تجنب القطاع الخاص لمشاريع الإسكان الاجتماعي: إلى متى ستستمر هذه الظاهرة؟

تظل مشروعات الإسكان الاجتماعي، أحد أهم أدوات الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أنها تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في ضعف مشاركة القطاع الخاص، وعدم مواكبتها للطلب المتزايد من هذه الفئة.
ورغم محاولات الحكومة التوسع في هذا الملف، فلا يزال المطورون العقاريون مترددين، في ظل غياب الحوافز والتسهيلات الكافية.
وطالب مطورون بتحفيز القطاع الخاص للمشاركة في تنفيذ مشروعات الإسكان الاجتماعي، عبر حزمة من السياسات، على رأسها تخفيض تكلفة الأرض وتسهيل الإجراءات، مؤكدين أن إشراك المطورين ليس رفاهية بل ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية وسد فجوة الطلب المتزايدة.
قال المهندس فتح الله فوزي، رئيس لجنة البناء والتشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن تكلفة شراء الأراضي تُعد من أبرز التحديات التي تواجه المطورين العقاريين، مشيرًا إلى إمكانية تخصيص أراضٍ للإسكان الاجتماعي بنظام حق الانتفاع طويل الأجل أو بأسعار رمزية، مما يقلل حجم الاستثمارات الأولية ويدفع الشركات للمشاركة بقوة في هذه المشروعات.
واقترح أن تتيح الحكومة للمطورين تنفيذ وحدات الإسكان الاجتماعي، مقابل حصولهم على أراضٍ استثمارية بأسعار مخفضة لتنفيذ مشروعاتهم الخاصة، بشرط توزيع هذه الأراضي على مختلف المحافظات لتلبية احتياجات الشرائح المستهدفة.
كما دعا فوزي، إلى تقديم إعفاءات ضريبية مؤقتة أو تخفيضات في الضرائب العقارية للمشروعات التي تستوفي معايير الإسكان الاجتماعي، مؤكدًا أهمية أن تتحمل الدولة جانبًا من المهام التسويقية لتخفيف الأعباء عن المطورين.
وشدد على ضرورة التزام المطورين بتسليم المشروعات في مواعيدها، لتفادي تفاقم أزمة الإسكان مستقبلاً.
أشار فوزي، إلى ضرورة تفعيل نظام التمويل المشترك، بحيث توفر الدولة الأرض والمرافق الأساسية، ويتولى المطور عملية البناء، ويتم تقاسم الأرباح بشكل عادل، مؤكدًا أهمية توفير قاعدة بيانات دقيقة بالمستحقين لتلك الوحدات لضمان الشفافية وسهولة التوزيع.
وشدد على أهمية تسهيل إجراءات التراخيص، بجانب توفير المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحي في مواقع البناء منذ البداية، لتقليل فترة التنفيذ وتكاليف الإنشاء، مؤكدًا أن “جذب المطورين العقاريين نحو الإسكان الاجتماعي، ضروري لتحقيق التنمية المستدامة”.
العسال: مشاركة القطاع الخاص قادرة على حل أزمة الإسكان خلال سنوات قليلة
وقال المهندس هاني العسال، رئيس مجلس إدارة مجموعة مصر إيطاليا العقارية وعضو غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، إن الإسكان الاجتماعي يمثل ركيزة رئيسة في دور الدولة تجاه المواطن، وركنًا أساسيًا في تحقيق العدالة الاجتماعية، ما يتطلب من جميع الأطراف الفاعلة في السوق العقاري، وفي مقدمتها القطاع الخاص، تحمل مسؤوليتها في هذا الملف.
أضاف أن الدولة تبذل جهودًا ضخمة في توفير السكن الملائم لمحدودي ومتوسطي الدخل .. إلا أن حجم الطلب السنوي الضخم الذي يتجاوز مليون وحدة سكنية يستدعي مشاركة حقيقية من المطورين العقاريين، لضمان الاستمرارية والتوسع في هذه المشروعات.
وأوضح العسال، أن أحد المفاتيح الرئيسة لتمكين القطاع الخاص من دخول مجال الإسكان الاجتماعي هو تقديم أراضٍ بأسعار رمزية أو مدعومة، بشرط التزام المطور ببناء وحدات تستوفي شروط الإسكان الاجتماعي من حيث المساحة والتسعير والتشطيب. مشيرًا إلى أن العلاقة بين الدولة والمطورين في هذا السياق يجب أن تُبنى على التكامل لا التنافس.
