تحول الدعم الاجتماعي في المغرب إلى الرقمية.. إصلاح طموح يحتاج إلى «تطوير»

تحول الدعم الاجتماعي في المغرب إلى الرقمية.. إصلاح طموح يحتاج إلى «تطوير»

أقل من 3 سنوات مضت على ميلاد السجل الاجتماعي الموحد في المغرب، للقضاء على عشوائية الاستفادة من الدعم، وتوحيد وتعظيم نتائج البرامج الاجتماعية والوصول للمستحقين، إلا أن الخطوة لم تخل من ملاحظات محلية ودولية.

تلك الملاحظات التي تجمع بين أهمية توسيع الشرائح ورفع الحد الأدني للمستحقين والبعد عن خطط التقشف وإصلاح التعثر التقني المتكرر، يراها خبراء اقتصاد ورقمنة بالمغرب تحدثوا لـ«إرم بزنس»، نابعة من تقييمات متواصلة للمشروع الوليد، مؤكدين أن بدايات أي مشروع قد تتعرض لضغوط التقييمات باستمرار ولكن مع الاستجابة الرسمية للتحديث والتوسيع والتدقيق سيكون الأمر ناجحا، مستبعدين أن تكون هناك سياسات تقشف خصوصاً أن تلك الفكرة انطلقت بإرادة ملكية ويتنامى دعمها المباشر وكذلك عدد المستحقين.

مردودية البرامج الاجتماعية

انطلق عمل السجل المدني الموحد، في 17 نوفمبر 2022، وتعود فكرة هذه المنظومة المرقمنة إلى 2018، حين دعا الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش إلى إحداث السجل الاجتماعي الموحد لتحسين مردودية البرامج الاجتماعية، التي يتجاوز عددها حالياً 120 برنامجاً، تتداخل في تدبيرها قطاعات حكومية عديدة، بحسب معلومات نقلها إعلام محلي.

والسجل الاجتماعي الموحد بحسب موقع الحكومة المغربية، نظام معلوماتي وطني لتسجيل واستهداف الأسر الراغبة في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، حيث يتم احتساب مؤشر اجتماعي اقتصادي (يعرف باسم 9.74 ويخضع لعوامل حسابية حكومية لمعلومات المستهدف) لكل أسرة مسجلة حسب وضعها الاجتماعي والاقتصادي (مكان السكن وعدد الأولاد والأملاك والمستوى الدراسي) وتستخدم برامج الدعم الاجتماعي هذا المؤشر لتحديد أهلية الأسر للاستفادة مع الأخذ بعين الاعتبار الشروط الخاصة بكل برنامج على حدة.

كما تكون الخطوة الأولى لهذه المنظومة هي تسجيل أفراد الأسرة في السجل الوطني للسكان، والحصول على رقم مُعرف لكل شخص، ثم تسجيل الأسرة في السجل الاجتماعي الموحد، وفي ما بعد تسجيل الأسر في برامج الدعم الاجتماعي من دون الحاجة إلى تقديم وثائق إثبات الهوية أو الوضع الاجتماعي بفضل المُعرف المدني والاجتماعي الرقمي الذي يسمح بتأكيد الهوية وإثبات أهلية الاستفادة، وفق ما نقلته صحيفة «هسبريس» المغربية.

دواعي توقيف الدعم للبعض

النائب البرلماني حسن أومريبط، وجه في أبريل 2024، سؤالاً كتابياً إلى الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، بخصوص دواعي توقيف الدعم المباشر عن بعض الأسر المسجلين بالسجل، بعد شكوى أسر من توقيف الدعم الاجتماعي عنها عقب استفادتها منه خلال الثلاثة أشهر الماضية بحجة أن مؤشرهم الحالي تجاوز عتبة 9.74 ، وهو ما لا يسمح لهم بتلقي الدعم الذي يبلغ الحد الأدنى منه 500 درهم شهرياً، (54.29 دولار) ويمكن أن يصل إلى أكثر من 1000 درهم شهرياً حسب تركيبة كل أسرة وعدد أطفالها، وفق تقارير محلية.

