المناطق الحرة تستقطب المستثمرين الدوليين بعيدًا عن تعقيدات السوق المحلي

تشهد صادرات الشركات العاملة بالمناطق الحرة العامة تحسنا ملحوظا، بدعم من توسعات المصانع القائمة، وانضمام كيانات تصديرية جديدة.
قالت مصادر لـ«البورصة»، إن العديد من الشركات المقيمة داخل المناطق الحرة، خاصة فى قطاعات الملابس الجاهزة والصناعات الهندسية والكيماويات، سجلت معدلات نمو غير مسبوقة فى حجم صادراتها، فى ظل التيسيرات الحكومية المستمرة والدعم اللوجستي.
وتضم مصر 9 مناطق حرة موزعة على عدة محافظات، هي العامرية بالإسكندرية، ومدينة نصر بالقاهرة، و2 في السويس، وواحدة في كل من بورسعيد والإسماعيلية ودمياط وشبين الكوم المنوفية، بجانب مدينة الإنتاج الإعلامى.
وبحسب بيانات صادرة عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، فقد بلغ إجمالي عدد مشروعات المناطق الحرة 1208 مشروعات، توفر نحو 962 ألف فرصة عمل، من خلال 270 ألف شركة.
ويقدر إجمالى الاستثمارات داخل هذه المناطق بنحو 4 تريليونات جنيه، بينما بلغ حجم الصادرات السنوية 7.9 مليار دولار، ما يعكس أهمية هذه المناطق فى دعم الميزان التجارى للدولة.
وتصدرت منطقة العامرية بالإسكندرية قائمة المناطق الأكثر ضما للمشروعات بعدد 405 مشروعات، تليها مدينة نصر بالقاهرة بـ 209 مشروعات، ثم السويس 186 مشروعًا، والإسماعيلية 160 مشروعًا، بينما تضم مدينة الإنتاج الإعلامي نحو 72 مشروعًا، وبورسعيد 83 مشروعًا، وشبين الكوم 17 مشروعًا فقط.
قال مصطفى إبراهيم، نائب رئيس مجلس الأعمال المصري الصيني، إن الطفرة الحالية فى صادرات المناطق الحرة كانت نتيجة مباشرة لتفضيل المستثمرين لهذه المنظومة على السوق المحلى، لما تمنحه من سرعة فى دورة رأس المال، وتقليل المخاطر، وقدرة أعلى على المنافسة فى الأسواق الخارجية.
وأكد أن هذا الاتجاه لن يكون مؤقتا، بل يمثل تحولا استراتيجيا فى خريطة الاستثمار الصناعى، خاصة فى القطاعات التصديرية مثل الملابس الجاهزة والمنتجات الهندسية، التى تستفيد بشكل مباشر من التصدير بالدولار.
أضاف إبراهيم، لـ «البورصة»، أن المناطق الحرة أصبحت الوجهة المفضلة لعدد كبير من المستثمرين، خصوصا الأجانب، لافتا إلى أن التحديات التى شهدتها مصر خلال الفترة الماضية المرتبطة بتدبير العملة الصعبة وتعقيد الإجراءات الإدارية دفعت كثيرا من المستثمرين للاتجاه إلى المناطق الحرة التى توفر مناخا أكثر مرونة واستقرارا.
وأوضح أن العمل داخل المناطق الحرة يتم بالدولار بالكامل، سواء فى الاستيراد أو التصدير، وهو ما يعفى المستثمر من أى تقلبات قد تحدث فى سعر الصرف المحلي، ومن قيود البنوك على التحويلات.
وأشار إبراهيم، إلى أن تلك الميزة أصبحت حاسمة فى اتخاذ القرار الاستثماري، خاصة بعد تراجع قيمة الجنيه وتأثر الاستثمارات داخل السوق المحلى سلبا بسبب الاعتماد على الجنيه فى سداد الجمارك والرسوم.
ونوه إلى أن الإجراءات فى المناطق الحرة أكثر انسيابية، إذ لا يطلب من المستثمر الحصول على سلسلة من الموافقات المعقدة، كما لا يتعرض لتغيرات مفاجئة فى القوانين أو القرارات التى قد تؤثر على نشاطه، مثل وقف الاستيراد أو تعديل الجمارك وهو ما جعلها بيئة مناسبة تماما لمن يستهدف الأسواق الخارجية.
أكد نائب رئيس مجلس الأعمال المصري الصيني، أن مستثمرين من الصين وتركيا اتجهوا مؤخرًا إلى التصنيع داخل المناطق الحرة فى مدن مثل بورسعيد، بدلا من الإنتاج فى بلادهم، معتبرا أن هذه الخطوة جاءت نتيجة لاحتسابه حجم العائد والاستقرار الذى توفره تلك المناطق مقارنة بالأسواق الداخلية.
