ميزانية 2025/2026: تحقيق التوازن المالي بين زيادة الإيرادات الضريبية وتقليل العجز.

ميزانية 2025/2026: تحقيق التوازن المالي بين زيادة الإيرادات الضريبية وتقليل العجز.

“الحماقى”: ضريبة القيمة المضافة تكشف التناقض بين الخطاب الحكومى وواقع الأعباء على المواطن

“أنيس”: زيادة المجتمع الضريبى ضرورة.. ومعدلات الاقتراض يجب أن تتراجع تدريجيًا

“شوقى”: الرقمنة وتوسيع القاعدة الضريبية سبيل للاستدامة المالية وخفض العجز

“فؤاد”: فجوة الإيرادات والإنفاق تُهدد النموذج المالى.. والفائض الأولى ليس مؤشرًا كافيًا

 تستهدف الحكومة المصرية في مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2025/2026 تحقيق طفرة في الإيرادات الضريبية لتصل إلى نحو 2.6 تريليون جنيه، بما يعادل 85% من إجمالي الإيرادات العامة، دون فرض ضرائب جديدة وفقًا للتصريحات الرسمية، وتبلغ إجمالي المصروفات نحو 4.57 تريليون جنيه، في حين تصل أعباء الفوائد إلى 2.29 تريليون جنيه، بما يمثل أكثر من 50% من الإنفاق العام، إلا أن هذه المؤشرات تواجه تحديات حقيقية في ظل تصاعد الدين العام، واستمرار الاعتماد على الضرائب غير المباشرة التي تزيد من أعباء المواطنين.

في هذا السياق، ناقشت “البوصلة” آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين حول مدى واقعية مستهدفات الموازنة الجديدة، وكيفية توسيع القاعدة الضريبية دون الإضرار بالمناخ الاستثماري، وتأثير استنزاف الإيرادات العامة في خدمة الدين على الإنفاق العام.

رغم إعلان الحكومة أن الموازنة العامة الجديدة للعام المالي 2025/2026 تستهدف زيادة الإيرادات الضريبية دون فرض أعباء جديدة على المواطنين، إلا أن القراءة المتأنية لبنودها تكشف عكس ذلك، بحسب ما أكدته الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، مشيرة إلى أن المواطن سيظل المتحمل الرئيسي لأي زيادات ضريبية، خاصة مع استهداف رفع الحصيلة من ضريبة القيمة المضافة بما يشمل ضريبة الجدول إلى 1.1 تريليون جنيه، مقارنة بـ 828 مليار جنيه في الموازنة السابقة لها، بزيادة تتجاوز 270 مليار جنيه.

وترى “الحماقي” أن هذا التوجه يحمل تناقضًا واضحًا مع خطاب الحكومة بشأن التخفيف عن المواطنين، حيث إن فرض ضريبة جديدة على السجائر يمثل مؤشرًا مباشرًا على تحميل المستهلك عبئًا إضافيًا، مؤكدة أن أي زيادة في ضريبة القيمة المضافة، حتى لو لم تُفرض بشكل مباشر على الدخول، فإنها ستنعكس على الأسعار ومعدلات التضخم.

وفي سياق متصل، أشارت إلى أن استمرار العجز في الموازنة العامة وزيادة الأعباء على الاقتصاد القومي يدفع الحكومة للاتجاه إلى تعظيم الإيرادات الضريبية، رغم وجود بدائل أخرى لا يتم تفعيلها بكفاءة، مؤكدة أن “أزمة الموازنة ليست فقط في نقص الموارد، بل في ضعف كفاءة إدارتها”.

ورحّبت بتوجه الحكومة لإصدار صكوك سيادية كأداة تمويل جديدة، واصفة ذلك بأنه “توجه إيجابي من شأنه تقليل الاعتماد على أدوات الدين التقليدية، وخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي”، إلا أنها شددت في الوقت نفسه على ضرورة ترشيد الإنفاق العام، والحد من الهدر الناتج عن ضعف الرقابة وغياب آليات محاربة الفساد.

وانتقدت غياب التطبيق الفعلي لما يُعرف بـ”موازنة البرامج والأداء”، رغم الحديث الرسمي عنها منذ سنوات، مؤكدة أن تلك الآلية تمثل حجر الزاوية في ربط الإنفاق الحكومي بتحقيق نتائج قابلة للقياس، لكنها لا تزال غائبة عن التطبيق الفعلي، مما يؤدي إلى استمرار إهدار الموارد وتكرار الأزمات المالية.

