والحداثة تمثلان عنصران أساسيان في عملنا، لأن طبيعة التحاليل التي نقوم بها تعتمد على درجات عالية جدًا من الحساسية والدقة، إذ نتعامل مع تركيزات متناهية الصغر تصل إلى جزء في المليون، وجزء في البليون، وأحيانًا جزء في التريليون، وهذه المستويات لا يمكن لأي جهاز تقليدي أن يتعامل معها بكفاءة، لذلك نعتمد بشكل دائم على تحديث الأجهزة، وتم استبدال أي جهاز لم يعد قادرًا على قياس التركيزات المطلوبة، والحداثة لا تتوقف عند شراء الأجهزة فقط، بل تشمل أيضًا وجود نظام متكامل داخل المعمل، يربط بين كل مراحل العمل، هذا النظام يشمل الربط بين الفروع المختلفة، والربط الداخلي بين الأجهزة والمراجعين، بحيث تتم مراجعة النتائج وتوثيقها بشكل إلكتروني، فعلى سبيل المثال، يتم توقيع شهادات التحاليل الصادرة من فرع الإسماعيلية إلكترونيًا دون الحاجة إلى التوقيع الورقي أو التواجد الفعلي في الفرع، والتحول الرقمي واستخدام التكنولوجيا لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة ملحة، خاصة أن هناك تبادلًا تجاريًا مع الاتحاد الأوروبي، الذي يتطلب مستوى عالي من الدقة والموثوقية.