ما هي المزايا والعيوب المرتبطة بسلاسل القيمة العالمية؟

ما هي المزايا والعيوب المرتبطة بسلاسل القيمة العالمية؟

تُعد العوامل الجيوسياسية من المحركات الرئيسة لموجة فكّ الارتباط الاقتصادي العالمي التي تقودها الولايات المتحدة حالياً، لكن ثمة أيضاً اعتبارات اقتصادية تدفع العديد من الدول إلى إعادة سلاسل التوريد إلى مناطق أقرب.

وهنا يظهر تساؤل جوهري: ما هي التكاليف الاقتصادية للعولمة؟ وهل تفوق فوائدها؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد أولاً من التمييز بين نوعين من المشاركة في سلاسل القيمة العالمية، هما المشاركة “العكسية” والمشاركة “الأمامية”.

تُشير المشاركة العكسية إلى اعتماد الإنتاج المحلي في دولة ما على مدخلات وسيطة مستوردة، أي النسبة التي تمثلها القيمة المضافة الأجنبية في إجمالي صادرات الدولة.

فعلى سبيل المثال، حين تُنتج فيتنام وتُصدر هواتف “سامسونج جالاكسي”، فإنها تعتمد إلى حد كبير على مكونات تقنية عالية مستوردة من كوريا الجنوبية ودول أخرى، ما يجعل مؤشر مشاركتها العكسية في سلاسل القيمة مرتفعاً جداً، بينما تكون القيمة المضافة المحلية محدودة نسبياً.

أما المشاركة الأمامية في سلاسل القيمة العالمية، فتعني استخدام صادرات دولة ما كمدخلات في عمليات إنتاج لدى شركائها التجاريين، أي ما تضيفه هذه الصادرات من قيمة إلى صادرات الآخرين.

على سبيل المثال، عندما تُصدر الولايات المتحدة قطع غيار السيارات إلى المكسيك لتجميعها هناك، فإن مؤشر مشاركتها الأمامية في سلاسل القيمة يكون مرتفعاً.

تُظهر دراسات حديثة أن المشاركة العكسية في سلاسل القيمة غالباً ما تُسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، بينما المشاركة الأمامية قد تؤدي إلى إضعافه.

لكن هذا الاستنتاج العام يخفي وراءه العديد من التفاصيل الدقيقة، حسب ما ذكره موقع “بروجكت سنديكيت”.

فعلى سبيل البدء، تُسجل المشاركة الأمامية في سلاسل القيمة تأثيرات سلبية أكبر على النمو في الاقتصادات التي تفتقر إلى المرونة.

ويُحتمل أن السبب في ذلك هو أن هذه الاقتصادات، عندما تُعيد توجيه الأجزاء ذات القيمة المضافة المنخفضة من سلاسلها الإنتاجية إلى الخارج، تفشل في إعادة تخصيص الموارد البشرية والمادية المرتبطة بها داخلياً.

وبالتالي، ورغم أن الشركات متعددة الجنسيات استفادت من نقل خطوط التصنيع خارج الولايات المتحدة مثلاً، فإن المكاسب على مستوى الاقتصاد الكلي الأمريكي تبقى أقل وضوحاً، وقد تضررت بالفعل بعض الفئات من العمال.

يمكن أن يُفسر هذا جزئياً ما خلُصت إليه دراسة أخرى، من أن الأثر السلبي للمشاركة الأمامية في سلاسل القيمة يعتمد إلى حد كبير على العناصر التي تم ترحيلها إلى الخارج.

ففي قطاع تكنولوجيا المعلومات في كوريا الجنوبية، تم نقل تجميع المنتجات النهائية إلى دول أخرى، بينما بقي البحث والتطوير والتسويق في الداخل، وهو ما أضر بالنمو.

أما في قطاع السيارات، حيث احتُفظ بمعظم خطوط التجميع داخل كوريا الجنوبية، فقد كانت الآثار السلبية للمشاركة الأمامية محدودة.

