هل ستعيد مصر تنظيم تجارتها الخارجية من خلال الاتفاق المرتقب مع الاتحاد الأوراسي؟

هل ستعيد مصر تنظيم تجارتها الخارجية من خلال الاتفاق المرتقب مع الاتحاد الأوراسي؟

أعاد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مناقشة انضمام مصر إلى اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوراسي، الزخم إلى جهود الحكومة لتنويع الأسواق التصديرية والبحث عن تكتلات اقتصادية غير تقليدية لتقليص فجوة الميزان التجاري.

ويمثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم روسيا، وكازاخستان، وبيلاروسيا، وأرمينيا، وقيرغيزستان، سوقًا ضخمة يقترب عدد سكانها من 183 مليون نسمة، وتتمتع باحتياطيات ضخمة من الطاقة والمعادن، فضلًا عن حاجتها إلى الواردات في قطاعات استراتيجية، مثل الأغذية والمنتجات الكيماوية والهندسية والملابس.

وتنظر مصر إلى هذه الاتفاقية كجزء من رؤيتها الاستراتيجية لتنويع الشركاء التجاريين، والحد من الاعتماد المفرط على الأسواق الأوروبية والعربية التقليدية، التي تعاني بعضُها من تشبع أو تحديات هيكلية في الطلب.

ويقول مسئولون إن الاتفاق – حال توقيعه – سيوفر إعفاءات جمركية للمنتجات المصرية، ويقلل من الحواجز غير الجمركية، ويفتح المجال أمام تدفقات تجارية جديدة إلى تكتل اقتصادي يعاني من اضطراب في سلاسل الإمداد، وتراجع في الواردات من مصادر تقليدية بسبب الأزمات الجيوسياسية.

وتأسس الاتحاد الاقتصادي الأوراسي عام 2015، ويعد من بين التكتلات الإقليمية الصاعدة التي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين أعضائه في مجالات التجارة، والطاقة، والاستثمار، والتنقل الحر للسلع والخدمات ورأس المال.

ويتمتع التكتل باحتياطات طاقة ضخمة، حيث تمتلك روسيا وحدها أكثر من 25% من احتياطيات الغاز الطبيعي عالميًا، بالإضافة إلى قدرات صناعية وزراعية كبيرة.

ورغم وفرة الموارد، فإن دول الاتحاد تعتمد على الاستيراد في العديد من السلع الاستهلاكية والمنتجات المصنعة، وهو ما يجعلها سوقًا واعدة للمنتج المصري، لا سيما في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ 2022، والتوترات المستمرة في سلاسل التوريد.

ويطمح المصدرون أن يكون الاتفاق مع الاتحاد الأوراسي أداة لتغيير هذا الواقع، عبر تمكين القطاعات التصديرية المصرية من النفاذ إلى أسواق جديدة، وتحقيق توازن أفضل في الميزان التجاري.

أبو المكارم: الاتفاق المرتقب يعزز صادرات الكيماويات ويتجاوز العوائق الفنية

قال خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية، إن الاتفاق المرتقب مع الاتحاد الأوراسي سيكون له تأثير بالغ على نمو صادرات القطاع، لا سيما في المنتجات الوسيطة والنهائية التي تحظى بطلب متزايد في دول الاتحاد.

وأوضح أن أبرز التحديات التي تواجه المصدرين المصريين حاليًا إلى هذه الأسواق تتضمن، الرسوم الجمركية المرتفعة، اختلاف المواصفات الفنية والمعايير التنظيمية، ضعف البنية التحتية اللوجستية، غياب المراكز التجارية ومخازن التوزيع المصرية، تعقيد التحويلات البنكية وغياب الربط المصرفي.

ودعا إلى أن يتضمن الاتفاق المرتقب أدوات لتجاوز هذه العقبات، من خلال التعاون الفني في تحديث المواصفات، وإنشاء مراكز لوجستية، والتنسيق المصرفي بين البنوك المركزية.

الصياد: 75 % تراجعًا في صادرات الهندسية لروسيا ونجهز لبعثات تجارية عاجلة

أما شريف الصياد، رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية، أوضح أن صادرات القطاع إلى روسيا تراجعت بنسبة 75% في 2024، لتسجل 4 ملايين دولار فقط، مقابل 15.8 مليون دولار في 2023، في حين بلغت واردات القطاع من روسيا نحو 137 مليون دولار.

ويرى أن هذا التراجع يكشف عن ضعف الترويج التجاري، وغياب الفهم الدقيق لاحتياجات السوق الروسي، داعيًا إلى تنظيم بعثات تجارية واستكشافية إلى دول الاتحاد لجمع البيانات، وتطوير تصميمات ومنتجات تتناسب مع الأذواق المحلية.

حلمي: منتجاتنا الهندسية بديل للأوروبية والتركية بأسواق الأوراسي لكن بشروط

في السياق ذاته، قالت مي حلمي، المدير التنفيذي للمجلس، إن المنتجات المصرية من الأجهزة الكهربائية وقطع غيار السيارات يمكن أن تحل محل المنتجات الأوروبية والتركية التي تراجعت في أسواق الاتحاد، بشرط الالتزام بالمواصفات الفنية وتوفير خدمات ما بعد البيع.

