استحواذات الشركات تتيح فرصا جديدة للنمو في “التمويل الاستهلاكي”

استحواذات الشركات تتيح فرصا جديدة للنمو في “التمويل الاستهلاكي”

بينما تُغلق أبواب التراخيص، تنفتح نوافذ صفقات الاستحواذ، في سوق لم يصل بعد إلى مرحلة التشبع، ولا يزال يحمل في طياته فرص نمو حقيقية مدفوعة بالطلب الاستهلاكي، والاحتياج المتزايد لحلول تقسيط مرنة.

وفي ظل اهتمام مؤسسي متزايد، وتنظيم رقابي واضح، يبدو أن التمويل الاستهلاكي سيظل ساحة خصبة لصفقات الاستحواذ خلال الفترات المقبلة.

فقد أعاد قرار الهيئة العامة للرقابة المالية وقف إصدار تراخيص جديدة لشركات التمويل الاستهلاكي، تشكيل خريطة المنافسة داخل القطاع، ليصبح الاستحواذ على كيانات قائمة هو السبيل الأسرع

ومع استمرار النمو القوي للنشاط، شهدت السوق المصرية توجهًا متزايدًا من كيانات كبرى—محلية وأجنبية—للدخول أو التوسع في القطاع من خلال صفقات دمج واستحواذ، في وقت بلغت فيه قيمة التمويلات المقدمة نحو 29.2 مليار جنيه خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، بنمو يقترب من 47% سنويًا.

وقف التراخيص يغير قواعد اللعبة

في أكتوبر الماضي، قررت الهيئة العامة للرقابة المالية وقف قبول طلبات تأسيس الشركات الجديدة الراغبة في الحصول على تراخيص التمويل الاستهلاكي أو تمويل المشروعات متناهية الصغر بالطرق التقليدية، لمدة عام قابل للتجديد، وهو ما جعل التوسع عبر الاستحواذ الخيار للكيانات غير المتواجدة بالسوق أو الراغبة في تعزيز حضورها سريعًا، أو التأسيس من خلال رخص التكنولوجيا المالية المتاح.

هذا التغير التنظيمي أعاد رسم أولويات المستثمرين، وأجبرهم على إعادة تقييم خيارات التوسع في ظل سوق واعدة تتسم بنمو مطّرد، ومنافسة تتجه تدريجيًا نحو الاحترافية وزيادة التركيز السوقي.

التمويل الاستهلاكي: محرك نمو لمبيعات القطاعات الأخرى

يُعد التمويل الاستهلاكي أحد الأدوات الداعمة لمبيعات القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية، لذلك تسعى العديد من الشركات إلى امتلاك ذراع تمويلية مباشرة بدلاً من الاعتماد على طرف ثالث، بما يسمح لها بتحقيق عائد أعلى، والتحكم في تجربة العميل.

في هذا السياق، قال وليد حسونة، الرئيس التنفيذي لشركة «فاليو»، إن نشاط التمويل الاستهلاكي يسجل نموًا سنويًا يتجاوز 40%، وهو ما يدفع عددًا متزايدًا من الشركات الصناعية والخدمية إلى دخول السوق من بوابة الاستحواذ.

وأشار إلى أن أغلب الكيانات التي أقدمت على هذه الخطوة تمتلك بالفعل منتجات أو خدمات يُمكن تعزيز انتشارها بالتمويل الاستهلاكي، وكانت تعتمد سابقًا على مقدمي خدمات تمويل خارجيين.

استحواذات استراتيجية من لاعبين كبار

من أبرز الأمثلة على هذا التوجه، إعلان شركتي “الأهلي كابيتال” و”طاقة عربية” عن سعيهما للاستحواذ على شركة تمويل استهلاكي قائمة، وذلك ضمن استراتيجيات توسع تشمل بناء ذراع تمويلية يمكنها دعم النمو العضوي لأنشطتهما. وتأتي هذه التحركات في سياق سباق محموم بين كيانات كبرى على اقتناص فرص جاهزة في سوق مغلقة أمام الداخلين الجدد.

