الاقتصاد غير الرسمي في مصر: تحديات مستمرة تؤثر على الشمول المالي واستقرار الأسواق

“سمير” : دمج الاقتصاد غير الرسمي ضرورة لتحقيق نمو حقيقي واستدامة اقتصادية
“الحماقي” : البيروقراطية وغياب الحوافز تعرقل دمج الاقتصاد غير الرسمي
“الدسوقي” : السيولة خارج البنوك تُقيد الاقتصاد وتُضعف السيطرة على التضخم وسعر الصرف
يشكّل الاقتصاد غير الرسمي تحديًا هيكليًا مزمنًا للاقتصاد المصري، نظرًا لحجمه الكبير وممارسته خارج الإطار القانوني، مما يحرم الدولة من موارد ضريبية مهمة ويمنع العاملين فيه من الحصول على حماية قانونية أو تمويل مؤسسي، ورغم مساهمته الفعلية في النشاط الاقتصادي، إلا أن بقاءه خارج المنظومة الرسمية يُضعف فاعلية السياسات المالية والتنموية، وفي ظل جهود الدولة لتعزيز الشمول المالي وتوسيع القاعدة الضريبية، يبقى دمج هذا القطاع ضرورة ملحة لإصلاح اقتصادي حقيقي يحقق نموًا شاملًا ويعكس الإمكانات الحقيقية للاقتصاد الوطني.
وتستطلع “البوصلة” في التقرير التالي آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين حول تأثير السيولة المتداولة خارج الاقتصاد الرسمي، كما تناول الاستطلاع أبرز التحديات التي تواجه جهود جذب الاقتصاد غير الرسمي إلى المنظومة الرسمية، ومدى كفاية التيسيرات والإجراءات التي أطلقتها وزارة المالية لتحقيق دمج الاقتصاد الغير الرسمي في المنظومة الرسمية.
أكد أحمد سمير، الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ، أن دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية بات ضرورة ملحّة لتحقيق معدلات نمو حقيقية ومستدامة، رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة تحدد حجمه مقارنة بالاقتصاد الكلي، مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا تزال تعمل خارج الإطار الرسمي، دون سجل تجاري أو مستندات قانونية، مما يُفقد الدولة موارد ضريبية ويُضعف من فعالية السياسات الاقتصادية، رغم الجهود الحكومية الأخيرة لتقديم تسهيلات ضريبية لهذه الفئة.
وأوضح أن التحديات لا تزال قائمة، وأبرزها غياب الشفافية الكاملة في النظام الضريبي، والبيروقراطية التي تعرقل دمج هذه الكيانات، مشددًا على ضرورة تقديم محفزات قوية وواضحة تكون قادرة على جذب العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، حتى وإن تطلب الأمر التنازل مؤقتًا عن بعض المكاسب المالية على المدى القصير.
وأضاف أن التعامل مع هذه القضية يتطلب رؤية طويلة المدى، تبدأ بإعداد دراسة مستفيضة تتناول كافة المعوقات والتحديات التي تعيق إدماج الاقتصاد غير الرسمي، والتعرف على الأسباب الجوهرية التي ما زالت تُشكل سدًّا أمام هذا الدمج، رغم مبادرات الدولة لتبسيط الإجراءات وتقديم الحوافز.
وشدد على أن نجاح هذه الخطوة لن يتحقق إلا من خلال بناء جسور ثقة حقيقية بين الدولة وأصحاب المشروعات غير الرسمية، وتوفير بيئة اقتصادية ومؤسسية عادلة ومحفزة، تسهم في استقطاب هذه الأنشطة إلى المنظومة الرسمية، وتعزز من قدرة الاقتصاد المصري على تحقيق التنمية الشاملة.
وأكدت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية بات ضرورة ملحة لتحقيق قفزات في معدلات النمو الاقتصادي، وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، وخفض معدلات البطالة، ورفع مستوى التنمية، موضحًة أن الاقتصاد غير الرسمي يساهم بجزء كبير في حجم الإنتاج الكلي، لكن هذه المساهمة لا تنعكس على المؤشرات الرسمية للاقتصاد، بسبب بقاء هذه الأنشطة خارج المظلة القانونية والتنظيمية.
