المسؤول عن مشروع تطوير زراعة الأرز في وزارة الزراعة: مصر تتصدر العالم في إنتاجية الفدان وتحقق الاكتفاء الذاتي وفائضًا في السوق المحلية.

تراجع استهلاك المياه فى زراعة الأرز بنسبة 30% دون التأثير على الإنتاج
احتكار التجار يضرب سوق الأرز رغم وجود فائض يتجاوز المليون طن
تطوير الأصناف العطرية لتقليل فاتورة استيراد الأرز البسمتى
الأرز الأسود يدخل الزراعة التعاقدية تحت إشراف شركات متخصصة
يمثل الأرز أحد أهم المحاصيل الاستراتيجية في مصر، نظرًا لما يوفره من عنصر غذائي رئيسي لملايين الأسر، وتحقيقه معدلات إنتاجية مرتفعة تضع مصر في صدارة الدول المنتجة عالميًا من حيث إنتاجية وحدة المساحة، وعلى الرغم من الاكتفاء الذاتي الذي تحققه الدولة من المحصول، إلا أن السوق المحلية تشهد من حين لآخر تذبذبًا في الأسعار، بسبب عوامل لا تتعلق بالإنتاج، بل بممارسات احتكارية وبعض السياسات المنظمة للزراعة والتسويق، كما يخضع الأرز سنويًا لتحديثات بحثية مستمرة تستهدف ترشيد استهلاك المياه، وتحسين جودة التقاوي، ومقاومة الأمراض، لذلك التقت مجلة “البوصلة الاقتصادية” بالدكتور مجاهد عمار، المسؤول عن ملف تطوير زراعة الأرز بوزارة الزراعة، وإلى نص الحوار…
*بداية.. ما هو الوضع الحالي لمحصول الأرز في مصر، ولماذا يشهد السوق تذبذبًا في الأسعار رغم وجود فائض؟ **الأرز يعد من المحاصيل الاستراتيجية، حيث تحقق الدولة اكتفاءًا ذاتيًا منه من خلال زراعة نحو 1.3 مليون فدان بمتوسط إنتاجية 4 أطنان للفدان، ما يعادل نحو 6 ملايين طن من الأرز الشعير، ينتج منها بعد التبييض حوالي 4 ملايين طن من الأرز الأبيض، في حين يبلغ الاستهلاك المحلي 3.2 ملايين طن فقط، مما يعني وجود فائض في المعروض، ورغم ذلك تشهد السوق تذبذبًا في الأسعار لا علاقة له بالإنتاج، بل يرجع إلى ممارسات احتكارية من بعض التجار، الأرز كمحصول كانت توجه له انتقادات تتعلق باستهلاك كميات كبيرة من المياه، لكن الوضع تغير، إذ تطورت الإنتاجية من 2 طن للفدان إلى 4 وحتى 6 أطنان في بعض الأصناف، مع خفض استهلاك المياه من 8000 إلى 4500 متر مكعب، بما يعني توفيرًا يصل إلى 30% من مياه الري، ومع ارتفاع إنتاجيته أصبحت مصر الأولى عالميًا في إنتاجية وحدة المساحة من الأرز، ويعتبر منافسًا قويًا للمحاصيل الصيفية نظرًا لسعره المجزي وسهولة تسويقه، وقد طرحت فكرة ضمه إلى منظومة الزراعة التعاقدية منذ أكثر من عامين للحد من التذبذب السعري، خاصة أن مدخلات إنتاجه محلية بالكامل، وتشير دراسات حديثة إلى أن تكلفة طن الأرز لا تتجاوز 10 آلاف جنيه، مما يجعل سعر 15 ألف جنيه في السوق منطقيًا، بينما الوصول إلى 30 ألف جنيه للطن لا يعبر عن الواقع، خاصة في ظل وجود فائض في المعروض.
