هل تتلاشى الطبقة الوسطى في آسيا نتيجة لتقلبات التجارة العالمية؟

هل تتلاشى الطبقة الوسطى في آسيا نتيجة لتقلبات التجارة العالمية؟

شهدت العقود الماضية طفرة اقتصادية غير مسبوقة في العديد من الدول النامية، فقد أدت التجارة العالمية دوراً محورياً في رفع مستويات المعيشة وخلق طبقة وسطى جديدة قادرة على المنافسة عالمياً.

إلا أن هذا الزخم بدأ يتراجع وسط تصاعد حواجز تجارية وعوامل تهدد إعادة رسم خريطة النمو الاقتصادي، وفقاً لتقرير صحيفة «وول ستريت جورنال».

في ظل هذه التحديات، باتت الطبقة الوسطى في دول مثل إندونيسيا مهددة بشكل واضح، مع تراجع أعدادها وضعف قدرتها على المحافظة على مستويات الدخل التي تحققت سابقاً، ما يثير قلقاً متزايداً بشأن استقرار النمو الاقتصادي وفرص تحسين المعيشة في المستقبل.

توقف التحول الاقتصادي

شهدت مدن إندونيسية صغيرة نهضة صناعية في التسعينيات، خصوصاً في قطاع النسيج، فقد تحولت حياة السكان من فلاحين إلى عمال يجنون دخلاً معقولاً.

لكن بحلول عام 2022، بدأت المصانع تغلق أبوابها بسبب المنافسة الشرسة من الصين، وكذلك فرض الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين تعريفات جمركية مرتفعة، ما أدى إلى تدفق منتجات صينية رخيصة إلى السوق الإندونيسية وزيادة الضغوط على المنتجين المحليين.

أحد العمال السابقين في مصنع نسيج وصف حالته بالضياع بعد فقدان وظيفته وصعوبة تغطية مصاريف تعليم أبنائه.

عودة الحواجز التجارية

كما أدت النزاعات التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فرض تعريفات جمركية صارمة على واردات الدول النامية.

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية تجارية حديثة مع إندونيسيا فرضت رسوماً تصل إلى 19% على الصادرات الإندونيسية إلى الولايات المتحدة، وترتفع إلى 40% للسلع ذات المحتوى الأجنبي الضخم، لاسيما الصينية.

في المقابل، ارتفعت الصادرات الصينية إلى إندونيسيا بنسبة 34%، ما زاد من أزمة المنتجين المحليين، ولا تزال المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين مستمرة وسط لقاءات في السويد.

توقف نمو الطبقة الوسطى

كانت إندونيسيا ودول ناشئة أخرى توصف في التسعينيات بـ«المعجزات الاقتصادية»، لكنها شهدت تباطؤاً حاداً في نمو الطبقة الوسطى منذ 2019.

وفقاً لبنك «جيفريز» والبنك الدولي، انخفض متوسط دخل الطبقة الوسطى في تلك الدول إلى 8% من متوسط دخل الولايات المتحدة في 2022 مقابل 9% في 2014.

وفي إندونيسيا وحدها، انخفض عدد أفراد الطبقة الوسطى بمقدار 9.5 مليون خلال خمس سنوات، وتدهورت قيمة العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها خلال 20 عاماً.

صعوبات التصنيع وصعود الصين

تواجه صناعة النسيج الإندونيسية  منافسة ضارية من الصين التي استثمرت بكثافة في الأتمتة والتكنولوجيا الحديثة، ما أدى إلى إغلاق العديد من المصانع المحلية التي استمرت لعقود.

ورغم الجهود للاستثمار في التصنيع المتقدم، لم تستطع إندونيسيا تعويض التراجع، لا سيما مع الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا بدل اليد العاملة الرخيصة، ما يضع الدول النامية في موقف اقتصادي صعب.

فرص الصناعة الجديدة وتحدياتها

تحاول إندونيسيا التحول إلى مركز لصناعة السيارات الكهربائية وبطاريات الطاقة، مستغلة مواردها المعدنية الوفيرة.

إلا أن المنافسة الشديدة مع الشركات الصينية العملاقة، بالإضافة إلى التعريفات الجمركية في الأسواق الرئيسية، تعيق تحقيق قفزات نوعية.

وانسحاب شركات كبرى مثل «إل جي» الكورية من مشاريع ضخمة يعكس تلك الصعوبات، بينما لا تزال استثمارات ضخمة معلقة، بينها مشروع مشترك مع «فوكسكون» التايوانية.

آمال الاقتصاد الرقمي

شهدت إندونيسيا توسعاً ملحوظاً في شركات التكنولوجيا الناشئة، مع وجود عدد من شركات «يونيكورن» بقيمة مليار دولار.

إلا أن «شتاء التكنولوجيا» في 2022 أدى إلى تقليص الاستثمارات وتراجع قيمة معظم تلك الشركات.

كما تواجه الشركات التقنية صعوبات في تحقيق الربحية خارج المدن الكبرى بسبب ضعف القوة الشرائية للطبقة الوسطى.

المستقبل المجهول

تظل آفاق النمو الاقتصادي في الدول النامية، وإندونيسيا خصوصاً، غير مؤكدة.

رغم نمو اقتصادي نسبته 4.2% في العقد الماضي مقابل 2.5% في الولايات المتحدة، فإن النمو السكاني السريع يفرض تحديات كبيرة على توفير وظائف ذات أجور جيدة. 
ويقدر البنك الدولي أن الوصول إلى ربع متوسط دخل الأميركيين قد يستغرق نحو 70 عاماً.

بدورهم، يحذر خبراء الاقتصاد من أن تعثر النمو قد يؤدي إلى زيادة الهجرة والاضطرابات السياسية، ويقلص فرص الشركات العالمية التي كانت تعتمد على ملايين المستهلكين الجدد.

وفي مقابلة العام الماضي، قال كبير اقتصاديي البنك الدولي: «كنت أتخيل حقبة جديدة من النمو للدول النامية، لكن بسبب تشديد السياسات التجارية وعوامل أخرى، احتمال حدوث ذلك منخفض جداً».