زيادة نشاط البورصة المصرية تنعش “الشراء بالهامش” مع توجيهات للحذر

زيادة نشاط البورصة المصرية تنعش “الشراء بالهامش” مع توجيهات للحذر

في ظلّ الزخم القوي الذي يشهده السوق المصري، واتجاه مؤشراته لتحقيق مستويات تاريخية جديدة، تبرز أداة “الشراء بالهامش” كعنصر فاعل في تعزيز السيولة وزيادة القدرة الشرائية للمستثمرين. وبينما يراها البعض محفزًا للصعود يعكس ثقة المستثمرين وتوسيع قاعدة المشاركة، يتخوّف آخرون من أن تتحوّل إلى سلاحٍ ذي حدين إذا أُسيء استخدامها أو تجاهل المستثمرون مخاطرها الكامنة.

وتأتي هذه المخاوف في وقتٍ تتجه فيه البورصة المصرية لاختراق مستويات قياسية جديدة، إذ يقترب المؤشر الرئيسي EGX30 من مستوى 36 ألف نقطة، بدعم من قطاعات الخدمات المالية والبنكية والعقارية، ما يفتح الباب واسعًا أمام نقاش اقتصادي واستثماري حول دور التمويل بالهامش في تعظيم مكاسب السوق أو تهديد استقراره.

والشراء بالهامش هو إحدى أدوات التمويل التي تتيح للمستثمرين شراء أوراق مالية بقيمة تفوق ما يمتلكونه فعليًا من أموال، وذلك من خلال اقتراض جزء من قيمة الصفقة من شركة السمسرة، مقابل سداد فائدة على الجزء المموّل.

ويهدف المستثمر من استخدام الهامش إلى تعظيم العائد في حال تحرّك الأسعار لصالحه، إلا أن الآلية تنطوي على مستوى مرتفع من المخاطر، حيث تؤدي تحرّكات السوق العكسية إلى خسائر متسارعة قد تُجبر المستثمر على البيع القسري لتغطية المراكز المفتوحة، فيما يُعرف بـ”المارجن كول”.

“المصرى”: يسهم في توسيع قاعدة المستثمرين القادرين على اقتناص الفرص

وقال ياسر المصري، العضو المنتدب لشركة العربي الأفريقي لتداول الأوراق المالية، إن معاملات الشراء الهامشي لا تمثل عائقًا أمام صعود السوق، بل على العكس، تُعدّ من العوامل التي تدعم موجات الصعود وتُعزّز من وتيرتها، طالما أن الاتجاه العام للسوق صاعد.

وأوضح المصري أن الشراء الهامشي يساهم في توسيع قاعدة المستثمرين القادرين على اقتناص الفرص السوقية، من خلال منحهم قدرة أكبر على الاستدانة والشراء بقيم تفوق رؤوس أموالهم الأصلية، وهو ما يُترجم إلى دخول سيولة إضافية للسوق تُعزّز من حركته الإيجابية.

وأكد أن الشراء الهامشي لا يكون في حد ذاته سببًا في هبوط السوق، وإنما دوره يقتصر على تسريع وتيرة الهبوط في حال بدأ فعليًا، مضيفًا أن الشراء الهامشي لا يسبب تراجع السوق، لكنه يسرّع الوقوع فقط عند حدوثه.

“شكرى”: يُضخّم حركة السوق ولا يحدد اتجاهها

واتفق معه حسن شكري، الرئيس التنفيذي لشركة “إتش سي” لتداول الأوراق المالية، الذي يرى أن الشراء بالهامش يُعد أداة تضخيم لحركة السوق، سواء في الاتجاه الصاعد أو الهابط، موضحًا أنه لا يحدد اتجاه السوق بحد ذاته، بل يُعزّز من المسار الذي يتحرّك فيه بالفعل.

وأشار إلى أن “المارجن” يمنح السوق دفعة إضافية في أي من الاتجاهين، حيث يُضخّم من تأثيرات الصعود كما يُضخّم من خسائر التراجعات، لكنه لا يشكّل عنصر توجيه مستقل، وإنما يُضخّم ما يحدث بالفعل وفقًا لحركة السوق الأساسية.

“مسعود”: التشريعات الجديدة عززت الأمان.. ودور المؤسسات سيحدّ من التذبذبات

وقال محمد فاروق مسعود، العضو المنتدب لشركة جلوبال إنفست لتداول الأوراق المالية، إن القواعد التنظيمية الجديدة التي تم تطبيقها مؤخرًا على عمليات الشراء الهامشي ساهمت في زيادة مستوى الأمان داخل السوق، وقلّلت من احتمالية تعرضه لهزّات عنيفة ناتجة عن ضغوط التسييل.

وأضاف أن هذه التعديلات الرقابية جاءت في توقيت مهم، خاصة مع التغير في طبيعة القوى المسيطرة على التداول، حيث بدأت نسبة تعاملات المؤسسات في الزيادة تدريجيًا، وهو ما يُعزّز استقرار السوق، ويُقلّل من حدّة المضاربات التي كانت ترتبط في الأساس بتعاملات الأفراد.

وأكد مسعود أن التحول المرتقب نحو تعاملات أكثر مؤسسية من شأنه أن يوفر طبقة حماية إضافية للسوق في الفترة المقبلة، ويجعل حركته أكثر اتزانًا وأقلّ عرضة للتقلبات المفاجئة المرتبطة بالاستخدام العشوائي للشراء الهامشي.

وتفاعلت الهيئة العامة للرقابة المالية مؤخرًا مع هذه المخاوف، وأصدرت حزمة من القواعد المنظّمة لعمليات الشراء بالهامش، تستهدف تقليص المخاطر المرتبطة بالاستخدام المفرط له، ورفع مستوى الأمان في السوق.

