زيادة قيمة الروبل بنسبة 45% منذ بداية العام تضع الاقتصاد الروسي في موقف صعب على الرغم من تفوقه العالمي.

زيادة قيمة الروبل بنسبة 45% منذ بداية العام تضع الاقتصاد الروسي في موقف صعب على الرغم من تفوقه العالمي.

شهد الروبل الروسي قفزة قياسية مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العام، حيث ارتفعت قيمته بنسبة 45%، ليُصنّف ضمن أفضل العملات أداءً على مستوى العالم، إلا أن هذا الارتفاع الحاد، رغم كونه مؤشرا على قوة نقدية ظاهرية، يمثل تحديا بالغا لاقتصاد روسيا الخاضع لعقوبات دولية قاسية، إذ ترتب عليه تراجع العوائد بالروبل من الصادرات المقومة بالدولار، وزيادة تكلفة السلع الروسية على المشترين في الأسواق العالمية.

وينتج عن قوة الروبل انخفاض قيمة العائدات الدولارية الناتجة عن بيع الطاقة إلى كميات أقل من الروبل، ما يُضعف ميزانية الدولة، بينما يرى المصدرون أن ارتفاع سعر صرف العملة يجعل صادراتهم أقل قدرة على المنافسة، بحسب تقرير منصة “ياهو فاينانس” الاقتصادية.

في المقابل، تؤكد محافظ البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا، أن خفض قيمة العملة سيكون دليلا على الضعف الاقتصادي، مشيرة إلى أن قوة الروبل ناتجة عن سياسة نقدية صارمة تهدف إلى كبح التضخم المرتفع، موضحة أن سعر الصرف لا يجب أن يُستخدم فقط لإرضاء المصدرين، بل هو انعكاس لاستقرار الاقتصاد الكلي.

ويعود الارتفاع القياسي في قيمة الروبل إلى عدد من العوامل، أبرزها السياسة النقدية المشددة للبنك المركزي، والفوائد العالية على الودائع التي تجاوزت 20%، ما جعل الروبل جذابا للمدخرين والمضاربين على حد سواء، بالإضافة إلى التفاؤل الذي أعقب محادثات أمريكية روسية في فبراير الماضي بشأن احتمالات السلام في أوكرانيا، والذي تسبب في دعم الثقة بالعملة الروسية.

وفي الوقت ذاته، أدى ارتفاع تكلفة الاقتراض إلى تباطؤ الواردات، ما قلل من الطلب على العملات الأجنبية، كما أن تراجع الدولار الأمريكي بنسبة 6.6% منذ إعلان ترامب عن حزمة الرسوم الجديدة في 2 أبريل الماضي ساعد في تعزيز قوة الروبل.

وعلى الرغم من إعلان البنك المركزي الروسي أن سعر الصرف عائم، إلا أنه يتدخل عن طريق بيع اليوان الصيني والذي يعد أداته الرئيسية الوحيدة للتدخل لدعم الروبل، إذ أن ارتفاع قيمة الروبل مقابل اليوان يؤدي تلقائيا إلى ارتفاعه أمام الدولار لتفادي فرص التحكيم بين العملات.

وتعتمد الحكومة الروسية على الروبل الضعيف لدعم إيرادات الموازنة، حيث بُنيت ميزانية عام 2025 على أساس متوسط سعر صرف يبلغ 94.3 روبل لكل دولار، بينما يبلغ السعر الحالي حوالي 78 روبلاً فقط، وإذا استمر الروبل في قوته، فقد تخسر الحكومة ما يصل إلى 2.4% من إيراداتها هذا العام، بحسب تقديرات محللي بنك “في تي بي” الروسي.

ويشكو المصدرون في قطاعات النفط والمعادن والزراعة من انخفاض قيمة عائداتهم بسبب قوة العملة، حيث يفضل العديد من المسؤولين التنفيذيين في تلك القطاعات سعراً يتراوح عند 100 روبل للدولار، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يُدلِ بأي تصريحات علنية بشأن سعر صرف الروبل خلال الشهور الماضية.

ورغم أن الروبل لم يعد من العملات الرئيسية المتداولة عالميا بعد مغادرة العديد من الشركات والبنوك الغربية روسيا، إلا أن موسكو ما زالت من كبار مصدري النفط والمنتجات الزراعية، وأدى تحوّل روسيا نحو تسوية تجارتها بالعملات غير الغربية، خصوصا اليوان، إلى تعزيز هذا الاتجاه، حيث تمت تسوية 95% من تجارة روسيا مع الصين بالروبل واليوان في عام 2024، بينما تجاوزت أحجام التداول بين العملتين على بورصة موسكو 33 تريليون روبل (420 مليار دولار).

وبات سعر صرف الروبل مقابل اليوان هو المؤشر الأهم للمحللين والأسواق، بدلا من سعره مقابل الدولار، ومع ذلك لا تزال العملة الأمريكية تعد مرجعا رئيسيا في أذهان الروس، رغم انخفاض استخدامها في المعاملات اليومية وصعوبة الحصول عليها بسبب العقوبات المفروضة على التحويلات الخارجية والسفر الدولي.

وعلى الرغم من التوقعات المستمرة بتراجع الروبل باعتباره مبالغا في تقييمه، فإن العملة الروسية تحدّت هذه التقديرات حتى الآن، ويتوقع أن يكون اختبارها الأكبر في سبتمبر المقبل، عندما تنتهي المهلة البالغة 50 يوما التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لموسكو لإظهار تقدم في ملف السلام مع أوكرانيا، وإذا ما أعقبت المهلة عقوبات أمريكية جديدة تستهدف مشتري النفط الروسي، فقد يتعرض الروبل لضغوط متجددة.