مصطفى عبد اللطيف يكتب: دور الذكاء الاصطناعي في تحسين التعليم عبر الإنترنت.

في قلب التحولات التي يشهدها العالم حاليًا، أصبح الذكاء الاصطناعي واحدًا من أبرز الأدوات القادرة على إعادة تشكيل التعليم والعمل.
في عالمنا العربي، وتحديدًا في مصر، نشهد خطوات متسارعة لدمج الذكاء الاصطناعي ضمن استراتيجيات التنمية والتعليم، في سبيل بناء مستقبل أكثر ذكاءً وشمولاً.
وهنا سنستعرض كيف يسهم الذكاء الاصطناعى في تحويل التعليم الرقمي إلى تجربة مخصصة وفعالة؟ وكيف يسهم في ربط المتعلمين بفرص عمل حقيقية في سوق العمل المتغير باستمرار؟
1. توجه حكومي استراتيجي: مصر نموذجاً ملهمًا
أطلقت مصر في يناير 2025 النسخة الثانية من “استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2025–2030″، وهي وثيقة ترسم ملامح المرحلة القادمة من التحول الرقمي الوطني.
ركّزت الاستراتيجية على خمسة محاور أساسية: الحوكمة الأخلاقية، وتطوير التكنولوجيا، وإدارة البيانات، والبنية التحتية الرقمية، وأخيرًا تحفيز الشراكات مع القطاع الخاص والشركات الناشئة.
هذا التوجه يعكس وعيًا حكوميًا بضرورة الاستثمار في الذكاء الاصطناعى، ليس فقط كبنية تحتية رقمية، بل كأداة لبناء الاقتصاد المعرفي.
في قطاع التعليم، ترجمت هذه الاستراتيجية إلى دعم مباشر لمبادرات تطوير المناهج الدراسية، وإنشاء منصات تعليمية رقمية، وتمويل برامج ريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا.
وتعد مصر حاليًا إحدى الدول الرائدة إقليميًا في بناء بيئة مواتية للتعليم الذكي، بفضل استثمارات ضخمة في البنية التحتية للإنترنت، ومبادرات لنشر الثقافة الرقمية في الريف والمناطق النائية.
2. دمج الذكاء الاصطناعي في المدارس والجامعات
تشهد المناهج الدراسية المصرية تحوّلًا تدريجيًا لإدخال مبادئ الذكاء الاصطناعي ومهارات التفكير الحاسوبي منذ المراحل المبكرة.
لم يعد تدريس الذكاء الاصطناعي مقتصرًا على الجامعات أو الكليات التقنية، بل بدأ من مراحل التعليم الابتدائي ضمن إطار تربوي يربط بين التكنولوجيا والقيم الإنسانية.
ويؤكد خبراء التعليم أن التعلم عن الذكاء الاصطناعى يجب أن يكون عمليًا ومتكاملاً مع الواقع المحيط بالطلاب، بحيث يشمل التدريب العملي، والمشاريع الابتكارية، وتعلم حل المشكلات.
هذا التأسيس المبكر يبني جيلًا قادرًا على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات، بناء النماذج الذكية، وتطوير تطبيقات تساهم في خدمة مجتمعه.
3. نحو نموذج تعليمي أكثر تكيفاً وتفاعلية
الذكاء الاصطناعي غيّر نموذج التعليم الرقمي من أسلوب تقليدي إلى بيئة تعلم ديناميكية تعتمد على احتياجات المتعلم.
نحن الآن أمام عصر Education 5.0، حيث تتلاقى التكنولوجيا مع الإنسان لتقديم تعليم شخصي، متفاعل، ومتصل بالواقع.
من أبرز ملامح هذا التحول:
التعلم التكيفي: حيث تتغير المناهج والأنشطة تلقائياً وفق مستوى الطالب واهتماماته.
الواقع المعزز والافتراضي: لتوفير تجارب محاكاة واقعية للمهن والمهارات التقنية.
البلوك تشين: لتوثيق الشهادات التعليمية بشكل لا مركزي وآمن.
النماذج اللغوية المحلية: مثل نموذج “EgyBERT” الذي يساعد على تحليل اللغة العربية باللهجة المصرية.
الألعاب التعليمية التفاعلية: أدوات مثل “ArabIcros” تبتكر ألعاب ألغاز تعليمية ترفع التفاعل والتحفيز لدى المتعلمين العرب.
4. ربط التعليم بسوق العمل: حلول عملية لفجوة المهارات
تشير الدراسات إلى أن غالبية الوظائف في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى تتطلب مهارات متقدمة، ما يجعل حديثي التخرج يواجهون تحديًا في الاندماج السريع في سوق العمل.
وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تقديم حلول واقعية مثل:
– تحليل بيانات سوق العمل باستمرار لرصد المهارات المطلوبة.
– تخصيص مسارات تعليمية تهيئ الطلاب لوظائف المستقبل.
– مطابقة تلقائية بين مهارات المتعلمين والوظائف المتاحة عبر خوارزميات التوصية الذكية.