وقال محمد الفقي، الرئيس التنفيذي لشركة “سيمبل”، إن الكيانات التي تمتلك بالفعل قاعدة عملاء أو منتجات قابلة للتمويل بالتقسيط ترى أن الاستحواذ على كيان مرخص بفريق عمل جاهز يعد الخيار الأسرع والأكثر فاعلية.

وأضاف أن ندرة الكفاءات المتخصصة في التمويل الاستهلاكي تعزز من جدوى هذا الخيار مقارنة بتأسيس كيان جديد من الصفر.

اهتمام أجنبي متزايد بالسوق المنظمة

يشير الفقي إلى أن السوق المصري شهد اهتمامًا متصاعدًا من مستثمرين أجانب يبحثون عن بيئات مستقرة ومنظمة للنمو، وهو ما يوفره قطاع التمويل الاستهلاكي الذي يعمل تحت مظلة رقابية منذ أكثر من سبع سنوات.

وأضاف أن هناك نحو 43 شركة حاصلة على رخصة تمويل استهلاكي، إلا أن النشاط الفعلي يقتصر على 12 إلى 13 شركة فقط، فيما يحتفظ الباقون برخص غير مفعلة أو مفعلة جزئيًا لخدمة احتياجات داخلية.

ويعكس هذا الواقع وجود فرص حقيقية للاستحواذ على كيانات مرخصة لكنها غير نشطة، وهو ما قد يمثل نقطة دخول مناسبة لمستثمرين جدد، سواء كانوا محليين أو دوليين، يسعون لتفادي تكاليف زمنية وتشغيلية مرتفعة عبر دخول مباشر إلى السوق.

أرقام تعكس الزخم الكبير للنشاط

وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للرقابة المالية، فإن شركات التمويل الاستهلاكي قدمت تمويلات بقيمة 29.2 مليار جنيه خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025، مقابل 19.9 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، محققة نموًا بنسبة 46.7%.

كما ارتفع عدد العملاء المستفيدين من هذه التمويلات إلى نحو 3.8 مليون عميل، بزيادة ضخمة بلغت 168.5% على أساس سنوي، ما يعكس اتساع قاعدة الاعتماد على التمويل الاستهلاكي كمحرك لقرارات الشراء في قطاعات متنوعة.

الفرص تتجاوز قيود الفائدة

ورغم ارتفاع أسعار الفائدة البنكية في السوق المصري خلال الفترة الماضية، فإن القطاع لا يزال يتمتع بجاذبية مرتفعة.

وأكد أحمد عبد النبي، رئيس قسم البحوث بشركة «مباشر» لتداول الأوراق المالية، أن الفائدة المرتفعة لم تعرقل توسع الشركات أو تنفيذ صفقات جديدة، بل إن الطلب المرتفع والنمو المتسارع جعلا التمويل الاستهلاكي من أكثر القطاعات الواعدة، وخلق شهية كبيرة لدى المستثمرين المحليين والأجانب.

ويرى عبد النبي أن وقف التراخيص من جانب الهيئة قد يؤدي إلى تحفيز نشاط الدمج والاستحواذ بصورة أكبر، مع توقعات بظهور كيانات أكبر حجماً وأكثر تكاملاً في السوق، سواء عبر استحواذات رأسية داخل السلاسل الصناعية أو تحالفات أفقية بين مزودي خدمات مالية.

القطاع أمام موجة صفقات جديدة

تشير المعطيات الراهنة إلى أن قطاع التمويل الاستهلاكي على أعتاب موجة جديدة من الصفقات، يغذيها خليط من التنظيم المشجع، والنمو القوي، والحاجة المتزايدة من شركات غير مالية للحصول على ذراع تمويلية مرخصة وفعّالة.

ومع بقاء قرار وقف التراخيص ساريًا، تصبح الفرص المتاحة محدودة ومحل تنافس شديد، مما يعزز من احتمالات تقييمات مرتفعة لبعض الكيانات الجاهزة، ويضعف قدرة الداخلين الجدد على التفاوض.