وفيما يخص الاقتصاد غير الرسمي، طرحت تساؤلًا مهمًا حول أسباب التأخر في دمج هذا القطاع في المنظومة الرسمية، قائلة: “لماذا لم تنجح الدولة حتى الآن في خلق بيئة مشجعة لتحفيز القطاع غير الرسمي على الاندماج؟”، مشيرة إلى أن اتساع حجم الاقتصاد غير الرسمي يحرم الدولة من موارد ضخمة، كان من الممكن أن تسهم في تخفيف الضغوط على الموازنة دون تحميل المواطن أعباءً إضافية.

أما عن تحقيق فائض أولي بنسبة 4% في العام المالي الجديد، فقللت “الحماقي” من أهميته، معتبرة أن الفائض المعلن لا يعكس الصورة الحقيقية في ظل استبعاد خدمة الدين الداخلي والخارجي من حسابات الموازنة، مضيفة أنه طالما أن الدين يتجاوز حجم الإيرادات العامة، فإن الحديث عن تحقيق فائض أولي يصبح بلا معنى اقتصادي حقيقي واختتمت تصريحاتها بالتحذير من استمرار النهج الحالي في إعداد الموازنات العامة، مضيفًة إنه إذا لم تتمكن الدولة من توسيع قاعدة الإنتاج، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، وتعزيز كفاءة الإنفاق، فإن الموازنة المقبلة ستكون أسوأ من ذي قبل، وسنظل ندور في حلقة مفرغة من الأزمات المالية.

قال الخبير الاقتصادي محمد أنيس، إن مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2025-2026 يستهدف تحقيق إيرادات ضريبية تبلغ 2.6 تريليون جنيه، دون فرض أعباء ضريبية جديدة على المواطنين، مؤكدًا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهدًا جماعيًا من جميع أجهزة الدولة، وليس وزارة المالية وحدها، من خلال العمل على توسيع المجتمع الضريبي ودمج الاقتصاد غير الرسمي.

وأضاف أنيس، في تصريحات خاصة، أن زيادة القاعدة الضريبية هي السبيل الأكثر فاعلية لرفع الحصيلة دون اللجوء لزيادات ضريبية مباشرة، مشيرًا إلى أن المجتمع الضريبي في مصر يمثل فقط نحو 15% من الناتج القومي، مقارنة بنحو 30% في الدول النظيرة.

وأكد أن سد هذه الفجوة يتطلب مضاعفة حجم المجتمع الضريبي، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال التوسع في التحول الرقمي، وتفعيل أدوات الشمول المالي، بما يسهم تلقائيًا في إدخال شرائح اقتصادية جديدة إلى المنظومة الضريبية.

وأشار إلى أن مستوى الضرائب الحالي في مصر بلغ حدّه الأقصى، وأن أي زيادة إضافية قد تنعكس سلبًا على الحصيلة العامة، نتيجة تراجع الالتزام الضريبي أو انتقال بعض الأنشطة إلى الاقتصاد غير الرسمي، وهو ما يُحتم البحث عن حلول هيكلية أكثر استدامة.

كما أكد على أهمية تقليص معدلات الاقتراض تدريجيًا عامًا بعد عام، وهو ما تعمل عليه الدولة حاليًا عبر خطة تهدف إلى خفض الدين الخارجي بقيمة 2 تريليون جنيه سنويًا، مضيفًا أن من الضروري أن يكون حجم الاقتراض أقل من معدل نمو الناتج القومي، وأن تقل نسبة إجمالي الديون إلى الناتج المحلي، وهي معايير رئيسية لضمان الاستقرار المالي وتقليص مستويات العجز الكلي على المدى المتوسط.

وتعليقًا على مستهدف الفائض الأولي البالغ 4% في مشروع الموازنة الجديدة، اعتبر “أنيس” أن هذا المستوى يعد كافيًا لتحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل، شريطة الالتزام بالتوازن بين خفض الدين، وزيادة الناتج المحلي، وتوسيع القاعدة الضريبية، مؤكدًا على أهمية تطوير برنامج دعم الصادرات، مشيرًا إلى ضرورة تيسير إجراءاته والتخلص من البيروقراطية التي تعرقل الاستفادة الحقيقية منه، مؤكدًا أن الأهم هو دعم إجمالي قيمة الصادرات وليس الإجراءات الشكلية، بما يعزز قدرة الاقتصاد على توليد عملة صعبة وفتح أسواق خارجية جديدة.