*كيف ساهمت مصر في رفع كفاءة استخدام المياه في زراعة الأرز؟
**مصر حققت طفرة كبيرة في كفاءة استخدام المياه في زراعة الأرز، فبينما كان المتر المكعب من المياه ينتج سابقًا نحو 300 جرام فقط من الأرز، أصبح اليوم ينتج أكثر من كيلو جرام، أي ما يعادل رفع الكفاءة لأكثر من ثلاثة أضعاف، هذه النتائج جاءت نتيجة تطبيقات متطورة تمت على مدار السنوات الماضية، وهو ما جعل دولًا عديدة تشيد بالبرنامج المصري لإنتاج الأرز، وما زالت جهود ترشيد استهلاك المياه مستمرة، من خلال الاعتماد على أساليب مثل الزراعة المباشرة، التي توفر ما يعادل أسبوعين من استهلاك المياه مقارنة بالطرق التقليدية، إلى جانب استخدام التسوية بالليزر، التي تعد أداة رئيسية في الحفاظ على المياه وتحقيق تبكير زراعي ملحوظ، وقد أسهمت هذه التطورات في تقليص مدة بقاء المحصول في الأرض، فبدلًا من أن تستغرق الدورة الزراعية للأرز نحو 6 أشهر، أصبحت الأصناف الحديثة تحصد خلال 90 يومًا بعد الشتل، بإجمالي 120 يومًا، وهناك أصناف لا تتجاوز 110 يوم، هذا التطوير لم يقتصر على توفير المياه فقط، بل أتاح للمزارع فرصة زراعة محصول إضافي بين الموسم الصيفي والموسم الشتوي، ما يعزز العائد الاقتصادي ويزيد من كفاءة استخدام الأرض الزراعية.
*ما أنواع الأرز المزروعة في مصر؟ وهل هناك توجه لإنتاج أصناف جديدة بديلة للاستيراد؟
**تزرع في مصر عدة أنواع من الأرز، أبرزها الأرز البلدي الياباني ذو الحبة القصيرة والعريضة، ويعد الأكثر انتشارًا في الأسواق المحلية، والنوع الثاني هو الأرز الهندي، الذي يتميز بحبة طويلة ورفيعة، لكنه لا يعني بالضرورة أنه أرز بسمتي، وهي من المفاهيم المغلوطة الشائعة، إذ إن الأرز البسمتي يمتاز برائحة الياسمين قبل الطهي، ويستخدم بكثرة في دول الخليج خاصة في أطباق مثل الكبسة، وبهدف تقليل فاتورة الاستيراد، اتجهت مصر إلى تطوير أصناف محلية بديلة، مثل صنف ياسميني مصري، وجيزة بسمتي 201، وهجين مصر بسمتي 11، وهي أصناف تدخل ضمن فئة الأرز العطري، إلا أن الإنتاج المحلي منها لا يزال غير كافي لتغطية الطلب في السوق، أما بالنسبة للأرز الهندي- الياباني الهجين، فهو صنف يتميز بتحمله للتغيرات المناخية والملوحة والجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة ونقص المياه، ويزرع على نحو نصف المساحات المزروعة بالأرز أو أكثر، في حين أن الأرز الهندي النقي “بيور” لا يزرع إلا بكميات محدودة لا تتجاوز 5% من إجمالي المساحة المزروعة.
*ما مميزات الأرز الأسود، ولماذا يزرع في مساحات محدودة؟
**الأرز الأسود يعد من الأنواع الخاصة والنادرة من الأرز، ويتميز بارتفاع محتواه من العناصر الغذائية المهمة مثل المنجنيز والزنك والحديد، فضلًا عن احتوائه على مضادات أكسدة طبيعية قوية تلعب دورًا مهمًا في تقوية مناعة الجسم ومقاومة الأمراض، ويعتبر الأرز الأسود خيارًا مناسبًا للأشخاص الذين يتبعون حميات غذائية، لاحتوائه على سعرات حرارية أقل مقارنة بالأنواع الأخرى، مما يجعله مفيدًا في أنظمة خفض الوزن، ورغم فوائده، لا يمكن التوسع في زراعته بشكل واسع لأنه يتطلب عزلًا جغرافيًا دقيقًا، نظرًا إلى أن حبوب اللقاح منه قد تنتقل إلى أنواع الأرز الأخرى وتؤثر على لون الحبة، ما يؤدي إلى ظهور درجات غير مرغوبة من اللون الأحمر، لهذا السبب، يزرع في مساحات محددة ومعزولة، وتتجه بعض الشركات في القطاع الخاص إلى تبني زراعة هذا النوع من الأرز، ضمن بروتوكول خاص يجري الإعداد له حاليًا، بهدف منح هذه الشركات حق الإنتاج التجاري الحصري لهذه الأصناف.
