إرشادات “صندوق النقد” .. هل تحث الحكومة على تسريع برنامج العروض؟

إرشادات “صندوق النقد” .. هل تحث الحكومة على تسريع برنامج العروض؟

في ظل التزامات الحكومة المصرية تجاه برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي، عادت التساؤلات إلى الواجهة بشأن مدى جدية الدولة في تسريع تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، خاصة في ضوء تكرار تحفظات الصندوق على تباطؤ عمليات التخارج من أصول الدولة.

وبينما تراهن الحكومة على تحسن البيئة الاقتصادية الكلية لاستئناف الطروحات بوتيرة أسرع، يرى محللون أن المتطلبات المفروضة ضمن اتفاق التمويل الأخير تضيق هامش المناورة، وتضع الحكومة أمام ضرورة الإسراع بخطوات الخصخصة، لا سيما في النصف الثاني من العام الحالي، ومع حلول الربع الأخير من 2025 على وجه التحديد.

قال هاني توفيق، الخبير الاقتصادي والرئيس الأسبق للجمعية المصرية للاستثمار المباشر، إن الضغوط المتزايدة من جانب صندوق النقد الدولي تفرض على الحكومة التحرك بوتيرة أسرع فيما يتعلق ببرنامج الطروحات، خاصة بعد أن أصبح التخارج من أصول الدولة أحد المحاور الأساسية لاستكمال المراجعات المالية وضمان صرف الشرائح المتبقية من القرض.

أضاف توفيق أن الحكومة من المرجح أن تبدأ بطرح أنجح وأقوى الشركات التابعة لها في السوق، لضمان جذب المستثمرين وتحقيق نتائج بيع مشجعة، تعزز من ثقة السوق وتشجع على استكمال البرنامج، مضيفًا أن نجاح المرحلة الأولى سيكون له تأثير مباشر على سرعة وجدوى باقي الطروحات.

وأضاف: “الدولة ستلجأ إلى الشركات التي تحقق أرباحًا واضحة، وتعمل في قطاعات ذات جاذبية استثمارية، لأن فشل أي صفقة في هذه المرحلة سيكون مكلفًا سياسيًا واقتصاديًا”.

وقرر صندوق النقد في يوليو الحالي، دمج المراجعتين الخامسة والسادسة ضمن برنامج التمويل الموقع مع مصر، وهو ما رآه محللون بمثابة رسالة تحذيرية من المؤسسة الدولية بشأن تباطؤ الإصلاحات الهيكلية، خاصة ملف الخصخصة.

الشنيطي: الربع الأخير سيشهد تسارعًا في الطروحات وسيصبح نقطة تحول حقيقية

من جهته، يقول مصطفى الشنيطي، الرئيس التنفيذي لشركة “زيلا كابيتال”، إن الحكومة المصرية ستواجه ضغطًا متزايدًا من صندوق النقد الدولي للإسراع في تنفيذ برنامج الطروحات، سواء من خلال الإدراج في البورصة أو عبر صفقات تخارج مباشرة مثل عمليات الدمج والاستحواذ.

وأوضح أن النصف الأول من العام الحالي شهد تباطؤًا في وتيرة التنفيذ لأسباب عدة، أبرزها تأخر خفض أسعار الفائدة على المستوى العالمي، إضافة إلى اضطرابات جيوسياسية حادة في المنطقة، أبرزها الحرب في غزة وتوتر العلاقات بين إسرائيل وإيران، مما انعكس سلبًا على قدرة الحكومة على استكمال بعض الصفقات.

وأشار إلى أن صفقة “بنيان”، التي تأخرت كثيرًا قبل إعلانها رسميًا، كانت مؤشرًا على الصعوبات التي تواجهها الحكومة في جذب مستثمرين وتنفيذ صفقات جاذبة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.

لكنه في الوقت ذاته توقع أن يكون الربع الأخير من العام الحالي نقطة تحول حقيقية، قائلاً: “إذا استقرت الأوضاع الجيوسياسية نسبيًا، وانخفضت الفائدة، فسيكون هناك مجال لطرح أكثر من شركة في فترة زمنية قصيرة”.

ورجّح الشنيطي أن تشمل الطروحات المرتقبة قطاعات مثل الصناعات الدوائية والغذائية والسياحة والأسمدة، على أن يتم اختيار الشركات التي تظهر أداءً ماليًا قويًا وربحية ملحوظة.

متولى: الحكومة بدأت بالفعل اتخاذ خطوات تمهيدية جدية

أما علي متولي، محلل منطقة الشرق الأوسط بإحدى شركات الاستشارات المالية في لندن، فيؤكد أن ضغوط صندوق النقد لم تعد مجرد توصيات، بل تحولت إلى شروط فعلية لصرف الشرائح المقبلة من التمويل، خاصة بعد دمج المراجعتين الثالثة والرابعة، وما تبعه من ملاحظات واضحة بشأن تباطؤ الحكومة في التخارج من أصول الدولة.