وأكد أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي، أنه من خلال تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية كبديل للفواتير التقليدية يمكن استخدامها لتوسيع القاعدة الضريبية وتعزيز التحصيل الفوري للضرائب، بما يسهم في زيادة الإيرادات العامة للدولة، لافتًا إلى أن السداد الإلكتروني يدعم كذلك كفاءة التحصيل ويحد من التهرب الضريبي، خاصة في الأنشطة غير الرسمية.

وأوضح أن الضرائب تمثل العمود الفقري للإيرادات العامة في موازنة مصر 2025/2026، ويتم استهداف جمع حصيلة ضريبية قدرها نحو 2.6 تريليون جنيه، أي ما يعادل 85% من إجمالي الإيرادات، مقارنة بإسهام أقل للمنح والموارد الأخرى، ما يعكس الاعتماد المتزايد على الموارد الذاتية في تمويل الموازنة.

وأشار إلى أن هذه الحصيلة الضريبية الكبيرة تتيح للحكومة فرصًا ملموسة في خفض العجز الكلي، لكنها تصطدم بتحدٍ رئيسي يتمثل في ارتفاع أعباء الفوائد على الديون، والتي تصل إلى 2.29 تريليون جنيه، وتشكل 50.2% من إجمالي المصروفات البالغة 4.57 تريليون جنيه.

وشدد على أهمية خفض أسعار الفائدة الحالية لتقليل كلفة خدمة الدين المحلي، إلى جانب تحويل الديون بالعملات الأجنبية إلى استثمارات مباشرة أو تمويلات من خارج الموازنة، عبر أدوات مثل الصكوك السيادية، وذلك لتخفيف الضغط على المصروفات وتحقيق قدر من الاستدامة المالية.

وفيما يتعلق بإجمالي استخدامات الموازنة البالغة 6.76 تريليون جنيه، أوضح الخبير المصرفي أن ترشيد الإنفاق على الدين المحلي والخارجي يمثل أولوية لتحقيق فائض أولي مستدام، والذي يُقدر حاليًا بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدًا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب بالضرورة السيطرة على أعباء الدين العام ورفع كفاءة إدارة الموارد.

وأضاف أن تعزيز الفوائض الأولية يمثل حجر الزاوية في تحسين مؤشرات الاستدامة المالية، مما يعزز قدرة الدولة على تمويل الإنفاق التنموي دون اللجوء إلى مزيد من الاقتراض، لافتًا إلى أن استمرار هذه السياسة على مدى زمني متوسط يمكن أن يُحدث تحولًا جذريًا في هيكل الموازنة العامة.

وأشار إلى أن نجاح منظومة الرقمنة الضريبية لا يقتصر على تحقيق إيرادات فورية، بل يسهم أيضًا في دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية، ويوفر بيانات دقيقة تدعم اتخاذ القرار الاقتصادي على مستوى الدولة، ما يفتح الباب أمام إصلاحات أوسع تتعلق بالعدالة الضريبية وتحقيق الاستقرار المالي.

واختتم بالتأكيد على أن السياسات الضريبية الحديثة يجب أن تسير بالتوازي مع إصلاحات هيكلية في سوق العمل، وقطاع الدعم، وإدارة أصول الدولة، لضمان استدامة نمو الإيرادات وتحقيق رؤية مصر 2030 في بناء اقتصاد قوي وتنافسي.

فيما حذّر الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، من التحديات الهيكلية التي تواجه قدرة الدولة على تحقيق مستهدفاتها الطموحة في مشروع موازنة العام المالي الجديد، خصوصًا فيما يتعلق بتعبئة الإيرادات الضريبية، مشيرًا إلى أن الفجوة المزمنة بين الإيرادات والإنفاق تمثل تحديًا متجدّدًا أمام الاستقرار المالي.

