مرحلة مختلفة من الاستثمار المباشر في الخليج مع تفوق الصفقات الكبيرة

يشهد نشاط الاستثمار المباشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحوّلاً لافتاً، مع تراجع حاد في عدد الصفقات يقابله ارتفاع ملحوظ في قيمة الصفقات الكبرى، في مؤشر على نضوج بيئة الاستثمار وزيادة اهتمام المستثمرين العالميين، ولا سيما في منطقة الخليج.
وبحسب بيانات لشركة «ماغنيت» (Magnitt) للأبحاث، نقلها موقع AGBI، تم تسجيل 29 صفقة في قطاع الاستثمار المباشر في المنطقة خلال النصف الأول من عام 2025، بانخفاض نسبته 38% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ومع ذلك، لم تتراجع القيمة الإجمالية للصفقات المُعلنة سوى 11% لتبلغ 2.88 مليار دولار، ما يعكس توجهاً نحو صفقات أقل عدداً ولكن أكبر حجماً وأكثر استراتيجية.
وشكّلت الصفقات التي تتراوح قيمتها بين 500 مليون ومليار دولار نحو 29% من النشاط، في حين مثلت الصفقات التي تجاوزت قيمتها مليار دولار 14% من إجمالي عدد الصفقات. وبلغت حصة هذه الصفقات الضخمة مجتمعة 78% من إجمالي القيمة المُعلنة، في أعلى مستوى لها منذ خمس سنوات للصفقات التي تتجاوز 500 مليون دولار.
أفادت فرح النحلاوي، قائدة فريق الأبحاث في «ماغنيت» بأن «تنامي هيمنة الصفقات التي تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار يدل على نضوج السوق وقدرتها على استيعاب رؤوس أموال أكبر».
ويظهر هذا النضوج في بنية الصفقات وسلوك المستثمرين على حد سواء. ففي مطلع يوليو، جمعت شركة «بلو فايف كابيتال» (BlueFive Capital) في أبوظبي، التي أسسها الرئيس التنفيذي السابق لشركة «إنفستكورب» (Investcorp) حازم بن قاسم، صندوقاً جديداً بقيمة ملياري دولار يستهدف الشركات سريعة النمو والتكتلات في دول مجلس التعاون الخليجي.
وتشير بيانات «برايس ووتر هاوس كوبرز» (PwC) إلى أن شهية المستثمرين في المنطقة لا تزال قويّة، إذ يخطط 80% منهم لزيادة مخصصاتهم في الاستثمار المباشر خلال العام المقبل، فيما خصص نحو نصفهم بالفعل أكثر من 20% من أصولهم تحت الإدارة لهذه الفئة من الاستثمارات.
وقالت الشریك في قسم خدمات الصفقات وقائدة قسم الأسواق الاستھلاكیة في «برايس ووتر هاوس كوبرز» الشرق الأوسط، نورما تقي: «تقود دول الخليج اعتماد هياكل تمويل مبتكرة مثل حصص الشريك العام والرسوم المخصصة، ما يعكس تطوراً في السوق يُضاهي العديد من الاقتصادات المتقدمة». وأضافت: «المنطقة تتحول بوضوح إلى مركز للصفقات عالية القيمة».
واحتفظت السعودية بصدارتها كأكثر أسواق الاستثمار المباشر نشاطاً في المنطقة من حيث عدد الصفقات خلال النصف الأول، بعد تسجيلها 13 صفقة بزيادة 8% عن العام الماضي، لتستحوذ على 45% من نشاط المنطقة. وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية بـ12 صفقة، لكنها تصدّرت من حيث إجمالي القيمة.
ويختلف نمط المشاركة الاستثمارية بين أكبر اقتصادين في الخليج بشكل ملحوظ؛ ففي السعودية، شارك المستثمرون المحليون في 92% من صفقات الاستثمار المباشر. أما في الإمارات، فقد قاد المستثمرون الأجانب ثلثي الصفقات، ما يعكس تنامي جاذبيتها لرؤوس الأموال الدولية.
ولا تزال صناديق الثروة السيادية في الخليج تشكل قوة دافعة في قطاع الاستثمار المباشر، إلا أن محدودية الفرص المتاحة في المنظومة المحلية الناشئة تدفعها للتوجه نحو أسواق خارجية.
وأكد المستشار الأول للأسواق الخاصة في الشرق الأوسط وإفريقيا لدى بنك «يونيون بانكير بريفي» (Union Bancaire Privée)، بلال بلعيد، أنه «مع توفر رؤوس أموال ضخمة، تجد صناديق الثروة السيادية في الخليج نفسها مضطرة للبحث عن فرص استثمارية خارج المنطقة ضمن هذه الفئة من الأصول».
ومع ذلك، فإن برامج التنويع الاقتصادي والإصلاحات التنظيمية المتواصلة تعزز جاذبية المنطقة للمستثمرين العالميين.
وأضاف بلعيد: «بعد أن كانت تُرى من منظور الثروة النفطية وهيمنة القطاع العام، بدأت دول الخليج تبرز كمركز ديناميكي وتنافسي لرؤوس الأموال الخاصة العالمية».
ويظهر هذا التحول بشكل متزايد على أرض الواقع، حيث افتتحت شركات استثمارية عالمية مثل «بلاكستون» (Blackstone) و«إي كيو تي» (EQT) و«سي في سي كابيتال بارتنرز» (CVC Capital Partners) مكاتب لها في أبوظبي ودبي، في تحول عن نموذج «الحضور المؤقت» الذي كان سائداً في السابق.
وأشار رئيس قسم إدارة الاستثمارات والصناديق في شركة «أدلشاو غودارد» (Addleshaw Goddard)، فيليب داوسيت، إلى أنه خلال السنوات الخمس الماضية حدث تغير حقيقي، مع تزايد الإحساس بأن الشرق الأوسط لم يعد مجرد محطة لجمع الأموال، بل أصبح مكاناً مناسباً لبناء الأعمال وتشغيلها.