أحمد: نمو سنوي فى صادرات الصناعات النسيجية بعد انضمام الأتراك والصينيين
وقال سعيد أحمد، رئيس المجلس التصديرى للمفروشات، إن المناطق الحرة تمثل بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية الموجهة للتصدير، خاصة فى ظل الحوافز الجمركية والضريبية التى تتيحها، بجانب التحرر من تعقيدات البيروقراطية التقليدية، مضيفا أن مثل هذه الأطر توفر منصة أكثر كفاءة لتسريع دورة رأس المال وتحقيق عوائد مستقرة.
أضاف لـ «البورصة»، أن صادرات شركات الصناعات النسيجية بالمناطق الحرة تشهد ارتفاعات مستمرة بشكل ملحوظ، خاصة بعد انضمام عدد كبير من الشركات التركية والصينية وهو ما ظهر واضحا فى إجمالى صادرات القطاع سنويا.
وأوضح أحمد، أن الاتفاقيات التجارية مثل “الكويز” و”الكوميسا” و”الميركسور”، أسهمت فى تعزيز تنافسية المنتجات المصرية فى الأسواق العالمية من خلال الإعفاءات الجمركية، وهو ما يجعل المناطق الحرة بوابة مثالية للشركات الأجنبية الراغبة فى التصدير إلى أفريقيا والدول العربية.
أضاف أن تحفيز الصادرات يمثل أولوية قصوى خلال الفترة الحالية، لافتا إلى أن المجلس يستهدف رفع صادرات القطاع إلى 800 مليون دولار خلال 2025، مقابل نحو 650 مليون دولار متوقعة بنهاية العام الحالي.
وأشار رئيس المجلس التصديرى للمفروشات، إلى أن تحسين تنافسية المنتج المصري يمثل ركيزة أساسية في مضاعفة الصادرات، لافتًا إلى أن المجلس يسعى لفتح المزيد من الأسواق، لاسيما في دول الخليج، مع التركيز على الأسواق التي يمكن النفاذ إليها بسهولة من خلال اتفاقيات التجارة الحرة.
قال أحمد، الذي يرأس مجلس إدارة شركة «نايل لينين جروب للنسيج والمفروشات»، إن شركته تُعد نموذجًا واضحًا لما يمكن أن تحققه المصانع العاملة بالمناطق الحرة من نمو تصديري، موضحًا أن الشركة تمكنت من تحقيق صادرات بقيمة 52 مليون دولار بنهاية 2024، بزيادة ملحوظة عن السنوات السابقة، مدفوعة بالتوسع فى الأسواق الأوروبية والأمريكية.
وأشار إلى أن المجموعة رفعت نسبة التصدير إلى 90% من إجمالى الإنتاج خلال العام الحالي، مستفيدة من مرونة البيئة التصديرية بالمناطق الحرة، والتى تتيح دورة تشغيل أسرع، وسهولة فى التعاملات المالية، بعيدا عن تعقيدات السوق المحلى.
ونوه بأن الطاقة الإنتاجية اليومية للشركة تبلغ 125 ألف متر مربع من الأقمشة والمفروشات والوبريات، فيما تصل الطاقة السنوية إلى نحو 55 مليون متر مربع.
وذكر أن الشركة تخطط خلال العام الحالي لاختراق المزيد من الأسواق الخليجية والعربية والأفريقية عبر المشاركة فى البعثات التجارية والمعارض الدولية.
زغلول: الإعفاء من الجمارك والضرائب يخفض التكاليف ويعزز النفاذ للأسواق الخارجية
وقال عبدالناصر زغلول، المدير العام لمجموعة مصانع ساندى للمفروشات، إن العمل من داخل المنطقة الحرة منح الشركة ميزة تنافسية كبيرة فى التصدير، نتيجة الإعفاء من الرسوم الجمركية والضرائب، مما أسهم فى تخفيض التكاليف وتعزيز القدرة على النفاذ للأسواق الخارجية.
أضاف لـ«البورصة»، أن التواجد داخل مصر خارج نطاق المناطق الحرة يواجه تحديات جمركية وضريبية تؤثر على تنافسية المنتج، فضلًا عن تعقيد بعض الإجراءات، لاسيما فيما يتعلق بإدخال المواد الخام.
وأوضح زغلول، أن الشركة تصدر حاليًا نحو 30 حاوية شهريا من منتجات المفروشات، وتخطط لزيادتها خلال العام المقبل، مع إمكانية زيادته خلال مواسم الذروة مثل الحج والعمرة، حيث ترتفع الطلبات من السوق السعودى والخليجى.
