صراع الأسمنت والدولار: مصر تدعم السوق المحلي

صراع الأسمنت والدولار: مصر تدعم السوق المحلي

رغم تعويل الحكومة المصرية على زيادة الصادرات لتعزيز إيراداتها الدولارية وسط ضغوط اقتصادية متزايدة، إلا أنها اضطرت لاتخاذ إجراءات تقيد صادرات الإسمنت، في محاولة لإعادة التوازن إلى السوق المحلية بعد ارتفاع غير مسبوق في الأسعار مدفوعاً بانخفاض المعروض.

ففي خطوة غير معلنة رسمياً، وجهت وزارة الصناعة المصرية، قبل أسبوعين، شركات الإسمنت العاملة في السوق بوضع سقف للتصدير لا يتجاوز 30% من حجم الإنتاج، وفق ما أكده مسؤولون ومحللون لـ«إرم بزنس».

وتأتي هذه الخطوة في ظل ارتفاع أسعار الإسمنت إلى أعلى مستوى محلي في تاريخه عند نحو 5000 جنيه للطن.


صناعة الأسمنت في مصر. المصدر: إرم بزنس

 

الإجراءات الحكومية لم تقتصر على تقليص كميات التصدير، بل شملت أيضاً إلغاء نظام «الكوتا» للإنتاج، بما يتيح لكل مصنع العمل بكامل طاقته التشغيلية، مع إلزامه بتدوين الحد الأقصى لسعر البيع، سواء في أرض المصنع أو للمستهلك النهائي، على شكائر الإسمنت.

وأعلنت وزارة الصناعة المصرية عن مطلع الشهر الحالي، عن تقديم الدعم اللازم لإعادة تشغيل 9 خطوط إنتاج كانت متوقفة جزئياً، إلى جانب اتفاق مع أصحاب المصانع على تصدير الفائض عن احتياجات السوق المحلية بالنسب التي تحددها كل شركة،

ضبط الأسعار

ساهمت الإجراءات والتدابير الحكومية العاجلة في ضبط أسعار الإسمنت نسبياً، إذ انخفضت بنحو 1000 جنيه دفعة واحدة إلى ما يتراوح بين 4000 و4200 جنيه، بناء على تقديرات شعبة الإسمنت في «اتحاد الغرف التجارية»، لكن ذلك جاء بطبيعة الحال على حساب تراجع صادرات هذه السلعة المهمة.

تضم السوق المصرية 46 خط إنتاج للإسمنت، مملوكاً لنحو 23 شركة، يمكنها إنتاج حوالي 76 مليون طن سنوياً عند بلوغ طاقتها الإنتاجية القصوى، في حين يقدّر الاستهلاك المحلي بـ47 مليون طن سنوياً، والتصدير بأكثر من 20 مليون طن.

تراجع ملحوظ في أسعار الأسمنت بالسوق المصرية بعد الإجراءات الحكومية.
تراجع ملحوظ في أسعار الأسمنت بالسوق المصرية بعد الإجراءات الحكومية. المصدر: إرم بزنس

استقرار ملحوظ

قال رئيس شعبة الإسمنت باتحاد الغرف التجارية المصرية، أحمد الزيني لـ«إرم بزنس»، إن تراجع الأسعار جاء نتيجة تحسّن المعروض الذي أصبح كافياً لتغطية حجم الطلب المحلي.

وتوقّع انخفاض الأسعار بنحو 10% إضافية قبل نهاية العام الحالي، بحال تشغيل خطوط الإنتاج المتوقفة.

ولفت إلى أن معظم شركات الإسمنت لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية حتى الآن، باستثناء شركتين تابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية.

تسعير غير عادل

رغم التراجع الملحوظ في أسعار الإسمنت مؤخراً، إلا الزيني رأى أن الأسعار الحالية غير عادلة، مقارنة بأسعار الإسمنت الموجّه للتصدير.

واعتبر أن السعر العادل لطن الإسمنت في السوق المصرية لا يتجاوز 3000 جنيه، أي أقل بـ1000 جنيه تقريباً من الأسعار المحلية الحالية التي تزيد بنحو 20 دولاراً «1000 جنيه» عن أسعار التصدير تقل عن 60 دولاراً «3000 جنيه» للطن!

وبيّن أن شركات الإسمنت المحلية لا تستطيع رفع أسعار منتجاتها في الخارج بهدف الحفاظ على تنافسية بضائعها، زاعماً أن الشركات خاصة الأجنبية العاملة بالسوق المصرية، تعوّض انخفاض أرباح التصدير من السوق المحلية كونها أكثر ربحية من التصدير.

هبوط إضافي

رجح المحلل المالي في شركة «الأهلي فاروس» آدم خليل بتصريح لـ«إرم بزنس» أن يشهد النصف الثاني من العام الحالي تراجعاً في أسعار الإسمنت بـ17%، لتصل إلى نحو 3300 – 3500 جنيه للطن.

وعزا التراجع المتوقع إلى سببين، هما التوجيهات الحكومية بعدم تصدير أكثر من 30% من الإنتاج، واقتراب إعادة تشغيل عدد من خطوط الإنتاج المتوقفة.

كما اعتبر أن الإجراءات والتدابير الحكومية التي بدأت قبل أسبوعين، ستسهم بشكل ملحوظ في زيادة المعروض من الإسمنت، ورفع القدرة الإنتاجية الفعلية للقطاع إلى ما يقارب 85 مليون طن سنوياً.

تطور صادرات مصر من الأسمنت في أول 5 أشهر من 2025.
تطور صادرات مصر من الأسمنت في أول 5 أشهر من 2025. المصدر: إرم بزنس

تراجع الصادرات

بدوره، توقّع الزيني إسهام الإجراءات الحكومية بخفض صادرات البلاد من الإسمنت والكلينكر بنسبة 25% إلى 15 مليون طن بنهاية 2025.

وبالفعل، شهدت صادرات مصر من الإسمنت والكلينكر تراجعاً ملحوظاً منذ بداية العام الحالي لتتراوح بين 7 و8 ملايين طن فقط حتى منتصف شهر يوليو الجاري.

وأظهرت بيانات حكومية حديثة، ارتفاع قيمة صادرات مصر من الإسمنت بنحو 4% فقط إلى 362 مليون دولار خلال أول 5 أشهر من العام الحالي، حيث كانت ليبيا الأكثر استيراداً للإسمنت المحلي حتى نهاية مايو بقيمة 55.3 مليون دولار، في حين جاءت فلسطين في المركز الثاني بقيمة 47.5 مليون دولار.

أما في المركز الثالث، فقد حلّت ساحل العاج بقيمة 35.4 مليون دولار، ثم الولايات المتحدة الأميركية بـ19.3 مليون دولار، ولبنان بنحو 16 مليون دولار، وسوريا بـ15.6 مليون دولار.