وقال متولي إن بيان الصندوق الأخير تحدث بوضوح عن أن تباطؤ تقليص دور الدولة في الاقتصاد هو أكبر نقاط الضعف في البرنامج، مشيرًا إلى أن الحكومة مطالبة الآن بخطوات تنفيذية ملموسة تشمل طرح حصص من 10 ـ 11 شركة خلال العام المالي الجديد، من بينها شركات مملوكة لجهاز الخدمة الوطنية، بالإضافة إلى بنك القاهرة.

وأوضح أن الحكومة تراهن على تحصيل ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار من حصيلة الطروحات في السنة المالية 2025/2026، للمساعدة في تقليل عجز الموازنة وتخفيف أعباء خدمة الدين، وهو ما يجعل تنفيذ الطروحات ليس خيارًا، بل ضرورة تمويلية عاجلة.

وأشار متولي إلى أن الحكومة بدأت بالفعل اتخاذ خطوات تمهيدية جدية، منها تسريع تجهيز ملفات الشركات المستهدفة، والتعاون مع صندوق مصر السيادي لتنفيذ صفقات التخارج، بجانب تعديل عدد من السياسات الخاصة بالملكية والسيطرة، بما يتماشى مع متطلبات المستثمرين الخليجيين والدوليين.

وتابع: “التصريحات الحكومية الصادرة مؤخرًا تؤكد أن هناك على الأقل ثلاث إلى أربع صفقات سيتم تنفيذها خلال النصف الثاني من العام المالي، لكن يظل التنفيذ مرهونًا باستقرار السوق وتوافر شهية المستثمرين”.

ورغم هذا الاتجاه الإيجابي، حذر متولي من أن المخاطر لا تزال قائمة، موضحًا أن أي اضطراب سياسي أو تباطؤ في تحسن السيولة بالسوق، أو تأخر غير متوقع في خفض أسعار الفائدة، قد يؤدي إلى تأجيل الصفقات المقررة، مما سيؤثر على تقييمات الأصول، ويزيد من كلفة التمويل، بل ويفتح المجال مجددًا أمام موجات خروج من السوق المحلي.

وأكد أن التأجيل في هذه المرحلة ستكون له تبعات مباشرة على سعر صرف الجنيه، وكذلك على مستوى الثقة في الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن الضغط التمويلي وحده كفيل بدفع الحكومة نحو تنفيذ الطروحات حتى في ظل تحديات السوق.

حامد: النجاح يتوقف على التوقيت والتسعير والشفافية

وقالت راندا حامد، العضو المنتدب لشركة عكاظ لإدارة وتكوين المحافظ المالية، إن تحسن المؤشرات الاقتصادية، مثل استقرار سعر الصرف وتراجع معدلات التضخم، ساهم في إعادة بعض الثقة للمستثمرين، وهو ما بدأ ينعكس على أداء السوق من حيث مستويات السيولة وأحجام التداول.

وأشارت إلى أن طرح شركتي “فاليو” و”بنيان” في فترة زمنية متقاربة، يعد إشارة إلى بداية استعادة شهية المستثمرين للطروحات، خاصة من جانب المؤسسات والمستثمرين المحليين.

أضافت حامد أن إعلان الحكومة نيتها طرح شركات استراتيجية كبرى مثل بنك القاهرة، و”صافي”، و”وطنية”، يعد مؤشرًا قويًا على دخول الدولة مرحلة جديدة أكثر جدية في تنفيذ البرنامج.

وأكدت أن نجاح هذه الطروحات مرهون بعدة عوامل أساسية، في مقدمتها اختيار توقيت مناسب، ووضع تسعير جاذب وعادل، والالتزام بمستوى عالٍ من الشفافية والافصاح، سواء في البيانات المالية أو خطط استخدام حصيلة الطرح.

وشددت على أن البورصة المصرية أصبحت الآن أكثر جاهزية لاستقبال هذه الطروحات، بفضل زيادة الوعي الاستثماري وتحسن بيئة الاقتصاد الكلي، وهو ما يمكن البناء عليه لجعل السوق منصة حقيقية لجذب الاستثمارات.

وترى حامد أن الطروحات ليست فقط وسيلة لتوسيع قاعدة الملكية وتعزيز دور القطاع الخاص، بل تمثل أداة فعالة لتمويل الشركات، وتمكينها من التوسع وزيادة استثماراتها، وتحسين كفاءتها التشغيلية.

وأكدت أن طرح شركات ذات ثقل مالي وسوقي من شأنه أن يعمق سوق المال المصري، ويعزز من دور البورصة كقناة تمويلية حقيقية للاقتصاد الوطني، مشددة على ضرورة ألا تكون الطروحات مجرد استجابة لضغوط الصندوق، بل جزءًا من استراتيجية متكاملة للإصلاح الاقتصادي طويل الأجل.