وتضمّنت القواعد تحديد حد أقصى لتمويل الشراء بالهامش لا يتجاوز 60% من القيمة السوقية لأسهم الشركة الواحدة على مستوى السوق، مع إلزام شركات السمسرة بوضع حدود ائتمانية لكل عميل وفقًا لمستوى المخاطر.

كما تم تفعيل منصة مركزية لمتابعة عمليات التمويل بالهامش لحظيًا، بالتعاون مع شركة مصر للمقاصة، بما يسمح بالكشف المبكر عن أي تجاوزات أو ضغوط محتملة.

وتشمل التعديلات أيضًا إلزام شركات الوساطة بتطبيق سياسات صارمة لإدارة مخاطر الهامش، بما في ذلك مراجعة دورية لحجم المديونيات، ورفع نسب هامش الصيانة لبعض الأسهم المتقلّبة أو مرتفعة المخاطر.

“عصام”: لا قلق من التمويل بالهامش في ظل موجة الصعود الحالية

وذكر محمد عصام، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية والسندات، أن الصعود المتوقع لمؤشرات السوق في المرحلة الحالية يُقلّل من الحاجة إلى رفع نسب التمويل بالهامش، ما يُخفّف بدوره من احتمالات اللجوء إلى البيع الجبري أو تخفيف المراكز الائتمانية من جانب شركات الوساطة.

وأوضح عصام أن استقرار السوق واتجاهه نحو الصعود يعني أن تعاملات الهامش لن تمثل ضغطًا سلبيًا في الوقت الراهن، مؤكدًا أنه لا توجد مخاطر مباشرة من الشراء الهامشي على السوق، ما لم تحدث مفاجآت غير محسوبة.

وأشار إلى أن السيناريوهات التي قد تؤدي إلى تأثير سلبي للهامش تقتصر على حالتين رئيسيتين: الأولى، أن يحقق السوق قممًا تاريخية تليها حركة تصحيحية حادة ومفاجئة، والثانية، أن يشهد السوق أحداثًا استثنائية غير متوقعة تؤثر على ثقة المستثمرين بشكل مفاجئ وسريع.

“لطفى”: عامل الخطر يتركّز في سلوك المستثمر وليس في الآلية ذاتها

وفي السياق ذاته، قال محمد لطفي، العضو المنتدب لشركة أسطول لتداول الأوراق المالية، إن الشراء بالهامش يُعد أداة مساندة وفّرتها الهيئة العامة للرقابة المالية لدعم نمو السوق وتعزيز حجم التداول، مشيرًا إلى أنه يُساعد في توسيع السوق وزيادة السيولة المتداولة، خاصة في أوقات الصعود.

وأوضح لطفي أن الشراء بالهامش يُعتبر صحيًا وإيجابيًا في سوق صاعد مثل السوق المصري حاليًا، حيث يسمح للمستثمرين بتعظيم الاستفادة من الاتجاهات الإيجابية، لكنه في الوقت نفسه ينطوي على مخاطر حقيقية في حال حدوث تراجعات مفاجئة أو صدور أخبار سلبية قد تدفع السوق للهبوط.

وأكد أن خطورة الهامش لا تكمن في الأداة ذاتها، بل في طريقة استخدامها ومدى وعي المستثمر بها، موضحًا أن الشراء بالهامش يصبح خطرًا فقط عندما لا يكون المستثمر مدركًا لطبيعته أو غير ملمّ بمخاطره، مشددًا على أهمية وعي العميل الكامل بالضوابط والقرارات المرتبطة بهذه الآلية قبل اللجوء إليها، لضمان اتخاذ قرارات استثمارية رشيدة.

“المراغى”: أداة مساندة لا يجب تحويلها إلى قاعدة استثمارية

على الجانب الآخر، قال شوكت المراغي، العضو المنتدب لشركة بلتون لتداول الأوراق المالية، إن الشراء بالهامش أداة مالية طبيعية ومستخدمة في مختلف الأسواق العالمية، لكن المشكلة في السوق المصري تكمن في سوء استخدامها، خاصة من قِبل المستثمرين الأفراد.

وأوضح أن كثيرًا من المتعاملين الأفراد في مصر أصبحوا يعتبرون الهامش جزءًا أساسيًا من التداول، ويتعاملون معه كأنه وسيلة ملزمة، بينما الأصل أن يعتمد المستثمر في قراراته على أمواله الذاتية، ويستخدم الهامش كأداة دعم مؤقتة فقط، وليس كأساس دائم للتعامل.

وأشار المراغي إلى أن ارتفاع معدلات الفائدة خلال الفترة الأخيرة زاد من تكلفة التمويل بالهامش بصورة كبيرة، حيث قد تصل فائدة التمويل في بعض الحالات إلى ما بين 30% و35% سنويًا، وهو ما يعني أن المستثمر قد يجد نفسه في نهاية العام مديونًا بما يعادل ثلث قيمة محفظته، فقط بسبب تكلفة الاقتراض.

وأضاف أن الاعتماد الزائد على الهامش يؤدي إلى ضغوط نفسية ومادية على المتعاملين، خاصة في أوقات تذبذب السوق، إذ يضطر بعضهم إلى البيع الإجباري لتغطية المراكز المفتوحة، مما يزيد من حدة التراجعات.

وأكد أن الشراء الهامشي يجب أن يظل وسيلة وليس أصلًا للتعامل، محذرًا من الإفراط في استخدامه أو اعتباره أداة دائمة للربح، خصوصًا في بيئة أسعار فائدة مرتفعة.