*هل يحتاج محصول الأرز إلى دعم من الدولة؟ وكيف تدار المساحات المزروعة به سنويًا؟
**محصول الأرز لا يحتاج إلى دعم من الدولة، وتفرض عليه قيود سنوية من حيث تحديد المساحات المسموح بزراعتها، لضبط استهلاك المياه، ويتم تحديد هذه المساحات بناءًا على تنسيق مشترك بين وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية والري، حيث تعلن سنويًا المساحة الرسمية المسموح بها، والتي تبلغ حوالي مليون و 74 ألف فدان، يخصص من هذه المساحة نحو 724 ألف فدان في الشريط الشمالي للدلتا، و200 ألف فدان للأصناف الموفرة للمياه والمتحملة للتغيرات المناخية، بالإضافة إلى 150 ألف فدان تعتمد على مياه الصرف الزراعي، ورغم هذه التحديدات الرسمية، فإن المساحة الفعلية المزروعة بالأرز غالبًا ما تكون أكبر، نتيجة زراعة بعض المساحات المخالفة خارج الإطار الرسمي، ومع ذلك، تؤكد البيانات أن مساحة الأمان المطلوبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز في مصر تقدر بـ 1.3 مليون فدان، وهي المساحة التي تتيح تغطية الاستهلاك المحلي دون الحاجة إلى استيراد.
*لماذا أوقفت مصر تصدير الأرز المصري منذ أكثر من 10 سنوات؟ وهل هناك استثناءات أو بدائل للتعامل مع السوق؟ **مصر أوقفت تصدير الأرز رسميًا منذ أكثر من عشر سنوات، ليس فقط لأنها تصدر منتجًا غذائيًا، ولكن لأنها في الواقع تصدر مياهًا أيضًا، نظرًا لأن زراعة الأرز تعد من المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، ومن هذا المنطلق، جاء قرار وقف التصدير كإجراء استراتيجي للحفاظ على المياه وتوجيهها إلى محاصيل استراتيجية أخرى تحتاجها الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ورغم القرار الرسمي، تحدث أحيانًا مخالفات فردية تتمثل في تصدير الأرز بشكل غير قانوني، كما أن الحكومة تلجأ أحيانًا إلى استيراد كميات محدودة من الأرز من بعض الدول، بهدف تحقيق توازن في السوق المحلي، وكبح جماح الأسعار، خصوصًا في ظل الممارسات الاحتكارية لبعض التجار.
*ما الجهة المسؤولة عن تطوير الأرز المصري؟ وما مدى اهتمام الدول الأخرى بالأصناف المصرية؟
**مركز بحوث الأرز هو الجهة الرسمية والوحيدة المسؤولة عن تحسين واستنباط أصناف الأرز في مصر، ويعمل بالتعاون مع المركز الدولي لبحوث الأرز الموجود في الفلبين، بهدف تطوير أصناف جديدة تلائم التغيرات المناخية وتحقق إنتاجية أعلى، وخلال السنوات الأخيرة، لاقى الأرز المصري اهتمامًا متزايدًا من دول أفريقية عديدة، خاصة أن الإنتاجية في مصر تصل إلى 10 أطنان للهكتار، في حين لا تتجاوز 2 طن للهكتار في أغلب الدول الأفريقية، هذا الفارق الكبير في الإنتاجية شجع العديد من هذه الدول على استيراد عينات من الأصناف المصرية، سواء من الأرز أو غيره من المحاصيل، لتجريبها وزراعتها على أراضيها، ويعد الاهتمام الدولي بالأصناف المصرية فرصة مهمة لتوسيع انتشارها وتعزيز السمعة الزراعية لمصر في القارة السمراء ومناطق أخرى.
*ما أبرز الأمراض التي تهدد محصول الأرز في مصر؟ وكيف تتعامل البرامج البحثية مع هذه التحديات؟
**من أخطر الأمراض التي تهدد محصول الأرز في مصر هو مرض اللفحة، وهو مرض فطري يمكن أن يتسبب في خسائر كبيرة، فمعظم الأصناف المصرية الحالية مقاومة للأمراض، باستثناء صنفين هما “سخا 104” و”سخا 101″، واللذان يعدان أكثر عرضة للإصابة، وقد تصل نسبة الفقد في المحصول عند إصابتهما إلى أكثر من 50%، وللتعامل مع هذه التحديات، تنقسم البرامج البحثية الخاصة بالأرز إلى شقين:
الأول: البحث العلمي، ويجري من خلال تجارب بحثية على كافة أنواع الأرز في مصر، وتنفذ هذه التجارب على مساحة إجمالية تقدر بحوالي 150 فدانًا على مستوى الجمهورية.
الثاني: إنتاج التقاوي، ويقوم به مركز بحوث الأرز من خلال إنتاج تقاوي “المربي” و”الأساس”، ويتم زراعتها على مساحة تتراوح ما بين 700 إلى 800 فدان سنويًا، وبعد إنتاج هذه التقاوي الأساسية، يتم تسليمها إلى شركات الإنتاج الزراعي التي تقوم بدورها بإنتاج التقاوي المعتمدة، لتصل في النهاية إلى المزارعين، ضمن منظومة تضمن الجودة والاعتماد الرسمي.