– تدريب المتعلمين على إجراء مقابلات عمل محاكاة وكتابة سيرة ذاتية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
في EYouth، طورنا حلولاً ذكية تدمج بين التعلم المستمر والتقييمات الذكية، بحيث يتمكن المتعلم من متابعة تقدمه وربطه مباشرةً بفرص التدريب أو التوظيف.
5. تمكين جميع الفئات: من الشباب إلى المعلمين والمجتمعات
لا تقتصر فوائد التعليم الذكي على الشباب فقط، بل تمتد إلى المعلمين والمؤسسات والمجتمعات بأكملها. أمثلة على ذلك: تدريب آلاف المعلمين في السعودية من خلال مبادرة “مبرمجي ذكاء المستقبل”.
وتوفير منصات تعليم مستمر للموظفين في الشركات والجامعات، ودعم الأفراد في المناطق الريفية والنائية من خلال محتوى تعليمي متاح بسهولة، ومتعدد اللغات والثقافات.
EYouth تلعب دورًا رياديًا في هذا المجال من خلال توفير مسارات تعليمية مختلفة لكل فئة عمرية ومستوى تعليمي.
6. تعزيز العدالة الرقمية والاقتصادية
من خلال الذكاء الاصطناعي، يمكن تجاوز الفجوة بين المدن والمناطق الريفية، فبفضل الإنترنت وتكنولوجيا الحوسبة السحابية، يستطيع أي شخص في أي مكان الوصول إلى محتوى تعليمي عالي الجودة بلغته المحلية وبما يناسب ثقافته واحتياجاته.
كما تسعى الحكومة المصرية لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتخزين البيانات والخدمات السحابية، مما يعزز من قدرة البلاد على تقديم تعليم رقمي متطور وفرص عمل في مجال إدارة البيانات والأمن السيبراني.
7. التحديات القائمة وحلول EYouth العملية
رغم الفرص الهائلة، إلا أن هناك تحديات حقيقية تواجه التحول نحو التعليم الذكي، من أبرزها:
حماية البيانات: EYouth تعتمد على تشفير بيانات المستخدمين لضمان الخصوصية.
شفافية الخوارزميات: نشر الوعي لدى المتعلمين حول كيفية اتخاذ القرارات بالذكاء الاصطناعي.
البنية التحتية: بناء شراكات مع مزودي الإنترنت لتأمين بيئة مستقرة.
تأهيل المعلمين: تدريب المدرسين على استخدام أدوات التعليم الذكي وتحفيزهم على الابتكار.
8. خطوات مستقبلية: EYouth كمبتكر حلول الذكاء الاصطناعي
ضمن رؤيتنا 2025–2030، نخطط لتوسيع دورنا كمزود حلول تعليمية قائمة على الذكاء الاصطناعي من خلال:
إطلاق مساعد تعليمي ذكي باسم “Rafiq”.
تطوير منصات تعليمية مخصصة للمؤسسات والجامعات.
تحسين أنظمة التقييم الرقمي من خلال أدوات مرئية وتقارير تحليلية دقيقة.
9. الذكاء الاصطناعي والتعليم العالمي: دروس ملهمة وتجارب رائدة
في دول مثل سنغافورة وفنلندا والصين، أثبت الذكاء الاصطناعي دوره في:
تصميم مسارات تعلم مرنة ومخصصة.
تدريب المعلمين باستمرار على الأدوات الرقمية.
ربط التعليم بسوق العمل من خلال تحليلات البيانات.
10. مستقبل الشهادات والتعليم غير الرسمي
مع تزايد الطلب على المهارات الرقمية، أصبح نموذج الشهادات المصغرة (Micro-Credentials) هو المستقبل. فهي: قصيرة المدى، ومتوافقة مع سوق العمل، ومعتمدة من منصات عالمية.
11. الذكاء الاصطناعي والمساواة الجندرية
من خلال تصميم محتوى تعليمي محايد وتوفير فرص متساوية للفتيات، يدعم الذكاء الاصطناعي تمكين النساء في مجالات STEM.
EYouth على سبيل المثال تسهم في هذا من خلال برامجها التي تصل إلى آلاف الفتيات في القرى المصرية.
12. دعوة للمستقبل
الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا إضافيًا بل ضرورة لبناء مجتمعات معرفية واقتصادات مبتكرة. وفي EYouth نؤمن أن الشباب العربي قادرون على قيادة هذا التغيير إذا توفرت لهم الأدوات والدعم اللازمين.
التعليم الذكي بوابة نحو المستقبل
إن الذكاء الاصطناعي هو حجر الأساس لبناء أنظمة تعليمية مرنة، شاملة، ومستدامة.
وفي EYouth، نعمل على تصميم بيئة تعليمية رقمية تُمكن الشباب من الاستقلال الاقتصادي والمهني، بشعارنا “Your Turning Point”، لنكون المنصة التي تحول التعلم إلى فرصة، وتحوّل الشباب إلى قادة تغيير في مجتمعاتهم.
دعونا نبني المستقبل معاً: تعليم أكثر ذكاءً، فرص عمل أكثر واقعية، ومجتمعات أكثر شمولاً واستدامة.