هل يشهد السوق العقاري في مصر تحولات جديدة؟

تشهد السوق العقارية في مصر حالة من التوتر والقلق، على خلفية صدور قرارات حكومية مفاجئة تضمنت فرض رسوم مالية ضخمة على المطورين العقاريين، في مقدمتها ما يعرف بـ”علاوة التحسين” و”رسوم التنازل”.
جاء ذلك بالتزامن مع تطبيق قرار حكومي بسحب الأراضي غير المطورة خلال مهلة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لاستخراج التراخيص، وخاصة في منطقة الساحل الشمالي.
وأكد خبراء وعاملون بالقطاع العقاري أن تلك القرارات زادت من حالة الضغط على المطورين، وقد تضر بثقة المستثمرين وتُربك خطط التنمية العمرانية المستهدفة، مؤكدين على ضرورة تحديد آليات واضحة وعادلة للتطبيق وتفادي إرباك الجدوى الاقتصادية للمشروعات الجادة.
قال المهندس أسامة سعد الدين، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، إن الغرفة تبذل جهودًا مكثفة في الوقت الراهن لمعالجة أزمة سحب الأراضي من عدد من الشركات العقارية العاملة في منطقة الساحل الشمالي، في ظل تعثر بعض المطورين في تنفيذ مشروعاتهم ضمن الجداول الزمنية المحددة.
وأوضح أن الغرفة خاطبت وزارة الإسكان رسميًا للمطالبة بعقد اجتماع عاجل مع الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان، بهدف دراسة أوضاع الشركات المتعثرة كلٌ على حدة، وطرح حلول مرنة لتجاوز العقبات التي تواجهها، دون الإضرار بحقوق الدولة أو المطورين الجادين.
ونشرت “البورصة” في تصريحات سابقة أن 123 شركة تطوير عقاري دخلت في مفاوضات مع وزارة الإسكان، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لتقنين أوضاع أراضيها في منطقة الساحل الشمالي الغربي، وفقًا لمصادر حكومية.
وأوضحت مصادر أن مجلس الوزراء شكل لجنة حكومية تضم ممثلين عن وزارة الإسكان، وهيئة المجتمعات العمرانية، وهيئة الرقابة الإدارية، ومحافظة مطروح، وجهاز تنمية الساحل الشمالي الغربي، لدراسة شاملة لإعادة تقييم وتنظيم الأراضي في منطقة الساحل الشمالي.
اقرأ أيضا: مستثمرون ليبيون يدرسون إنشاء قرى سياحية في الساحل الشمالي
وتركز الدراسة على مراجعة موقف كل شركة بشكل منفصل، بما يشمل الالتزامات التعاقدية والمخالفات، وعلى رأسها التأخر في سداد الدفعة المقدمة أو الأقساط، وعدم إصدار القرار الوزاري خلال 3 أشهر من توقيع العقود.
وتبحث اللجنة عددًا من السيناريوهات لتوفيق أوضاع الشركات، من بينها منح مهلة إضافية للالتزام، أو إعادة تسعير الأراضي استنادًا إلى تقييم جديد. كما أبقت اللجنة على خيار سحب الأراضي من الشركات غير الملتزمة، وإعادة طرحها أمام مستثمرين آخرين.
أشار سعدالدين، إلى أن وزارة الإسكان بدأت بالفعل في مراجعة الملفات الخاصة بهذه الشركات، من حيث مدى قدرتها على الاستمرار في تنفيذ المشروعات، أو حجم التعثر القائم، وذلك تمهيدًا لاتخاذ قرارات تتناسب مع كل حالة على انفراد، بما يضمن الحفاظ على الاستقرار في السوق العقارية في مصر.
وشدد المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري على أن الشركات التي تُثبت عدم قدرتها على الاستمرار في التنفيذ، ستُسحب منها الأراضي المُخصصة، ليتم إعادة تخصيصها لشركات أخرى تمتلك الجدية والملاءة المالية الكافية لضمان استكمال المشروعات بنفس الشروط والالتزامات التعاقدية تجاه العملاء.
