3 حلول محتملة: هل يمكن لمصر تجاوز أزمة انقطاع الكهرباء في فصل الصيف؟

3 حلول محتملة: هل يمكن لمصر تجاوز أزمة انقطاع الكهرباء في فصل الصيف؟

بعودة ضخ الغاز الإسرائيلي، وبدء عمل سفن التغييز، وضخ حقل «ظهر» كميات جديدة، تتلاشى المخاوف تدريجياً بشأن تراجعات بانتظام الكهرباء الصيفية في مصر وعدم الانقطاع كما كان يحدث في العامين السابقين.

أكد خبراء طاقة لـ«إرم بزنس»، أن انتظام تلك المسارات الثلاثة سيعزز قدرة مصر على تجاوز صيف هذا العام دون أزمات كهرباء. وأشاروا إلى أن كميات الغاز المتاحة حالياً كافية لضمان صيف مستقر، مع توقعات باستمرار هذا الاستقرار حتى عام 2026، شرط الحفاظ على وتيرة التحرك المستمر لتأمين إمدادات الغاز وعدم حدوث أي تراجعات مفاجئة.

وتعاني مصر أزمة انقطاع متكرر للتيار الكهربائي منذ صيف 2023؛ ما دفع الحكومة إلى تطبيق خطط لتخفيف الأحمال، بدأت بفصل التيار لمدة ساعة يومياً العام الماضي، ثم رفعتها إلى ساعتين وأحياناً أربع ساعات يومياً خلال صيف 2024 قبل أن توقفها في يوليو من العام نفسه، وسط مخاوف من عودة الانقطاعات بعد إعلان الحكومة خطة طوارئ عقب تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل.

يُذكر أن مصر تحولت من دولة مصدرة للغاز إلى مستوردة خلال السنوات الأخيرة بسبب تنامي الطلب المحلي وتراجع إنتاج الحقول الطبيعية.

ويناهز إنتاج مصر حالياً 4 مليارات قدم مكعبة يومياً، مقابل طلب محلي يصل إلى 6.2 مليار قدم مكعبة، ويرتفع عادة إلى 7 مليارات قدم مكعبة يومياً في أشهر الصيف مع زيادة استهلاك الكهرباء لأغراض التبريد.

ولسد الفجوة التي تشهدها البلاد بين إنتاج واستهلاك الغاز والبالغة 2.2 مليار قدم مكعبة يومياً، تستورد مصر من إسرائيل حوالي مليار قدم مكعبة منذ 2020، وتحصل البلاد على النسبة المتبقية من دول أخرى، وعبر استقبال سفن تغويز لدعم الإمدادات.

ودفعت المواجهات بين إسرائيل وإيران، في الـ13 من يونيو الماضي وما تبعه من وقف إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر، الحكومة المصرية إلى تفعيل خطة طوارئ في قطاع الغاز، وفق بيان لوزارة البترول المصرية أعلن آنذاك «وقف الإمدادات لبعض الأنشطة الصناعية وفي مقدمتها الأسمدة، تجنباً للعودة لخطة تخفيف الأحمال الكهربائية التي نفذتها مصر العام الماضي».

عودة ضخ الغاز الإسرائيلي

استأنفت إسرائيل ضخ الغاز إلى مصر في نهاية يونيو الماضي، وذلك بعد إعادة تشغيل حقول الغاز الطبيعي لديها عقب توقف استمر نحو أسبوعين بسبب الصراع مع إيران.

 وجاء هذا الاستئناف عقب التوصل إلى هدنة بين الجانبين، وفق ما ذكرته وكالة «بلومبرغ»، التي توقعت وصول شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال إلى مصر اعتباراً من يوليو الجاري.

وأكدت صحيفة «ذا ماركر» الاقتصادية الإسرائيلية، بالتوقيت ذاته، بدء مصر استيراد كميات محدودة من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، تزامناً مع تقديرات غير رسمية تشير لبدء ضخ كميات تصل لـ80 مليون قدم مكعب يومياً مع توقعات برفع كميات الغاز المورد إلى 650 مليون قدم مكعبة يومياً مقابل نحو مليار قدم مكعبة يومياً كانت القاهرة تحصل عليها قبل الحرب.

وبدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل للمرة الأولى مطلع 2020، بموجب واحدة من كبرى الصفقات التي وقعها البلدان لاستيراد 85 مليار متر مكعب من الغاز على مدى 15 عاماً بنحو 19.5 مليار دولار.

واضطرت مصر إلى الاعتماد بشكل متزايد على واردات الغاز الإسرائيلي منذ بدء انخفاض إنتاجها، حيث يمثل الغاز الإسرائيلي بين 40 و60% من إجمالي إمدادات مصر المستوردة، ونحو 15% إلى 20% من استهلاكها، بحسب «رويترز».

وفقاً لبيانات موقع (enrdata)، استهلكت مصر حوالي 64 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2024، منها أكثر من 10 مليارات متر مكعب من إسرائيل.

انتظام ضخ الغاز

أعلنت وزارة البترول المصرية، في الـ26 من يونيو الماضي، عبر بيان صحفي، بدء استعادة المعدلات الطبيعية لإمدادات الغاز عبر الشبكة القومية، والبدء الفعلي في ضخ الغاز تدريجياً إلى مختلف القطاعات بالسوق المحلية.

وأكد وزير البترول كريم بدوي، انتظام ضخ الغاز وتأمين احتياجات السوق المحلية، سواء للقطاع الصناعي أو محطات توليد الكهرباء.