واقترح تخصيص 5% من قيمة الأراضي التي تطرحها الدولة على المستثمرين لصالح الإسكان الاجتماعي، مؤكدًا أن هذه النسبة يمكن أن تخلق صندوقًا دائمًا لدعم تلك المشروعات. كما دعا إلى تخصيص نسبة 30% من أي مشروع يُنفّذ بنظام الشراكة بين الدولة والمطورين لتنفيذ وحدات إسكان اجتماعي.
أكد العسال ، أن إشراك القطاع الخاص سيسهم في تسريع وتيرة بناء الوحدات وتقليص فجوة الطلب، مشيرًا إلى أن الدولة يمكنها إنهاء أزمة الإسكان الاجتماعي خلال سنوات قليلة إذا ما تم تسهيل دخول المطورين لهذا القطاع الحيوي.
ولفت إلى أن بعض المطورين لديهم القدرة الفنية والإدارية التي تؤهلهم لتنفيذ وحدات بمواصفات عالية وتكلفة أقل في وقت قياسي، لكن ما ينقصهم هو نظام واضح ومحفز من قبل الدولة يضمن استقرار العائد وجدوى الاستثمار.
كما نبّه إلى أهمية عدم إغفال فئة الإسكان المتوسط، والتي تمثل الشريحة العريضة من الطبقة الوسطى، والتي تعاني بدورها من ارتفاع أسعار الوحدات السكنية، مشددًا على ضرورة أن تتوسع الدولة في آليات الشراكة مع القطاع الخاص أيضًا في هذا المجال، عبر تسهيلات تمويلية أو توفير البنية التحتية بأسعار تنافسية.
وطالب العسال، بإعادة النظر في النظرة النمطية تجاه الإسكان الاجتماعي، قائلاً: “علينا أن نتجاوز فكرة أن الإسكان الاجتماعي عبء على الدولة والمستثمر، بل هو فرصة تنموية واستثمارية تُحقق مردودًا اجتماعيًا واقتصاديًا في آن واحد”.
القاضي: تخفيض سعر الأرض يقلص 55% من تكلفة الوحدة
وقال محمد القاضي، خبير التخطيط العمراني وعضو جمعية رجال الأعمال المصريين، إن مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الإسكان الاجتماعي لا تزال تقتصر على شركات المقاولات التي تنفذ لصالح الدولة، بسبب انخفاض أسعار الوحدات بما يتناسب مع دخول محدودي ومتوسطي الدخل.
أضاف أن فئة الإسكان المتوسط تمثل أكبر قاعدة للطلب حاليًا، ورغم ذلك يعزف القطاع الخاص عن الدخول فيها لغياب الدعم الحكومي الكافي. وأشار إلى أن الحكومة مطالبة بتقديم محفزات حقيقية لتشجيع المطورين على خوض هذه التجربة.
وأوضح القاضي أن المطورين بحاجة إلى أراضٍ بسعر رمزي، وتسهيلات في شروط البناء والتراخيص، إلى جانب قاعدة بيانات حكومية للعملاء المستهدفين، وهو ما قد يوفر على المطورين نحو 10% من تكاليف المشروع المرتبطة بالتسويق.
وأكد أن تخفيض سعر الأرض وحده يمكن أن يقلص نحو 55% من تكلفة الوحدة، موضحًا أن المطورين يعانون من ضعف السيولة بسبب أنظمة التقسيط الطويلة، ما يؤخر التسليم. واقترح أن تدفع الحكومة ثمن الوحدة كاملة بعد التسليم، على أن تتولى هي تحصيل الأقساط من العملاء.
قال القاضي، إن الإسكان الاجتماعي يمثل فرصة حقيقية لضبط السوق، إذ يمكن للمطورين بناء أكثر من 400 ألف وحدة سنويًا.
وكشف أن العام الماضي شهد إنشاء نحو 5 آلاف وحدة فقط من فئة الإسكان المتوسط، وهو رقم متواضع للغاية مقارنة بحجم الطلب، محذرًا من استمرار غياب القطاع الخاص عن تلك الفئة لما قد يسببه من تفاقم في الاحتياجات