بلغة الأرقام، كشفت وزارة الاقتصاد والمالية المغربية، في تقرير نهاية أكتوبر الماضي أن حصيلة التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد، إلى نهاية شهر سبتمبر 2024، بلغت أزيد من 5.2 مليون أسرة أي ما يعادل 18.9 مليون شخص على الصعيد الوطني، فيما يبلغ عدد سكان المغرب 36.8 مليون نسمة بحسب آخر تقديرات حكومية رسمية في نوفمبر 2024.

وكشفت أرقام التقرير أن الأسر المنحدرة من الوسط القروي تشكل 56% من مجموع الأسر المسجلة، أي ما يفوق 2.9 ملايين أسرة، أو ما يعادل 10.5 مليون شخص، وتشكل الأسر المنحدرة من الوسط الحضري 44.1%؛ ما يناهز 2.3 مليون أسرة، أي نحو 8.4 مليون شخص.

تسريع عمليات التسجيل

شهد عام 2024 وفق التقرير «تسريع عملية تسجيل الفئات المستهدفة في السجل الاجتماعي الموحد، بفضل التدابير التي اتخذتها الحكومة والمتمثلة على الخصوص في تأهيل أكثر من 1630 مركزا للمواطنين، وتسخير ما يقارب 200 وحدة متنقلة لتسجيل المواطنين في المناطق الجبلية صعبة الدخول والتي لا تتوفر على خدمات الإنترنت، بالموازاة مع تنظيم حملات توعوية للأسر حول أهمية التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد».

ووصلت قيمة التمويلات المخصصة لدعم برامج الحماية الاجتماعية في المغرب إلى مستويات جديدة، حيث تمّ صرف ما يقارب 28 مليار درهم (نحو 3 مليارات دولار) خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، وفق ما نقله إعلام محلي، في أكتوبر 2024.

تقييمات دولية ومحلية

حث صندوق النقد الدولي، في 12 فبراير الماضي، المغرب على توسيع استخدام السجل الاجتماعي الموحد، ليشمل جميع البرامج الاجتماعية، وذلك في بيان عقب زيارة وفد في إطار مشاورات المادة الرابعة (الاستشارية) لسنة 2025.

كما سجل المعهد المغربي لتحليل السياسات في 12 مارس الماضي أيضاً ملاحظات منها أن منهجية الاستهداف لا تعبر بدقة عن الوضع المعيشي للأسر خاصة وأن بعض الممتلكات باتت متاحة للجميع ولم تعد تعكس مستوى الرفاهية أو الفقر الفعلي، في إشارة إلى منع بعض الأسر من الحصول على الدعم بسبب فاتورة كهرباء مرتفعة وغيرها من الأمور.

وحذر من «تحول السجل الاجتماعي من أداة لضمان فعالة للبرامج الاجتماعية إلى آلية ناعمة لإرساء نموذج الحد الأدنى من الرعاية الاجتماعية بسبب القيود القانونية والمنهجية المتبعة واستغلال آلية العتبة لتضييق دائرة المستفدين».

كذلك أشارت إلى ذلك دراسة حديثة نشرتها مؤسسة «كارنيغي» الأميركية أواخر مايو الماضي، بأن «عناصر غير مُنتِجة تفضي بكيفية أوتوماتيكية إلى استبعاد عشرات الآلاف من الأسر من التحويلات المستهدفة كالتوفر على أراض زراعية غير مُستغَلَّة، أو الحصول على أجهزة بسيطة كامتلاك دراجة نارية، أو امتهان حرفة بسيطة بالكاد تسد لقمة عيش الأسرة. ناهيك عن التَّبسيط المُبالغ فيه للوضع المعيشي للناس، وهكذا فشحن الهاتف برصيد لا يتجاوز دولارين أو تجاوز الفاتورة الشهرية للكهرباء لـ 10 دولارات قد يجعل الأسرة محرومة من الدعم الاجتماعي المباشر بسبب تجاوز عتبة المؤشر الاجتماعي».

