هل يؤدي التلاعب باستقلال “الفيدرالي” إلى حدوث أزمة مالية عالمية؟

هل يؤدي التلاعب باستقلال “الفيدرالي” إلى حدوث أزمة مالية عالمية؟

جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إثارة الجدل في الأوساط الاقتصادية والمالية، بعدما هدد بإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في خطوة ينظر إليها كثير من الخبراء على أنها تهديد مباشر لاستقلالية البنك المركزي الأميركي، ما قد يكون له تداعيات عالمية.

خلال اجتماع مغلق مع عدد من المشرعين الجمهوريين، لمح ترامب إلى إمكانية عزل جيروم باول من منصبه، مكرراً انتقاداته المستمرة لسياسة الفائدة التي يتبعها «الاحتياطي الفيدرالي»، والتي يعتبرها «مرتفعة أكثر من اللازم».

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقرير لها أن ترامب أبلغ الحاضرين أنه يفكر جدياً في اتخاذ خطوة لإقالة باول، معتبراً أن الإبقاء على معدلات الفائدة الحالية يضر بالنمو ويقوّض سياساته الاقتصادية.

إلا أن ترامب عاد لاحقاً وصرّح بأنه «من غير المرجّح» أن يُقيله، مهدئاً مؤقتاً من قلق الأسواق.

دعائم الاستقرار الاقتصادي

يُعدّ استقلال «الاحتياطي الفيدرالي» عن السلطة التنفيذية إحدى الركائز الأساسية لاستقراره وفعاليته، حيث مكّنه ذلك على مدار تاريخه من اتخاذ قرارات حساسة بعيداً عن الحسابات السياسية قصيرة الأجل.

بدورهم، يشير عدد من الاقتصاديين إلى أن هذا الاستقلال كان حاسماً في مواجهة الأزمات الكبرى، مثل الأزمة المالية العالمية في 2008 وجائحة «كورونا».

آلان بليندر، نائب رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» السابق وأستاذ الاقتصاد في جامعة «برينستون» قال: «السياسيون دائماً ما يرغبون في خفض الفائدة، لكن هذا تحديداً ما يجعل من الضروري أن يكون لدينا بنك مركزي مستقل».

وحذر خبراء من أن تقويض هذا الاستقلال قد يؤدي إلى تآكل ثقة الأسواق بالسياسات النقدية الأميركية، وبالتالي فقدان القدرة على التحرك السريع والفعال خلال الأزمات المستقبلية.

مخاوف من ارتدادات عالمية

يمتد تأثير «الاحتياطي الفيدرالي» إلى ما وراء الحدود الأميركية، حيث يلعب دوراً محورياً في استقرار النظام المالي العالمي، إذ سبق له أن قاد جهود إنقاذ دولية خلال أزمات عدة، بما في ذلك أزمة الديون الروسية عام 1998، وشارك في دعم النظام المالي العالمي عبر ما يُعرف بـ«خطوط المبادلة» التي تتيح للبنوك المركزية الأجنبية الحصول على الدولار عند الحاجة.

من جانبه، حذر جيريمي شتاين، عضو سابق في مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» وأستاذ الاقتصاد في جامعة « هارفارد»، من أن تقويض استقلال البنك قد يؤثر على جودة الكوادر والخبرات فيه بمرور الوقت، ما يضعف قدرته على الاستجابة السريعة في أوقات الشدة.

وقال شتاين: «القيادة والكفاءات المؤسسية أمران حاسمان خلال الأزمات، وفقدان أحدهما قد يؤدي إلى كارثة مالية».

الأسواق تتحسس الخطر

ردّت الأسواق بسرعة على تقارير التهديد بإقالة باول، إذ شهدت سندات الخزانة طويلة الأجل عمليات بيع واسعة، ما أدى إلى ارتفاع عوائدها.

كما تراجع الدولار، وقفزت أسعار الذهب، الذي يُعتبر ملاذاً آمناً في أوقات عدم اليقين.

وبعد نفي ترامب عزمه الفوري إقالة باول، عادت الأسواق إلى بعض الاستقرار، إلا أن القلق لا يزال سائداً.

كذلك قال ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لـ«غولدمان ساكس»: «استقلالية البنوك المركزية، سواء في الولايات المتحدة أو حول العالم، أمر يجب أن نحافظ عليه»، مضيفاً «لقد خدمنا هذا المبدأ بشكل ممتاز».

إلى ذلك أعرب رؤساء تنفيذيون آخرون في مؤسسات مالية كبرى عن قلقهم من أن يؤدي تسييس السياسات النقدية إلى تقلبات غير محسوبة في الأسواق.

صراع السياسات والتضخم

يرى ترامب أن خفض الفائدة بشكل حاد يمكن أن يساعد في تقليص كلفة خدمة الدين الأميركي الضخم، وتحفيز النمو الصناعي، ولاسيما في ظل سياساته التجارية القائمة على الرسوم الجمركية، لكنه يواجه معارضة من خبراء يرون أن الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع قد تؤدي إلى موجات تضخمية خطيرة.

بليندر قال أيضاً: «إذا لم تكن مستعداً لرفع الفائدة لمحاربة التضخم، فالتضخم سيفوز في النهاية».

كما حذر خبراء من أن الفائدة المنخفضة لفترات طويلة قد تؤدي إلى فقاعات في الأسواق المالية، حيث تدفع المستثمرين نحو أصول عالية المخاطر بحثاً عن العوائد.

كما أشار روبرت باربيرا، مدير مركز الاقتصاد المالي في جامعة «جونز هوبكنز»، إلى أن «الاعتماد المفرط على سياسة التيسير النقدي يقلّص من قدرة (الاحتياطي الفيدرالي) على التدخل عندما تنفجر الفقاعة».

وتتحكم توقعات الأسواق بشأن سياسات «الاحتياطي الفيدرالي» المستقبلية في معدلات الفائدة طويلة الأجل، مثل الرهون العقارية والقروض التجارية، وليس فقط الفائدة القصيرة التي يحددها البنك.

تجدر الإشارة إلى أنه في حال فقد المستثمرون الثقة في استقلالية القرار النقدي، فقد ترتفع معدلات الفائدة على المدى البعيد، حتى مع خفض «الاحتياطي الفيدرالي» لمعدلاته الرسمية.

نتائج معاكسة

قال راجورام راجان، محافظ «بنك الاحتياطي الهندي» السابق وأستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو، إن «التدخل السياسي في قرارات البنك المركزي قد يؤدي إلى نتائج معاكسة تماماً، حيث ترتفع الفوائد طويلة الأجل بدلاً من أن تنخفض».

وأكد التقرير أن التقلبات التي شهدتها الأسواق هذا الأسبوع قد تكون مجرّد مقدّمة لما قد يحدث إذا قرر ترامب فعلياً المضي قدماً في خطوته المثيرة للجدل.

لكن حتى دون تنفيذ التهديد، فإن مجرد الطرح العلني للفكرة يكفي لزعزعة الثقة.

في ظل هذه المعطيات، تبدو الدعوات للحفاظ على استقلالية «الاحتياطي الفيدرالي» أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية واحتمالات تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية داخلياً وخارجياً.