الرئيس التنفيذي لوادي دجلة: من غير الممكن اعتماد نموذج اقتصادي موحد لكل الأندية في مصر.

من مصنع للأبطال إلى وجهة استثمار رياضي ناجحة، إنه نادي وادي دجلة ، الذي يواصل تأكيد مكانته كواحد من أبرز الأندية الرياضية في مصر، ليس فقط من حيث النتائج، بل في بناء منظومة احترافية تُخرّج المواهب وتصنع الفارق.
ومن الإنجازات في الألعاب الفردية والتتويج ببطولات محلية وقارية، إلى إعادة فريق كرة القدم إلى الدوري الممتاز، وصولًا إلى تصدير نجم مثل عمر مرموش إلى مانشستر سيتي، تتعدد مؤشرات النجاح وتؤكد أن “وادي دجلة” بات علامة فارقة في المشهد الرياضي المصري.
“البورصة” التقت طارق راشد الرئيس التنفيذي لنادي وادي دجلة، وفتحت معه حوارا حول مستقبل الاستثمارات الرياضية في مصر، وكيفية بناء نموذج ناجح يجمع بين تطوير البنية التحتية، وصناعة الأبطال، وتعظيم العوائد الاقتصادية من الرياضة؟
وإلى نص الحوار:
كيف تقيّم حجم الاستثمارات التي تم ضخها مؤخرًا في القطاع الرياضي خصوصا على مستوى الأندية؟
لا يوجد رقم دقيق يمكن أن يعبّر عن حجم الاستثمارات في القطاع الرياضي حاليًا، لأن البيانات الرسمية غير متوافرة في مصر بشكل علني حتى الآن، مما يعيق من التقييم الدقيق لحجم الاستثمارات.
ومع ذلك، تعمل وزارة الشباب والرياضة على إعداد ما يُعرف بـ”الحساب الفرعي للرياضة”، وهو نظام يهدف إلى قياس مساهمة قطاع الرياضة في الناتج القومي الإجمالي، لكن هذا البيان لم يصدر بعد أو قد يكون متاحًا فقط داخل الوزارة حتى الآن.
ورغم غياب الأرقام الرسمية، ثمة مؤشرات واضحة تعكس حجم الاستثمارات في هذا القطاع، أولها يتمثل في البنية التحتية، مثل الصالات المغطاة، ومراكز الشباب، والأندية التي أنشأتها الوزارة، بالإضافة إلى تطوير وتجديد الملاعب، والاهتمام بالملابس والأدوات الرياضية .. وهذا يمثل جانبًا من الاستثمارات. والجانب الآخر يتمثل في القطاع الخاص، الذي يشهد تنوعًا كبيرًا في نوعية وحجم الاستثمارات.
اقرأ أيضا: بيع عضويات الأندية .. تربح أم استثمار مشروع؟
على سبيل المثال، منذ صدور القانون رقم 71 لسنة 2017 المنظم للاستثمار في المجال الرياضي، بدأ حينها عدد محدود من الشركات (حوالي 5 أو 6 شركات ) الحصول على التراخيص في أول عام. واليوم، في عام 2025، وصل عدد الشركات المرخصة إلى نحو 600 شركة.
هذه الشركات تختلف من حيث حجم رأس المال ونوعية الأنشطة. فهناك حوالي 30 شركة كبيرة متخصصة في إنشاء وإدارة الأندية الرياضية، وهو ما يمثل استثمارًا ضخمًا. أما بقية الشركات فتعمل في مجالات مثل الأكاديميات الرياضية، والتسويق، والإدارة، وهي عادةً ما تكون برؤوس أموال أصغر، لكنها تظل جزءًا مهمًا من منظومة الاستثمار الرياضي في مصر. هذه المؤشرات تعطي صورة تقريبية عن حجم الاستثمارات في القطاع، حتى في ظل غياب البيانات الرسمية الدقيقة.
