نداء للمسؤولين.. حماية الأطفال في المدارس مسؤولية لا تتحمل التأجيل

شبكة تواصل الإخبارية تقدم لكم خبر
أحيانا لاندرك حجم المأساة إلا عندما نراها مجسدة أمامنا بوضوح، وهذا ما حدث مع مسلسل “لام شمسية” عندما سلط الضوء على موضوع التحرش بالأطفال أو ما يسمى بـ”البيدوفيليا”، الظاهرة التي لم تعد مجرد حوادث فردية صادمة، فالمسلسل جعل المشاهدين يشعرون بالرعب من واقع لم يعودوا قادرين على تجاهله، وقدم الموضوع بصورة مكبرة كأننا نراها على شاشة عملاقة، ولم يعد بإمكاننا الهروب من حقيقة أن متحرشا واحدا قد يدمر حياة العديد من الأطفال وينشر دائرة الفساد داخل المجتمع بأكمله.
لم يكتف المسلسل بعرض الأثر النفسي المدمر على الضحايا، بل أظهر كيف أن غياب الرقابة والتوعية يجعل الأطفال فريسة سهلة، هذه المعالجة الفنية أحدثت صدمة قوية، دفعت الكثيرين لإعادة التفكير في سبل الحماية، ليس فقط على المستوى الفردي، بل من خلال المطالبة بإجراءات رسمية أكثر صرامة.
إن أولى الخطوات الضرورية لمكافحة هذه الآفة تقع على عاتق وزارة التربية والتعليم، فهي مسؤولة مسؤولية كاملة عن وضع آليات ومبادرات وحملات تثقيفية وتفتيشية شاملة تغطي جميع المدارس بدون استثناء، بحيث لا يقتصر الاهتمام على حماية الأطفال فحسب، بل يمتد ليشمل المدرسين والمشرفين وكافة العاملين في المؤسسات التعليمية،إذ أن توفير برامج توعوية للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور حول التحرش وأساليب التصدي له من شأنه أن يسهم في خلق بيئة مدرسية آمنة ومحصنة ضد هذه الجرائم.
يجب أيضا على الوزارة أن تفرض تعيين أطباء نفسيين متخصصين في كل المدارس وليس مجرد أخصائيين نفسيين، فالأطباء النفسيون قادرون على تقديم التشخيص الدقيق للحالات النفسية للأطفال، وإجراء كشوفات دورية لضمان سلامتهم النفسية، وإعداد تقارير دورية حول حالتهم بما يتيح التدخل المبكر عند الحاجة، فالاهتمام بالصحة النفسية للطلاب لا يقل أهمية عن الاهتمام بصحتهم الجسدية، فالتجاهل أو الإهمال قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وإلحاق الضرر بالأجيال القادمة.
أما فيما يخص الجانب الرقابي، فإن إلزام جميع المدارس بوضع كاميرات مراقبة في كافة أرجاء المدرسة بما في ذلك الفصول الدراسية، يمثل خطوة بالغة الأهمية في الحد من حالات التحرش والانتهاكات الأخرى، فوجود هذه الكاميرات لا يهدف إلى انتهاك خصوصية الطلاب، بل يسهم في حماية حقوقهم ويشكل رادعا قويا لأي شخص قد تسول له نفسه استغلال الأطفال داخل المؤسسات التعليمية.
ومن ناحية أخرى، فإن إجراء كشف نفسي دقيق للمعلمين قبل تعيينهم أصبح أمرا لا يقبل التأجيل، فمن الضروري التأكد من أهلية المعلمين نفسيا وتربويا لممارسة هذه المهنة النبيلة التي تقوم على غرس القيم والمبادئ السليمة في نفوس الأجيال الصاعدة، كما أن الرقابة المستمرة على سلوك المعلمين وتقييم أدائهم النفسي والتربوي يمكن أن يمنع وقوع العديد من الانتهاكات التي قد يتعرض لها الطلاب.
أما على الصعيد القانوني، فإننا نطالب بمراجعة القوانين المتعلقة بجرائم التحرش بالأطفال وتشديد العقوبات على مرتكبيها، لا بد أن تكون العقوبات صارمة ورادعة إلى أقصى حد، بحيث لا تقتصر على الحبس فقط، بل تشمل إجراءات تمنع المتحرشين من العودة إلى أي وظيفة قد تتيح لهم التعامل مع الأطفال مستقبلا، إن التساهل في هذه الجرائم لا يؤثر على ضحية واحدة فقط، بل يمتد أثره إلى أجيال بأكملها.
إن حماية الأطفال ليست مسؤولية فردية بل هي مسؤولية مجتمعية ووطنية تتطلب تعاونا وتكاتفا من جميع الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، لذا، نرجو من معالي وزير التربية والتعليم اتخاذ التدابير اللازمة لوضع هذه التوصيات موضع التنفيذ الفوري، فالأطفال هم أمانة في أعناقنا جميعا، وضمان سلامتهم النفسية والجسدية هو الضمان الحقيقي لمستقبل أفضل لمجتمعنا.