وبخلاف عودة الغاز الإسرائيلي، بدأت السلطات المصرية تجهيز 3 سفن للتغييز «تحويل الحالة السائلة إلى الغازية» اعتباراً من مطلع يوليو الجاري، لتكون طاقاتها الاستيعابية 2250 قدماً مكعبة يومياً، بينما كانت هذه الطاقات العام الماضي نحو 1000 قدم مكعبة فقط، كما تعمل كذلك على وجود سفينة تغييز رابعة احتياطياً، وفق بيان سابق لوزارة البترول المصرية.

وأكد بدوي، في تصريحات أواخر يونيو، أن مصر بات لديها اليوم ثلاث سفن تغييز ضمن المنظومة القومية، مؤكدا أن ذلك في إطار خطة الوزارة لتعزيز مرونة الشبكة القومية للغاز الطبيعي، من خلال إدخال وحدات تغييز متقدمة قادرة على استقبال شحنات الغاز المسال المستورد، وإعادة تغييزه وضخه مباشرة في الشبكة القومية، بما يسهم في سد الفجوات المحتملة في الاستهلاك خلال فترات الذروة، خصوصاً محطات الكهرباء والقطاعات الحيوية.

وتلا ذلك تأكيد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي، تعهد الحكومة بعدم اللجوء إلى تخفيف الأحمال، مبيناً أن عمل سفن الثلاثة سيحمي القطاع من المشاكل بحال حدوث أي انقطاع للشبكات الأخرى المربوطة مع الدول الأخرى المحيطة.

ووقعت مصر اتفاقيات عدة مع شركات طاقة وتجارة هذا الأسبوع لشراء ما لا يقل عن 150 شحنة من الغاز الطبيعي المسال في أكبر عملية استيراد تقوم بها على الإطلاق والتي ستكلفها أكثر من ثمانية مليارات دولار بالأسعار الحالية، لتغطية عامي 2025 و2026، وفق معلومات سابقة نقلتها «رويترز».

ووسط العودة التدريجية لمسار الغاز الطبيعي وبدء عمل سفن التغييز، أضيف مسار ثالث يتمثل في اكتشاف كميات جديدة من الغاز المحلي، حيث أعلنت وزارة البترول المصرية في بيان، يوم الـ27 من يونيو الماضي إتمام أعمال الحفر في بئر 6 بـ«حقل ظُهر» الذي تشغله شركة «إيني» الإيطالية.

وبينت أن هذا الحفر يضيف إلى معدلات الإنتاج الحالية نحو 60 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي، في خطوة مهمة لدعم منظومة الإمدادات بالغاز الطبيعي خلال الفترة الحالية.

وتعتمد مصر على مصادر متنوعة لإنتاج الكهرباء، إذ يبلغ إجمالي القدرة المركبة لمحطات توليد الكهرباء 59.7 ألف ميغاواط، وفق بيانات رسمية، حيث إن إجمالي توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري يبلغ نحو 53.3 ألف ميغاواط، في حين تزيد الحصة المتبقية على 6.3 ألف ميغاواط على مصادر الطاقة المتجددة، ويشكّل الغاز الطبيعي الحصة الكبرى من توليد الكهرباء وتستهدف الحكومة تخفيض استهلاكه بنسبة 25%.

ويرتفع استهلاك مصر من الكهرباء في الصيف نحو 25% ليتراوح بين 38 و40 غيغاواط/ساعة يومياً، مقابل 32 غيغاواط/ساعة تمثل إجمالي الأحمال الكهربائية في فصل الشتاء، بحسب تقديرات حكومية نهاية 2024.

مسارات مطمئنة

عن تلك التطورات، قال استشاري الطاقة وعضو المجلس العربي للطاقة المستدامة، الدكتور محمد سليم سالمان، في حديث لـ«إرم بزنس»، إن المسارات الثلاثة تعيد الاطمئنان والاستقرار لهذا القطاع وسيجعل الصيف يمر بلا أزمات كهرباء.

وأشار إلى أن الاستقرار الحالي يعتمد على استمرار الإمدادات في المدى القصير، مؤكداً ضرورة استعداد مصر لأي طوارئ محتملة على المدى البعيد.

ولفت إلى أن مستوى الثقة في توافر إمدادات الغاز خلال صيف هذا العام مرتفع؛ ما يقلل بشكل كبير مخاوف انقطاع الكهرباء، متوقعاً أن يشهد الصيف الحالي أوضاعاً أفضل إذا استمرت الإمدادات دون انقطاع.

بدوره، أكد عضو مجلس الطاقة العالمي ماهر عزيز، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن هذه المسارات تعزز استقرار مسار الطاقة في مصر حتى 2026، لافتاً إلى أن مصر استبقت أزمة الغاز الإسرائيلي بالتعاقد على 16 شحنة غاز مسال، وهي كمية كافية حتى العام المقبل.

وأشار إلى أن حقل الغاز الإسرائيلي كان يزود مصر بنحو مليار متر مكعب من الغاز، وأن عودة الضخ منه ستعزز استقرار إمدادات الطاقة.

كما أكد أن سفن التغييز باشرت بالفعل دعم منظومة مواجهة الأزمة، مشيداً بنجاح الحكومة المصرية في الحفاظ على انتظام الكهرباء دون انقطاع أو نقص حتى الآن، لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة استمرار العمل المبكر لتأمين احتياجات الطاقة وضمان استقرار الإمدادات مستقبلاً.

ونبه إلى أن الإنتاج الجديد من حقل «ظهر» يعزز تأمين احتياجات الصيف في مصر من الطاقة، وتجنيب البلاد الدخول بأزمة كهرباء مشابهة لما حدث في العامين الماضيين.