القطاع الدفاعي يشجع المستثمرين مع توقعات بمزيد من عمليات الاستحواذ

تشهد السوق المصرية خلال الفترة الأخيرة موجة قوية من صفقات الاستحواذ والاندماج، مدفوعة بحدة التقلبات الاقتصادية والتغيرات المتسارعة في أوضاع الأسواق المالية.
وقد دفعت هذه الأوضاع كثيرًا من المستثمرين والمؤسسات إلى إعادة ترتيب أولوياتهم الاستثمارية، مما عزز الزخم في القطاعات ذات الطابع الدفاعي، وعلى رأسها قطاعات الأغذية، والأدوية، والتعليم، التي تعد ملاذًا آمنًا يوفر عوائد مستقرة في ظل بيئة اقتصادية متقلبة.
وفي ظل استمرار التصحيح الذي تشهده مؤشرات السوق، عقب وصولها إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، توجهت أنظار المستثمرين إلى الشركات ذات الطبيعة الدفاعية، نظرًا لقدرتها على الصمود أمام تقلبات الأسواق وتذبذبات الاقتصاد الكلي، ويعزز هذا التوجه تراجع التقييمات السوقية الحالية، ما يجعل تلك الشركات أهدافًا جذابة لصفقات استحواذ نوعية تركز على تحقيق التوازن بين الاستقرار والعوائد الاستثمارية المستدامة.
وقد شهدت السوق المصرية صفقات استحواذ بارزة خلال الفترة الأخيرة، في مقدمتها صفقة استحواذ مجموعة “أغذية” الإماراتية على 60% من أسهم شركة “أبوعوف” عام 2022، بقيمة تخطت 4.9 مليار جنيه، لتصبح واحدة من أضخم صفقات الاستحواذ في تاريخ صناعة الأغذية المحلية، ضمن خطة توسعية تهدف إلى ترسيخ حضور المجموعة في السوق المصري.
قال سيف عوني، العضو المنتدب لشركة “إيليت للاستشارات المالية”، إن تراجع التقييمات السوقية أسهم في جعل الشركات العاملة في القطاعات الدفاعية لها أهداف جاذبة لصفقات الاستحواذ، خصوصًا في ظل تصاعد المخاطر الاقتصادية محليًا وعالميًا.
وأضاف أن دوافع الاستحواذ لا تقتصر فقط على التحوط من المخاطر، بل تمتد إلى تحقيق التكامل التشغيلي، سواء رأسياً أو أفقياً، بهدف رفع كفاءة التشغيل وتحقيق المزيد من السيطرة السوقية.
أشار عوني إلى أن التكامل الرأسي، كاستحواذ شركات التوزيع على كيانات تصنيع، يخلق فرصًا لزيادة الربحية، في حين يسمح التكامل الأفقي بتوسيع الحصة السوقية. وأكد أن الأغذية، والأدوية، والتعليم تبقى في صدارة القطاعات الأكثر جذبًا، نظرًا لطلبها المستقر وقدرتها على تجاوز دورات الانكماش الاقتصادي.
وانضمت مجموعة “صافولا” السعودية إلى قائمة الكيانات الخليجية الفاعلة في السوق المصري عبر استحواذها الكامل على أصول الشركة المصرية البلجيكية للمخبوزات مقابل 622 مليون جنيه.
وفي قطاع الأغذية أيضًا، أكملت شركة “المراعي” السعودية صفقة استحواذها على كامل حصة “بيبسيكو” في شركة “بيتي” خلال عام 2023، بقيمة تصل إلى 255 مليون ريال سعودي، ما يعادل حوالي 68 مليون دولار، لتصبح المراعي المالك الحصري للشركة.
عمارة: الشركات تتجه للأنشطة الدفاعية لتحصين استثماراتها وتنويع الدخل
من جانبه، يرى ياسر عمارة، العضو المنتدب لشركة “إيجل للاستشارات المالية”، أن التوجه المتزايد نحو القطاعات الدفاعية يعكس استراتيجية استثمار طويلة الأجل تستهدف تنويع مصادر العوائد وتقليل التعرض لمخاطر التقلبات الاقتصادية.