وأكدت أن المجلس يعمل على إعداد دليل معلوماتي مفصل للأسواق الأوراسية، يشمل خرائط الطلب ومواصفات التسجيل، والدورات الموسمية للشراء، بهدف دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في خطط التوسع.

الضوي: الأغذية المصرية تنافس في دول الاتحاد لكن نحتاج دعمًا لوجستيًا وتمويليًا

في قطاع الصناعات الغذائية، قال تميم الضوي، المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الغذائية، إن دول الاتحاد الأوراسي تمثل أسواقًا ذات طلب مرتفع ومستمر على المنتجات الزراعية والغذائية، خاصة بعد تراجع الواردات الأوروبية.

وأشار إلى أن مصر تملك ميزة تنافسية في الفواكه المجمدة والخضروات، وتطمح إلى توسيع محفظة الصادرات لتشمل الأعشاب، والزيوت الطبية، والمنتجات المعلبة، بدعم من الاتفاق المرتقب.

وأوضح أن ضعف الترويج، وصعوبات الشحن، وغياب شركات توزيع مصرية محلية، تمثل أبرز التحديات التي تتطلب تدخلًا حكوميًا لتوفير حلول لوجستية وتمويلية.

فتح الله: اتفاق الأوراسي يمنح الملابس المصرية إعفاءات ويفتح أسواقًا جديدة

في قطاع الملابس الجاهزة، قال سمير فتح الله، المدير التنفيذي لشركة “ترانس أفريكا”، إن المصانع المصرية باتت في وضع أفضل لمنافسة تركيا، في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها الأخيرة.

وأوضح أن الاتفاق مع الاتحاد الأوراسي سيمنح صادرات الملابس إعفاءات مباشرة، ما يقلل من التكلفة النهائية للمنتج، ويفتح الباب للتوسع في أسواق مثل روسيا وأرمينيا وكازاخستان.

وأشار إلى أن استثمارات تركية دخلت السوق المصرية خلال السنوات الماضية في قطاع الغزل والنسيج، ما ساعد في نقل الخبرات وزيادة القدرة الإنتاجية، ورفع جودة المنتجات.

صبحي: 200 مليون جنيه لتأهيل مزارع تصديرية للتوسع في الأسواق الأوراسية

أما في قطاع الحاصلات الزراعية، قال أحمد صبحي، رئيس شركة “السلام الدولية”، إن شركته ضخت استثمارات بقيمة 200 مليون جنيه لتأهيل مزارع تصديرية بمساحة 3 آلاف فدان، استعدادًا لاختراق السوق الأوراسي.

وأضاف أن روسيا وبيلاروسيا تحتاجان إلى منتجات طازجة ومجمدة بجودة عالية، والاتفاق المرتقب سيوفر مزايا جمركية وتقنية تشجع على دخول هذه الأسواق.

وأكد أن لدى دول الاتحاد طلب موسمي مرتفع على البطاطس، والبصل، والعنب، والموالح، ويمكن لمصر أن تلعب دور المورد الرئيسي لتلك المنتجات.

عابدين: القطاع الصناعى أمام أسواق واعدة وتوفير حوافز لشركات الشحن

قال طارق عابدين، عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات الهندسية، إن الاتحاد الأوراسي يمثل بوابة لأسواق تمتد من وسط آسيا إلى أوروبا الشرقية، وتحتاج إلى موردين جدد في ظل تراجع العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.

وشدد على ضرورة تطوير البنية التحتية للتصدير، وتحسين أداء الموانئ، وتبسيط الإجراءات الجمركية، وتحفيز شركات الشحن، لتسهيل الوصول إلى الأسواق الأوراسية.

ودعا إلى تعزيز التنسيق بين المجالس التصديرية والجهات الحكومية، لتوفير برامج تدريب وتوعية، وتمويل ميسر، وآليات ترويج متخصصة، تضمن قدرة الشركات المصرية على المنافسة والانتشار.

يأتي التفاوض مع الاتحاد الأوراسي في إطار استراتيجية الحكومة لزيادة الصادرات غير البترولية إلى 100 مليار دولار سنويًا، كما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة.

وتستهدف الاستراتيجية تنويع الأسواق والمنتجات، وتشجيع الاستثمار الصناعي الموجه للتصدير، وتوفير أدوات تمويل وضمان مخاطر، وتحفيز إنشاء المجمعات الصناعية التصديرية.

وتولي الدولة اهتمامًا خاصًا بالتعاون مع التكتلات الاقتصادية، حيث وقعت اتفاقيات مماثلة مع “الميركوسور”، واتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، كما تعتزم توسيع اتفاقياتها مع شرق آسيا.

ويقول محللون إن الاتفاق مع الاتحاد الأوراسي يعكس توجهًا مصريًا استراتيجيًا نحو تنويع الشركاء بعيدًا عن أوروبا، وتعظيم الاستفادة من المتغيرات الجيوسياسية التي أعادت تشكيل خريطة التجارة العالمية.

ويشترط المحللون نجاح الاتفاق استعداد القطاع الخاص للتعامل مع المتطلبات الفنية والتنظيمية الجديدة، ووجود بنية تحتية لوجستية مرنة، وقدرات تمويلية تناسب التوسعات التصديرية.