ولفت إلى أن نحو 10% من حجم الإنتاج يتم توجيهه للسوق المحلي، بينما يتم تصدير النسبة المتبقية، مؤكدًا أن التوسعات المستقبلية ستقتصر على رفع الطاقة الإنتاجية عبر زيادة الورديات بدلا من إضافة خطوط أو مصانع جديدة.
وعن الأسواق التصديرية، ذكر زغلول أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية تمثل الوجهة الرئيسية لصادرات الشركة.
فيكتوري: بوابة عبور للشركات العالمية نحو السوقين الأمريكي والأوروبي
وقال واصف فيكتورى رئيس شركة مونت إيجل مصر للمواد الكيماوية، إن المنطقة تشهد خلال الفترة الحالية نشاطا ملحوظًا فى حركة الصادرات، خاصة من جانب شركات الملابس الجاهزة والمنسوجات، التى استفادت من التحولات العالمية فى سلاسل الإمداد، بعد فرض رسوم جمركية أمريكية على المنتجات الصينية.
أضاف لـ «البورصة»، أن هذه الظروف الدولية دفعت بعض الشركات متعددة الجنسيات، ومنها شركات صينية، إلى توجيه إنتاجها من مصر عبر المناطق الحرة، للاستفادة من نسب رسوم جمركية أقل فى الأسواق المستهدفة، وهو ما انعكس إيجابيا على حجم الصادرات وخلق فرص تشغيل جديدة داخل البلاد.
أوضح فيكتوري، ، أن شركات الملابس والمنسوجات استفادت بوضوح من التحولات فى الأسواق العالمية، ووجهت إنتاجها من مصر، وهو ما يعزز من مكانة المناطق الحرة كمركز تصديري إقليمى.
وأشار إلى وجود بعض التحديات التى تؤثر على القدرة التنافسية للشركات المحلية داخل المنطقة الحرة، موضحًا أن الشركات المصرية تُعامل ضريبيًا بنفس معاملة الكيانات الأجنبية، عند إدخال منتجات أو مستلزمات من السوق المحلى إلى المنطقة الحرة.
وتابع: «عندما نستورد من السوق المحلى بهدف التصدير، يتم تحصيل 2% رسوم وارد، تمامًا كما لو كنا نستورد من أوروبا أو الصين، رغم أن هذه المنتجات مصرية المنشأ»، مشددًا على ضرورة إعادة النظر فى هذه الآلية، لتحفيز الاعتماد على المنتج المحلى وزيادة نسب التصدير منه.
وانتقد واصف، البيروقراطية فى بعض إجراءات التخليص الجمركى والتصدير داخل المناطق الحرة، مؤكدا أن كثرة الموافقات والتداخل بين الجهات يؤديان إلى تعطيل عمليات التصدير، ويفرض أحيانًا غرامات غير مبررة على أخطاء إدارية بسيطة.
وذكر أن شركته تصدر نحو 90% من إجمالى أعمالها إلى أكثر من 82 دولة حول العالم، مستندة فى ذلك إلى شراء منتجات من السوق المصرى وتصديرها من خلال المنطقة الحرة، ضمن رؤية توسعية شاملة دعمت تنوع الأسواق المستهدفة.
ذكي: أداة استراتيجية لربط الاقتصاد المحلي بالسلاسل العالمية
وقال أشرف ذكي رئيس مجلس إدارة شركة إليكس إل إل سى للأدوات الرياضية، إن الشركة تصدر كامل إنتاجها للأسواق الخارجية، فى إطار نظام المناطق الحرة الذى يتيح بيئة إنتاجية مرنة تدعم تسهيل حركة التجارة.
أضاف لـ «البورصة»، أن الشركة تعتمد على استيراد المواد الخام من السوق الأوروبية، وتحديدًا من فرنسا، لتجرى عليها عمليات تصنيع وتجهيز داخل مصر، ثم تعيد تصديرها إلى الخارج.
أشار ذكي، إلى أن إجراءات العمل داخل المنطقة الحرة بالإسكندرية تسير بسلاسة، دون تحديات تؤثر على الخطط التوسعية للشركة، موضحًا أن التحديات القائمة لا ترتبط بالمنطقة الحرة ذاتها، بل تتعلق بإيجاد أسواق خارجية مستقرة لاستيعاب المنتجات.
وأوضح، أن نموذج المناطق الحرة لا يعود بالفائدة على المستثمر الأجنبى فقط، بل يحقق مكاسب ملموسة للدولة، فى مقدمتها خلق فرص العمل وتدريب العمالة المحلية على أنظمة تشغيل متقدمة.
وأكد على أهمية دعم منظومة المناطق الحرة باعتبارها أداة استراتيجية لربط الاقتصاد المحلي بالسلاسل العالمية، بما يُعزز موقع مصر على خريطة التصدير الإقليمي والدولي.