أضاف أن هناك اتجاهًا لدى الوزارة لدراسة إمكانية إعادة جدولة الأقساط المستحقة على الشركات المتعثرة، مع تقديم بعض التيسيرات الإضافية، بما يتناسب مع حجم الإنجاز الفعلي بالمشروع وقدرة الشركة على التنفيذ.
وأكد سعد الدين أن الغرفة تلعب دورًا محوريًا في التفاوض وتقديم الحلول بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية، لضمان تهيئة مناخ استثماري متوازن، وحماية مصالح العملاء والمطورين والدولة على حد سواء.
وفيما يتعلق بالشركات التي طرحت مشروعات للبيع على نطاق واسع، رغم عدم امتلاكها القدرات المالية أو التنفيذية اللازمة، قال سعد الدين ،إن هذه الممارسات تُمثل خطورة على السوق العقارية في مصر، وتُحدث نوعًا من الارتباك في القطاع العقاري، بما قد ينعكس سلبًا على ثقة المستثمرين والمشترين.
وأكد ضرورة وضع ضوابط صارمة للحد من التوسع غير المحسوب في البيع، وضمان التزام الشركات المطورة بمعايير الجدية، حتى لا يتكرر سيناريو التعثر الذي يضر بكافة أطراف المنظومة العقارية.
شلبي: “علاوة التحسين” يجب أن تقتصر على المشروعات خارج “القرارات الوزارية”
وكشف الدكتور أحمد شلبي، الرئيس التنفيذي لشركة تطوير مصر ورئيس مجلس العقار المصري، أن القطاع يشهد هزة كبيرة على خلفية تلقي المطورين العقاريين خلال اليومين الماضيين عدة خطابات رسمية تتضمن مطالبات مالية ضخمة، على خلفية قرارات حكومية تم اتخاذها مؤخرًا، وعلى رأسها فرض “علاوة تحسين” ورسوم تنازل بأثر رجعي.
أضاف أن هذه المطالبات أحدثت صدمة واسعة في أوساط المطورين العقاريين، خاصة أن تأثيرها يمتد مباشرة على مشروعات قائمة ومستقرة تم تسويقها بالفعل للعملاء منذ سنوات.
وأوضح شلبي، أن الحكومة أصدرت قرارًا بفرض ما يُعرف بـ”علاوة تحسين” على المطورين أصحاب المشروعات الممتدة على جانبي الطريق الصحراوي، من ميدان الرماية وحتى بوابات الإسكندرية بعمق يصل إلى 7 كيلومترات.
أضاف أن القرار خرج بصيغة أوسع وبتكاليف أعلى مما تم التفاوض عليه مسبقًا مع الحكومة، وهو ما يزيد العبء على المطورين ويثير القلق بشأن المشروعات التي تم تنفيذها وبيعها بالكامل منذ سنوات، بما يطرح تساؤلات قانونية ومشروعية حول تطبيق القرار بأثر رجعي.
أشار شلبي إلى أن الجهات المعنية بدأت أيضًا تفرض رسوم تنازل تصل إلى 10% من قيمة الأرض، بحد أدنى 1000 جنيه للمتر، في الحالات التي يختلف فيها مالك الأرض عن المطور العقاري، باعتبار ذلك تصرفًا عقاريًا يستوجب الدفع.
وانتقد احتساب الرسوم والعلاوات وفقًا لسعر الأرض الحالي، بدلاً من السعر وقت التعاقد أو الشراء، مؤكدًا أن ذلك يُمثّل عبئًا ماليًا كبيرًا على المطورين الذين أنهوا بيع وحداتهم أو أنجزوا مشروعاتهم بالفعل، ما يعرض السوق لمخاطر تمويلية وتنفيذية كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
وفيما يتعلق بملف الأراضي غير المطورة، أكد شلبي أن الحكومة بدأت بتطبيق قرار يُلزم المطورين باستخراج القرار الوزاري والتراخيص في مدة لا تتجاوز 3 أشهر لكل إجراء، مع التهديد بسحب الأراضي غير المستغلة، وبدأ تنفيذ القرار فعليًا في منطقة الساحل الشمالي.