لا تقل تباينات التأثيرات وضوحاً في حالة المشاركة العكسية.

ففي إسبانيا، أسهمت المشاركة العكسية في قطاعات مثل الصناعات الدوائية والغذائية والصناعية، بالإضافة إلى القطاع الصناعي الكلي، في دعم النمو الاقتصادي العام، لكنها لم تُحقق نفس الأثر الإيجابي في قطاع السيارات.

أما في كوريا الجنوبية، فإن المشاركة العكسية لم تُسهم إيجاباً في معظم القطاعات، بل أثرت سلباً على النمو في مجالات مثل الحوسبة والخدمات المالية.

يبدو أن طبيعة الهيكل الصناعي والمؤسسي في كل بلد هي العامل الحاسم في ذلك.

ففي كوريا الجنوبية، تهيمن التكتلات الكبرى المتنوعة التي تعتمد على تكامل عمودي في سلاسل القيمة، ما يعني أن زيادة الروابط العكسية تعني عملياً استيراد مدخلات أجنبية لتحل محل منتجات كانت تُصنع محلياً ضمن سلاسل إنتاج داخلية، بالتالي خسارة سلاسل قيمة وطنية كانت تعمل بكفاءة داخل حدود الدولة.

وعلى النقيض، فإن البنية الصناعية في إسبانيا تتسم بدرجة عالية من التخصص والاندماج الأفقي مع دول الجوار الأوروبي، بدلاً من التكامل العمودي.

لذا فإن المدخلات الوسيطة المستوردة تمثل غالباً خيارات أكثر كفاءة وجدوى اقتصادية للإنتاج المحلي.

يُعد قطاع الصناعات الدوائية نموذجاً على ذلك، إذ تتجاوز درجة المشاركة العكسية في صادرات إسبانيا في هذا القطاع نسبة 30%، إذ تؤدي إسبانيا دور “عقدة” في شبكة صناعية أوروبية متكاملة.

ولا تسيطر إسبانيا على المراحل الأعلى قيمة في هذه الشبكة، بل تعمل بالقرب من الأسواق الاستهلاكية النهائية.

لكنها، في الوقت ذاته، تتمتع بقدرات علمية وتكنولوجية قوية مكنتها من تطوير شركاتها المحلية باستمرار.

وبين عامي 1995 و2020، سجلت صادراتها الدوائية نمواً مضاعفاً.

في المقابل، تُعد آثار المشاركة العكسية على النمو الاقتصادي أكثر غموضاً في الاقتصادات الأقل تطوراً.

فكما تُظهر حالة قطاع السيارات في تايلاند وقطاع تكنولوجيا المعلومات في فيتنام، تُسجل اقتصادات الأسواق الناشئة عادةً معدلات مرتفعة من المشاركة العكسية، وهو ما يُسهم في توفير فرص عمل.

لكن نظراً لأن هذه المشاركة ترتبط غالباً بقيمة مضافة محلية منخفضة، فإن قدرتها على ترقية التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية تبقى محدودة، وهذا ما يُفسّر لماذا يصعب الخروج من “فخ الدخل المتوسط”.

ورغم أن المشاركة في سلاسل القيمة العالمية ليست مفيدة على نحو شامل، فإن الدعوات إلى الانسحاب منها تفتقر إلى الوضوح الاقتصادي.

فالمقاربة المتوازنة تقتضي فهماً دقيقاً للمقاطع التي تسيطر عليها الدول محلياً داخل السلاسل، إضافة إلى السياسات التي يمكن أن تُعزز الآثار الإيجابية لهذه المشاركة.

وربما يكون الأجدى من رفض سلاسل القيمة العالمية هو أن تعمل الحكومات على زيادة مرونة هياكلها الصناعية، أو دعم ارتفاع القيمة المضافة المحلية ضمن سلاسل الإنتاج.