لماذا لا ينعكس حجم الاستثمارات الكبيرة التي تم ضخها في الأندية على الواقع الفعلي؟ وهل يعود ذلك إلى خلل في إدارة الأصول الرياضية؟ أم أن المشكلة تتعلق بغياب نموذج اقتصادي واضح لإدارة الأندية؟
تنقسم الأندية في مصر إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
الأندية الجماهيرية ومنها الأهلي والزمالك والإسماعيلي. وأندية الشركات التي أُنشئت لخدمة موظفي المؤسسات الكبرى مثل نادي المقاولون العرب والترسانة، ثم بدأت في استقبال أعضاء من خارج المؤسسة.
أما النوع الثالث، فهو الأندية الخاصة، والتي لم تظهر بشكل رسمي إلا بعد صدور قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017، الذي نظّم الاستثمار في هذا القطاع.
قبل هذا القانون، لم يكن هناك إطار قانوني يسمح بظهور الأندية الخاصة، لكن بعده بدأت تظهر كيانات استثمارية جديدة مثل “وادي دجلة”، و”سيتي كلوب”، و”زد”، التي قدمت نموذجًا مختلفًا يعتمد على الإدارة كشركات مساهمة بهدف تحقيق الربح، مع تقديم خدمات رياضية متطورة. في المقابل، تظل الأندية الجماهيرية والمشهرة غير هادفة للربح، وتركز على تقديم خدمات رياضية وثقافية واجتماعية متكاملة.
لهذا السبب، لا يمكن تطبيق نموذج اقتصادي واحد على جميع الأندية في مصر، نظرًا لاختلاف أهدافها وطبيعة إدارتها.
ومع ذلك، بدأت الأندية الخاصة في بلورة نموذج اقتصادي خاص بها يعتمد على الاستدامة وتوسيع قاعدة الأعضاء وتقديم خدمات متنوعة تلبي تطلعات الجمهور، وهو ما يشير إلى تحوّل واضح نحو تطوير قطاع الأندية في مصر بشكل أكثر تنظيمًا وفعالية.
هل توجد مشاكل في البنية التشريعية والقانونية؟ وما مقترحاتك لحلها؟
عالج القانون معظم المشاكل الموجودة بالفعل، ولكن توجد بعض التحديات، أبرزها أن القانون يسمح فقط بإنشاء الأندية من خلال الشركات المساهمة. ويمكن توسيع هذا الأمر وفتح المجال لأنواع أخرى من الشركات، خصوصًا شركات الأفراد أو الشركات ذات المسؤولية المحدودة، مما يسهم في توفير فرص أكثر لمختلف أنواع المشروعات، وخاصة المشاريع الصغيرة أو الشركات المحدودة التي يمكن للشباب العمل فيها.
هذا جانب من الموضوع .. أما الجانب الآخر فيتعلق بمشاكل التحكيم، وهو موضوع يمكن العمل عليه وتطويره في المقترحات المستقبلية. بناءً على ذلك، أعتقد أنه لا توجد مشاكل حقيقية في البنية التشريعية والقانونية في الوقت الحالي.
ما أبرز التحديات التي تواجه من يسعى لتحويل النادي إلى كيان ربحي متكامل، وليس مجرد نشاط رياضي؟
التحدي الرئيسي الذي يواجه تحويل الأندية إلى كيانات ربحية، ونحن هنا نتحدث عن الأندية العامة وأندية الشركات، يتمثل في توصيف الملكية. فهناك ملكية للدولة في أراضي تلك الأندية، وملكية أخرى للأعضاء الذين أسهموا في إنشاء وتطوير النادي.
ولكن يمكن، من خلال القانون الحالي للرياضة، تحويل أنشطة هذه الأندية (مثل الألعاب الرياضية) إلى كيانات ربحية، من خلال تأسيس شركات مساهمة لإدارة تلك الأنشطة.
أما بالنسبة للأندية الخاصة، فهي في الأساس كيانات ربحية منذ البداية، وبالتالي لا تواجه هذا النوع من التعقيدات.
ما الذي يجب على الدولة والأندية والقطاع الخاص تنفيذه، لتفعيل العائد على الاستثمارات في الأندية؟
الأندية الخاصة تلعب دورًا مجتمعيًا مهمًا في تنشئة الأطفال والشباب، تمامًا كما تفعل المدارس والجامعات، لكنها لا تحصل على نفس التسهيلات التي تقدمها الدولة للقطاع التعليمي، خاصة فيما يتعلق بتوفير الأراضي.