وقال في تحليل خاص لـ”البوصلة نيوز”، إن مصر تعاني من ركود هيكلي في نسبة الإيرادات الضريبية للناتج المحلي الإجمالي (Tax-to-GDP)، والتي ظلت تراوح بين 12 و13% لعقد كامل، مقارنة بمتوسط 34% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) و16% في القارة الإفريقية، معتبرًا أن هذه الأرقام تعكس فشلًا مزمنًا في تعظيم القاعدة الضريبية بشكل مستدام.

وأضاف أن هذا الجمود في الإيرادات يتزامن مع تصاعد مستمر في الإنفاق، لا سيما في بند خدمة الدين، مما يؤدي إلى فجوة تمويلية تُغطى غالبًا من خلال التوسع في أدوات الدين أو الاعتماد على بيع الأصول العامة، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى النموذج المالي الحالي وقدرته على الاستدامة.

وأشار إلى أن مشروع الموازنة يستهدف تحصيل 2.6 تريليون جنيه من الضرائب، بزيادة تقترب من 40% عن العام السابق، وهو رقم طموح لكنه لا يتوافق مع خطط لفرض ضرائب جديدة، بل يعتمد على تحسين كفاءة التحصيل وتوسيع المجتمع الضريبي، لكنه أكد أن تحقيق هذا المستهدف يتطلب إما طفرة في النشاط الاقتصادي الاسمي أو تحسنًا غير مسبوق في الامتثال الضريبي، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل محدودية القوة الشرائية وضعف معدلات النمو الحقيقي.

وأوضح أن ارتفاع معدلات التضخم يسهم فعليًا في رفع الحصيلة الضريبية، لاسيما مع ارتباط الجزء الأكبر من الإيرادات بضريبة القيمة المضافة، التي تُعد من أكثر أنواع الضرائب تأثرًا بالأسعار، إلا أن هذا الارتفاع لا يعكس بالضرورة نموًا اقتصاديًا حقيقيًا، بل يُعزز من الطابع غير التنموي للإيرادات.

وحول خطط الحكومة لتوسيع القاعدة الضريبية، أشار “فؤاد” إلى أن هناك تركيزًا على دمج الاقتصاد غير الرسمي من خلال قانوني الضريبة على الدخل (رقم 5 و6)، وتحسين تحصيل الضريبة العقارية، لكن حتى الآن، تدور الجهود حول تحسين الامتثال الأفقي دون أن تمس جوهر السياسات الضريبية أو تعيد هيكلة الأعباء بشكل عادل، موضحًا أن الحكومة لا تزال تعتمد على القيمة المضافة كحل سريع لتعويض الفجوات، ما يُعزز العبء غير المباشر على المستهلكين.

وبالنسبة للتوازنات المالية، لفت إلى أن العجز الكلي ارتفع إلى 6.9% من الناتج المحلي في أول 11 شهرًا من السنة المالية 2024/2025، مقارنة بـ3.6% في الفترة نفسها من العام الماضي، في حين قفزت تكلفة خدمة الدين بنسبة 33.5% لتصل إلى 1.765 تريليون جنيه، بما يعادل 79% من إجمالي الإيرادات المُحققة، مما يعني أن أي زيادة في الإيرادات يتم استهلاكها تلقائيًا في بند الدين دون تحقيق أثر تنموي حقيقي.

وتعليقًا على الفائض الأولي المستهدف في مشروع الموازنة بنسبة 4% من الناتج المحلي، اعتبر “فؤاد” أن هذا الرقم جيد من الناحية النظرية، لكنه فعليًا يُستخدم لتغطية فوائد الدين، وليس لتوسيع الاستثمار العام أو تحسين الخدمات، مطالبًا بتحويل الفائض من كونه مجرد مؤشر محاسبي إلى رافعة حقيقية للتمويل التنموي.

وأكد “فؤاد” أن زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية أمر ضروري لاستعادة التوازن الاجتماعي بعد موجات التضخم الأخيرة، لكنه شدد على أن الأهم من رفع الأرقام هو تحسين فعالية هذا الإنفاق وضمان كفاءته المؤسسية.

وفي ختام حديثه، أشار إلى ملاحظات البرلمان على مشروع الموازنة، التي تضمنت انتقادات لضعف الشفافية في توزيع الدعم الإنتاجي، وتضخم بند المصروفات العامة دون مراجعة للأولويات، بالإضافة إلى دعوات لإعادة النظر في منظومة المزايا الضريبية وضمان عدالة التوزيع الجغرافي للإنفاق العام.