وأشار إلى أن من حق الدولة تنظيم السوق ومحاسبة الشركات غير الجادة التي تعطل خطط التنمية، إلا أن التحدي يكمن في آليات التنفيذ وضبط المعايير.
دعا شلبي إلى عدم تطبيق القرارات الجديدة بأثر رجعي على المشروعات القائمة أو المباعة، معتبرًا أن تلك المشروعات تم تسعيرها وتنفيذها بناءً على معطيات اقتصادية ومالية مختلفة، وأي أعباء إضافية تهدد دراسات الجدوى وتهدد استكمال التنفيذ.
واقترح أن يتم قصر تطبيق علاوة التحسين على المشروعات التي لم تصدر لها قرارات وزارية بعد، بحيث يتمكن المطور من إدخال التكلفة ضمن التسعير المسبق للوحدات، وشدد على ضرورة أن تكون العلاوة متناسبة مع القيمة الفعلية للأرض، وألا توازي سعرها الكامل.
وطالب شلبي بـتسهيل آليات السداد، عبر دفع مقدم 10% وتقسيط الباقي على 5 إلى 7 سنوات، من أجل الحفاظ على السيولة النقدية وتجنب تعثر الشركات.
وتابع :” هناك عدد من المشروعات خضع لتسويات قانونية سابقة مع جهات الدولة، سواء من خلال تنازلات عن أجزاء من الأرض أو سداد رسوم تقنين، ما يجعل فرض علاوة تحسين إضافية عليها أمرًا غير منطقي وقد يؤدي إلى نزاعات قانونية، تعطل استكمال مشروعات كانت على وشك الاكتمال”.
فوزي: تطبيق الرسوم بأثر رجعي على الشركات الملتزمة يهدد استقرار السوق
وأكد المهندس فتح الله فوزي، رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، أن قرار سحب الأراضي من الشركات العقارية غير الملتزمة هو خطوة ضرورية نحو تنظيم السوق العقاري وضبط الأداء داخل القطاع، لكنه شدد على ضرورة التفرقة بين الشركات المخالفة وتلك التي التزمت بتعاقداتها وتعاملاتها مع العملاء.
وأوضح أن من حق الدولة، ممثلة في وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الشركات التي أخلّت بشروط التعاقد، بما في ذلك فسخ التعاقد وتوقيع الغرامات. إلا أنه عبّر عن قلقه من تطبيق قرارات بأثر رجعي على شركات أثبتت التزامها، معتبرًا أن فرض رسوم مفاجئة على هذه الكيانات المستقرة يعد تهديدًا مباشرًا لاستقرار بيئة الاستثمار العقاري في مصر.
وأشار فوزي، إلى أن الشركات العقارية الملتزمة غالبًا ما تكون قد بدأت في بيع الوحدات للعملاء ووقّعت عقودًا رسمية معهم، وبالتالي لا يجوز قانونًا أو تجاريًا فرض أي رسوم إضافية عليها بأثر رجعي، لأن ذلك يربك الخطط الاستثمارية ويقوّض ثقة المستثمرين في السوق المصرية.
وشبّه هذه الخطوة بفرض رسوم جديدة على العملاء من قبل المطورين دون الرجوع إلى العقود المبرمة، مؤكدًا أن العقود بين المطورين والعملاء – وكذلك بين الدولة والمطورين – هي ملزمة للطرفين ولا يمكن تعديلها بشكل أحادي أو رجعي.
كشف فوزي أن جمعية رجال الأعمال تقدمت بمذكرة رسمية إلى وزارة الإسكان، طالبت فيها بإعادة النظر في البنود المتعلقة بفرض رسوم بأثر رجعي على الشركات العقارية الملتزمة، محذرًا من أن هذه الإجراءات سيكون لها أثر سلبي مباشر على سوق الاستثمار العقاري، وستؤثر على استقطاب استثمارات جديدة في هذا القطاع الحيوي.
ودعا إلى ضرورة الحوار والتشاور بين الدولة والمطورين العقاريين قبل إصدار قرارات مصيرية تؤثر على المشروعات القائمة والمستقبلية، مشددًا على أن التعاون بين القطاعين العام والخاص هو السبيل الأمثل لدفع عجلة التنمية العمرانية والاستثمارية في مصر.