وأشارت إلى أن هناك تحديات حقيقية تواجه أصحاب المشروعات غير الرسمية، أبرزها البيروقراطية وارتفاع تكاليف التعامل مع الجهات الحكومية، إلى جانب غياب الحوافز المشجعة على الانضمام للقطاع الرسمي، لافتًة إلى أن العاملين في الاقتصاد غير الرسمي يعانون من ضياع حقوقهم بسبب غياب تطبيق قوانين العمل، وعدم وجود آليات واضحة للحصول على مستحقاتهم عند ترك العمل، وهو ما يعمّق مشكلات هذا القطاع.
وأكدت أن الحكومة بدأت مؤخرًا اتخاذ خطوات إيجابية نحو دمج الاقتصاد غير الرسمي، من خلال تحركات لوزارة المالية ومصلحة الضرائب لتوحيد معايير احتساب الضرائب، وتسهيل إجراءات ضريبة المرتبات، وزيادة الشفافية في مفردات الرواتب، بما يسهم في تعزيز الالتزام الضريبي وتشجيع العاملين في الاقتصاد الموازي على الانضمام للرسمي.
وأشادت بقرار رئيس مجلس الوزراء القاضي بمنع أي جهة من فرض رسوم إضافية دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، معتبرة أنها بمثابة خطوات إصلاحية مهمة لحماية أصحاب المشروعات من العشوائية والازدواج الضريبي، كما شددت على ضرورة تهيئة مناخ محفز لدمج الاقتصاد غير الرسمي، عبر تخفيف التكاليف وتبسيط الإجراءات، مع دعم وتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، مؤكدة أن ذلك سيسهم في زيادة الطاقة الإنتاجية، وتوسيع قاعدة التشغيل، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، ورفع الصادرات، وبالتالي دفع عجلة التنمية في البلاد.
كما أكد الدكتور إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، أن حجم السيولة المتداولة خارج البنوك والاقتصاد الرسمي يشكل تحديًا كبيرًا للاقتصاد المصري. وأوضح أن توسع أنشطة الاقتصاد غير الرسمي يؤدي إلى مشكلات هيكلية في موازنة الدولة، مما يفاقم فجوة الشمول المالي ويحد من فعالية البنك المركزي في التحكم بمعدلات التضخم والنمو وسعر الصرف.
وأشار “الدسوقي” إلى أن التجارة غير المشروعة والعوائق التي تفرضها البنوك على فتح حسابات، خاصة المتعلقة بالعملة الصعبة، تعزز من احتفاظ المواطنين بالعملة الأجنبية خارج النظام المصرفي، مما يؤثر سلبًا على تنمية الدولة ويعيق قدرة الاقتصاد على تدوير رؤوس الأموال والاستثمارات.
وأوضح أن الاقتصاد غير الرسمي لا يشكل فقط تحديًا في السيولة والتمويل، بل يؤثر أيضًا على قدرة الحكومة في جمع الإيرادات الضريبية، مما يضع ضغوطًا إضافية على الميزانية العامة ويحد من قدرة الدولة على تمويل مشروعات التنمية والخدمات العامة.
وأضاف أن ضعف التوسع في الشمول المالي ينعكس على محدودية وصول الفئات الأكثر احتياجًا إلى الخدمات المصرفية الرسمية، مما يزيد من الفجوة الاقتصادية والاجتماعية ويحد من فرص النمو المتوازن والشامل.
وشدد على أن المبادرات التي أُطلقت لدمج القطاعات غير الرسمية وتحقيق الشمول المالي لم تكن كافية، مؤكدًا على ضرورة اتخاذ خطوات أكثر جدية تركز على تمويل المشروعات متناهية الصغر، مشيرًا إلى أن هذه المشروعات تمتلك مميزات خاصة تتيح توفير قاعدة بيانات شاملة تساعد البنوك على تحسين جودة القرارات الائتمانية، ما يسهم في دمج أكبر للقطاع غير الرسمي ضمن الاقتصاد الرسمي وتحفيز النمو الاقتصادي.
كما دعا إلى تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، إلى جانب تحديث الأطر التشريعية والتنظيمية، لتشجيع التحول نحو الاقتصاد الرسمي وتقليل حجم الاقتصاد الموازي، مؤكدًة على أهمية تبني تقنيات حديثة مثل التحول الرقمي في الخدمات المالية، خاصة مع النمو المتسارع لتكنولوجيا المالية (FinTech)، لتسهيل عمليات التمويل وتوسيع قاعدة العملاء، مما يعزز من فرص الشمول المالي والتنمية الاقتصادية.