وأوضح أن هذه القطاعات تضم أنشطة جوهرية مثل الصناعات الغذائية، والدوائية، والأسمدة، والحديد، والأسمنت، إذ يحافظ الطلب على هذه المنتجات على استقراره في فترات الرواج والركود.
ولفت عمارة إلى أن بعض المستثمرين يستخدمون صفقات الاستحواذ كأداة لتحقيق توسعات رأسية وأفقية في قطاعاتهم الرئيسية، كما حدث في صفقات رجل الأعمال أحمد عز في قطاع الحديد، في حين يسعى آخرون إلى الدخول في أنشطة جديدة كوسيلة لتقليل مخاطر محافظهم الاستثمارية.
من جهة أخرى، تتجه مجموعة “هائل سعيد أنعم” اليمنية نحو إنهاء الترتيبات النهائية للاستحواذ على حصة شركة “كيلوج” الأمريكية في “بسكو مصر”، ومن المتوقع إتمام هذه الصفقة قبل نهاية عام 2025، في خطوة جديدة تعيد تشكيل خريطة ملكية إحدى أعرق شركات الأغذية المصرية.
الصناديق السيادية أيضًا لم تكن بعيدة عن المشهد؛ إذ أعلنت شركة “إيكويتي” القابضة، الذراع الاستثماري لهيئة الاستثمار الكويتية، عن نيتها الاستحواذ على حصص استراتيجية في شركات أغذية وأدوية، في ظل استراتيجية تهدف لاستغلال انخفاض التقييمات الحالية وتنويع محافظ الأصول بأدوات منخفضة المخاطر.
قباني: موجة متزايدة من الصفقات الفترة المقبلة مدفوعة بجاذبية التقييمات
وقال هيثم قباني، العضو المنتدب لشركة “بيتا كابيتال للاستشارات المالية”، إن شهية المستثمرين نحو الأسهم الدفاعية تزايدت مع صعود المؤشرات الرئيسية للبورصة المصرية إلى مستويات قياسية، مما دفع العديد من المستثمرين، سواء مؤسسات أو أفراد، إلى البحث عن أدوات تحوط تضمن حماية استثماراتهم في فترات التصحيح السوقي.
وأكد قباني أن القطاعات الدفاعية، وعلى رأسها الأغذية والحبوب مثل الذرة والصويا، إلى جانب الأدوية، باتت تشهد طلبًا متزايدًا نظرًا لثبات الطلب عليها حتى خلال فترات الأزمات. ولفت إلى أن هذه القطاعات توفّر فرصًا لتحقيق نمو مستقر حتى لو جاء ذلك على حساب ضعف العائد السريع.
وتوقع قباني أن تشهد السوق المصرية موجة متزايدة من صفقات الاستحواذ في تلك القطاعات خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بجاذبية التقييمات وملاءة السيولة لدى المستثمرين الاستراتيجيين وصناديق الاستثمار. وأكد أن هذه الصفقات سيكون لها تأثير إيجابي في هيكلة السوق وزيادة التنافسية، مع تدفق رؤوس أموال جديدة تساهم في استقرار الأسعار ومعدلات التضخم.
وأشار إلى أن المستثمرين الأفراد رغم تفضيلهم للأسهم ذات العوائد السريعة، إلا أن القطاعات الدفاعية تمثل في الوقت الراهن ملاذًا استثماريًا آمنًا، خاصة في ضوء القفزات الأخيرة في مؤشرات السوق، ما يعزز أهمية هذا التوجه في حماية المحافظ من أي تقلبات مرتقبة.
ويبدو أن السوق المصرية مقبلة على موجة ممتدة من صفقات الاستحواذ في القطاعات الدفاعية، مع تزايد اهتمام المستثمرين المحليين والإقليميين بفرص تحقق لهم توازنًا بين الأمان الاستثماري والعوائد المستدامة، وبحسب آراء الخبراء، فإن هذا التوجه سيسهم في تعزيز استقرار السوق، رفع كفاءة التشغيل، ودعم خطط التنمية الاقتصادية طويلة الأجل.