د. محمد أبو أحمد يكتب… استخدام التجويع كوسيلة حرب من قبل إسرائيل ضد قطاع غزة يكشف عن ازدواجية المعايير الدولية.

د. محمد أبو أحمد يكتب… استخدام التجويع كوسيلة حرب من قبل إسرائيل ضد قطاع غزة يكشف عن ازدواجية المعايير الدولية.

منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، تزايدت الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل بانتهاج سياسة التجويع كسلاح حرب، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية وتدهور الأوضاع المعيشية للسكان المحاصرين.

هذه الاتهامات، المدعومة بتقارير المنظمات الدولية وشهادات الأهالي، ترسم صورة قاتمة لمعاناة إنسانية واسعة النطاق، وتثير تساؤلات جدية حول مدى التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني.

تعتمد سياسة التجويع على تقييد أو منع وصول الغذاء والماء والدواء والوقود والمساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين، بهدف إضعاف صمودهم ودفعهم إلى الاستسلام أو النزوح.

وفي حالة غزة، المحاصرة منذ سنوات، تضاعفت آثار هذه السياسة بشكل كبير. 

فمنذ بداية الاعتداءات الإسرائيلية فرضت قوات الاحتلال حصارًا كاملاً على القطاع، مما أدى إلى قطع إمدادات الكهرباء والمياه والوقود بالكامل، وتوقف العديد من محطات معالجة المياه والمخابز والمستشفيات عن العمل.

لقد أدت هذه الإجراءات إلى كارثة إنسانية وشيكة، فالتقارير والمشاهد  الواردة من القطاع تتحدث عن نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية، مما يدفع الأهالي للبحث عن أي مصدر للطعام، حتى لو كان غير صالح للاستهلاك البشري.

الأطفال والنساء وكبار السن هم الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، حيث يتعرضون لسوء التغذية والأمراض الناتجة عن نقص المياه النظيفة والصرف الصحي.

المستشفيات، التي تعاني أصلاً من نقص الإمدادات الطبية، أصبحت عاجزة عن تقديم الرعاية اللازمة للمرضى والجرحى في ظل انقطاع الكهرباء وشح الوقود.

و تؤكد العديد من المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، أن استخدام التجويع كسلاح حرب هو جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني.

فبروتوكول جنيف الإضافي الأول لعام 1977 يحظر تجويع المدنيين كوسيلة للحرب.

كما أن المادة 3 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر الهجمات على المدنيين والتي تسبب المعاناة الشديدة، والتي قد يندرج تحتها تجويع السكان.

دولة الاحتلال الإسرائيلي، من جانبها، تبرر هذه الإجراءات بدواعي أمنية، مدعية أن قطع الإمدادات يهدف إلى منع حركة حماس من استخدامها لأغراض عسكرية.

وبالطبع ، فإن هذه التبريرات لا تصمد أمام واقع المعاناة الإنسانية الواسعة، ولا تعفيها من مسؤوليتها في توفير المساعدات الإنسانية الأساسية للسكان المدنيين، بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية.

إن استمرار سياسة التجويع في غزة يمثل وصمة عار على جبين الإنسانية، ويتطلب تحركًا دوليًا عاجلاً لوقف هذه الممارسات وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

ومن هذا المنطلق فيجب على المجتمع الدولي أن يمارس أقصى الضغوط على إسرائيل للامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، ورفع الحصار عن غزة، والسماح بوصول كافة الإمدادات الضرورية لإنقاذ حياة المدنيين.

فالتجويع ليس حلاً للصراع، بل هو جريمة تزيد من تفاقم المعاناة الإنسانية وتزرع بذور الكراهية واليأس في نفوس جيل كامل.