وتوفير حوافز مشابهة لما يُمنح للمدارس والمستشفيات سيشجع المستثمرين على تطوير هذا القطاع الحيوي. كما أن الأندية تسهم في خلق فرص عمل وتحريك قطاعات اقتصادية متعددة، مما يجعل الاستثمار فيها ليس فقط رياضيًا، بل اقتصاديًا واجتماعيًا يحقق عوائد واسعة ويدعم التنمية.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك مزايا استثمارية أخرى مثل دعم الأبطال الرياضيين، وتقديم إعفاءات ضريبية، وغير ذلك من الحوافز التي تشجع القطاع الخاص على الدخول في هذا المجال.
نحن بحاجة فعلية لعدد أكبر من الأندية. بلد مثل مصر، يقترب عدد سكانه من 110 ملايين نسمة، يُشكل الأطفال والشباب أكثر من 60% منهم، لا يمكن أن يظل بعدد أندية لا يتجاوز 1100 فقط. هذا العدد لا يتناسب إطلاقًا مع حجم السكان واحتياجاتهم، خاصة في ظل غياب مساحات عامة كافية لممارسة الرياضة. وبالتالي، يصبح النادي هو المنفذ الوحيد أمام جميع الفئات العمرية لممارسة الأنشطة الرياضية، إلى جانب مراكز الشباب.
ما حجم الدعم الذي قدمته أندية وادي دجلة للاعبيها العام الماضي؟
قدمت أندية وادي دجلة دعمًا ماديًا إضافيًا ومعنويًا بقيمة بلغت نحو 300 مليون جنيه خلال 2024.
ما خطة شركة وادى دجلة للتوسع الجغرافي في قطاع الأندية الرياضية؟
تعتزم الشركة إنشاء 3 أندية جديدة في أبيس بالإسكندرية، وطنطا، ومدينة الشروق بالقاهرة، بهدف تقليل الكثافة العددية داخل الفروع الحالية وتحقيق خطة الانتشار في مختلف محافظات الجمهورية.
وتمتلك الشركة حاليًا 10 أفرع فى القاهرة الكبرى والإسكندرية ودمياط. أما التوسعات فتستهدف تقليل عدد الأعضاء بالفروع الحالية للحفاظ على تقديم أفضل خدمات رياضية وثقافية وترفيهية واجتماعية للأعضاء، وتحقيق خطة الشركة بالانتشار في كل محافظات الجمهورية.
ما استراتيجية الشركة خلال الفترة المقبلة؟
الاستراتيجية تتمثل فى التوسع والوصول إلى كل محافظات مصر ومن ضمنها الصعيد. وتم إنشاء نادي بمحافظة أسيوط، ومؤخرا هذا العام نادي المنيا الجديدة، وزيادة قيمة وعدد الاشتراكات الجديدة، للحفاظ على جودة الخدمات المقدمة للأعضاء.
ويقدم نادي وادى دجلة 20 لعبة فردية وجماعية تناسب مختلف الشرائح العمرية. كما تحرص الشركة على متابعة الألعاب الجديدة التي يقبل الشباب على ممارستها لزيادة قاعدة ممارسي الرياضة، وبالفعل تم إدخال لعبة البادل، وقبلها كانت كرة السرعة، ويرتبط إدخال هذه الألعاب بمدى توافر مساحات مكانية والوقت المناسب لإدخال لعبة جديدة.
هل تحقق الشركة أرباحًا من نشاط بيع وإعارة اللاعبين مقابل شراء آخرين؟
لا يمكن الجزم بأن الشركة تحقق صافي أرباح من هذا النشاط.. فالشركة تقوم ببيع وإعارة عدد من اللاعبين لأندية أخرى، وتشتري في المقابل لاعبين جدد في حدود الموازنة المتاحة، وتُعد مصروفات كرة القدم مرتفعة للغاية، خاصة في ظل توقف بعض مصادر الدخل مثل عوائد البث وتذاكر المباريات.