ضعف الإنترنت بالمناطق النائية

عتبة المؤشر وحدها ليست الإشكالية، فوفقاً للدراسة، «تكتنف الرقمنة على إشكالات عديدة على رأسها ضعف الإنترنت بالمناطق النائية يُقلِّص من حظوظ دخول قطاعات واسعة من السكان إلى الخدمات الاجتماعية المرقمنة، والمعيقات التقنية أمام عجز الفئات الأشد فقرا عن الوصول إلى منصات برامج الحماية والمساعدة بسبب محدودية تملّك أدوات ومهارات استخدام الحلول الإلكترونية».

وأكدت الدراسة أن «انتقال المغرب إلى نظام استهداف اجتماعي رقمي يُسهم في تحسين الكفاءة والتنسيق في البرامج الاجتماعية بات ينطوي على مخاطر الإقصاء ويُعزّز السياسات التقشفية في تقليص الميزانيات الاجتماعية، وفي تضييق القاعدة المستفيدة من شبكات الأمان الاجتماعي».

بحسب بيانات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بشأن التضخم بالمغرب في مايو الماضي، فإن «الارتفاع في التضخم خلال شهر أبريل نتج عن زيادة أسعار المواد الغذائية والمواد غير الغذائية 0.7%».

تحديث متوقع

رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، الخبير الاقتصادي المغربي رشيد الساري، قال لـ«إرم بزنس»، إن مشروع رقمنة السجل الوطني لا يزال في بداياته وتطاله ملاحظات باعتبارات إشكالية عتبة المؤشر وهل وصل الشخص لنقطة الاستفادة أم لا، وهذه إشكالية وهناك مراجعة مستمرة للمنظومة التقنية.

وأكد أنه بطبيعة الحال لمشروع في بداية عمله تكون عليه ملاحظات لكن سيتم تلافيها بشكل أفضل مستقبلا، خاصة والسجل حسم جدلا سابقا هل هذا يستحق أم لا وهو في مرحلة تجميع التقييمات من أجل التحسن والتطوير.

وشدد على أن اليوم لا يمكن أن نصدر حكماً نهائياً على سجل اجتماعي واعد بسبب مشكلات ونواقص جار حلها، معتقداً أن جميع الملاحظات مع الوقت ستتلافى خاصة وهناك إرادة قوية للتحسين والتطوير خاصة وهو مشروع ملكي مدعو من الملك محمد السادس وسيكتب له النجاح.

ليس آلية للتقشف

ويتفق معه أستاذ قانون الأعمال والاقتصاد في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والمستشار الوزاري المغربي السابق، بدر الزاهر الأزرق، في حديث لـ«إرم بزنس»، قائلاً إن رقمنة السجل الاجتماعي باتت مسألة حتمية يجب دعمها والبناء عليها وبطبيعة الحال في مرحلة البدايات تكون هناك مآخذ خاصة في الجوانب التقنية والخوارزميات.

ويتوقع أن تكون هناك تحديثات لوضع نظم تقليص تلك المخاطر، وخطط بديلة خاصة، مشيراً إلى أن هذا السجل استطاع أن يتجاوز في نجاحه نسب 80 و90% وذلك في منع كل من لا يستحق الاستهداف حيث كانوا يمنحون أموالاً بشكل غير قانوني أرهق الميزانية، وسيتلاشى ذلك مع السجل الذي يسعى لدعم المستحقين، وسيتجاوب مع كل الملاحظات.

وأكد أن تلك التجربة ليست آلية للتقشف خاصة وأن الدعم المباشر يزداد ويصرف بشكل أكبر وبات الاستهداف للفقراء حقيقيا ولا يستغل، متوقعاً أن يتم العمل على إجراء إصلاحات تقنية أو تجنب الملاحظات الواردة، ويكون مع العام المقبل رؤية لدعم مناطق القوة في السجل الاجتماعي المتوحد، وتفاعل مع التقييمات لإصلاح وتحديث؛ مما يكتب بالنهاية النجاح لذلك المشروع المهم للفقراء بالمغرب.