المتوسط يتقدم نحو الإسكندرية ويشكل خطرًا على مبانيها

من شرفتها المطلة على البحر المتوسط في الطابق التاسع، تنظر إيمان مبروك، بأسى إلى ما تبقى من الشاطئ الذي كان في طفولتها، ملعباً رملياً واسعاً.
ومع تغيرات المناخ، بات البحر اليوم أقرب، والشاطئ أضيق، والمباني المجاورة متصدعة ومائلة، وسط تحذيرات من أن الإسكندرية، ثاني أكبر مدن مصر، تواجه خطراً وجودياً يتسلل بهدوء إلى أساساتها.
تآكل الشواطئ
فبحسب تقرير لوكالة «رويترز»، تشهد المدينة تسارعاً في معدلات تآكل سواحلها، وارتفاعاً في منسوب البحر، وتسرباً للمياه المالحة عبر التربة الرملية، مما يؤدي إلى زعزعة أساسات المباني، وارتفاع وتيرة الانهيارات.
تشير دراسة علمية نُشرت في دورية «Earth’s Future» إلى أن معدل تآكل الشاطئ في الإسكندرية بلغ 3.5 متر سنوياً خلال العقدين الماضيين، في ظل مزيج من العوامل، أبرزها ارتفاع منسوب المياه، وهبوط الأرض.
ويقول الباحث المصري المشارك في إعداد الدراسة، عصام حجي، إن التغير المناخي يحدث بالفعل الآن، وليس في المستقبل، وهو ما يفسر انهيار عشرات المباني سنوياً في الإسكندرية، مقارنة بمتوسط مبنى واحد فقط قبل 10 سنوات.
وأضاف حجي، أن المدينة الساحلية، بتاريخها العريق الذي واجه غزوات وقصفاً، أصبحت حالياً مهددة من «عدو غير مرئي» يخترق أساساتها من تحت الأرض.
الدراسة صنّفت ساحل الإسكندرية، الممتد لـ70 كيلومتراً، على أنه الأكثر عرضة للخطر في البحر المتوسط، مشيرة إلى أن نحو 2% من مباني المدينة – ما يعادل 7 آلاف عقار – يُحتمل أن تكون غير آمنة.
إجراءات احترازية
الحكومة المصرية، من جهتها، اعترفت بخطورة الوضع، وأطلقت مجموعة من الإجراءات الاحترازية لحماية المدينة، تضمنت إنشاء 9 حواجز أمواج خرسانية، وتجديد الشواطئ المتآكلة عبر ضخ كميات جديدة من الرمال، إلى جانب خطة لهدم 7500 مبنى مهدد، وبناء 55 ألف وحدة سكنية بديلة.
بدوره، صرح رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي خلال زيارته أحد الحواجز البحرية منتصف يوليو الجاري، بأن «لا يكاد يمر يوم دون وقوع انهيار جزئي أو كلي لأحد العقارات القديمة التي صدرت قرارات بإزالتها».
سقوط الترميمات
على الرغم من هذه الجهود، فإن القلق لا يزال يساور كثيراً من السكان، خاصة مع استمرار الشروخ الحديثة في الظهور على جدران المباني، كما يروي أحمد العشري وهو أحد السكان، إذ أشار إلى أن الترميمات تتساقط سريعاً، وأن علامات التآكل لم تعد نتيجة الزمن، بل نتيجة تأثير مباشر ومستمر.
في المقابل، عبّر بعض المواطنين عن ارتياح نسبي للجهود الحكومية الحالية، مثل صاحب أحد المقاهي على الكورنيش، الذي قال إن «الدولة سبقت الخطر، واتخذت إجراءات لحماية الشواطئ والطرق والسكان».
الإسكندرية، التي ارتفع عدد سكانها خلال الـ25 عاماً الماضية ليصل إلى نحو 5.8 مليون نسمة، ما زالت تحتفظ بجاذبيتها رغم كل المخاطر، إذ تواصل أسعار العقارات فيها الارتفاع، بدفع من الطلب المتزايد والعرض المحدود، فيما تبقى المدينة شاهدة على صراع محتدم بين الإنسان والطبيعة، في سباق مع الزمن لحماية إرثها، وتاريخها، وحياتها المعاصرة من الغرق والتآكل.