الدولار يتراجع.. هل أعلن ترامب الحرب على عملته بشكل متعمد؟

تقهقرت العملة الأميركية إلى قيعان جديدة أمام منافسيها من العملات الرئيسة، ما هوى بمؤشر الدولار الرئيس إلى أدنى مستوياته منذ يناير 2022 خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، ما يثير التكهنات بشأن تعمد خفض قيمة العملة الأميركية أمام المنافسين لإعادة التوازن إلى الميزان التجاري.
في الشهر الماضي ومع موجة الهبوط الحاد والتي بلغت مستويات قياسية هي الأعلى منذ عقود، للعملة الأميركية مقابل العديد من العملات الآسيوية، طرأت على الطاولة فكرة خفض قيمة الدولار عمداً أمام عملات الدول التي تسجل فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة.
في غضون ذلك، أصدرت السلطات النقدية في اليابان وهونغ كونغ وتايوان وكوريا الجنوبية نفيا رسميا لوجود ضغوط أميركية بشأن التأثير على سعر الصرف، مع الإشارة إلى أن كافة تلك الدول تتفاوض حاليا مع الولايات المتحدة بشأن خفض التعريفات الجمركية.
أقوى مما ينبغي
في أكثر من مرة، أعرب ترامب عن اعتقاده بأن الدولار الأميركي قوي أكثر مما ينبغي، بينما يرى مستشاروه أن ضعف الدولار قد يعالج اختلالات العجز التجاري، بل ويعتبر بعضهم أن موقع الدولار كعملة احتياطية عالمية بات يشكل عبئا لا ميزة.
تعكس الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب رؤيته بأن العجز التجاري الأميركي الذي بلغ رقما قياسيا قدره 1.2 تريليون دولار عام 2024 يضر بالعمال الأميركيين، وخصوصا الوظائف الصناعية.
وفقا لهذا الطرح، فإن القوة التاريخية للدولار تقوّض القدرة التنافسية الأميركية، وتبعا لذلك، قد تسعى واشنطن لإبرام اتفاقات مع دول أخرى من أجل تصحيح هذه المعادلة.
ما الجديد؟
بعد التراجعات الكبيرة للعملة الأميركية مقابل العملات الآسيوية يبدو أن الدور قد حان على العملات الأوروبية، وسط موجة من الهبوط الكبير أمام اليورو والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري.
يحوم الدولار اليوم الثلاثاء قرب أدنى مستوى له مقابل اليورو منذ سبتمبر 2021، إذ أثار مشروع قانون الإنفاق الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب مخاوف مالية بينما واصلت الضبابية بشأن اتفاقيات التجارة التأثير سلبا على ثقة المستثمرين.
عادة ما تستفيد الدول المصدرة من انخفاض قيمة العملة إذ تكسب ميزة تنافسية تسمح بزيادة الصادرات، وفي حالة الولايات المتحدة قد يمنحها الدولار الضعيف قدرة على تقليص فجوة الميزان التجاري مع الشركاء والمنافسين.
إضافة إلى ذلك، فالولايات المتحدة تعاني من مستويات تاريخية من الديون، وحجم قياسي من السندات، وكلما انخفضت الفائدة تنخفض تكلفة خدمة الديون، وكلما تراجع الدولار تنخفض تكلفة شراء السندات من حاملي العملات الأخرى.
سقوط حاد
◄ انخفض مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل ست عملات أخرى إلى 96.16 نقطة، وهو أدنى مستوى منذ يناير 2022.
◄ تراجع الدولار بأكثر من 11 % في النصف الأول من العام الحالي.
◄ انخفض مؤشر الدولار منذ ولج الرئيس الأميركي دونالد ترامب البيت الأبيض أكثر من 12%.
العملات الرئيسة
◄ شهدت السوق في الأيام الأخيرة عمليات بيع واسعة للدولار ليقفز اليورو عند أعلى مستوى له في أربع سنوات تقريبا عند 1.1808 دولار.
◄ أظهرت بيانات مجموعة بورصات لندن أن اليورو ارتفع 13.8 %خلال الفترة من يناير إلى يونيو ، ليسجل أقوى أداء له على الإطلاق في النصف الأول من العام.
◄ ارتفع الجنيه الإسترليني عند 1.3739 دولار، وهو مستوى قريب من أعلى مستوى له في ثلاثة أعوام ونصف العام الذي لامسه الأسبوع الماضي.
◄ زاد الين إلى 143.77 للدولار، وصعدت العملة اليابانية 9% في النصف الأول من العام، مسجلة أقوى أداء منذ 2016.
◄ انخفض الدولار 0.3% عند 0.7906 فرنك سويسري، بعد أن تراجع يوم الجمعة إلى 0.7955 فرنك، وهو أدنى مستوى له منذ أغسطس 2015، عندما ألغى البنك الوطني السويسري بشكل مفاجئ الحد الأقصى لقيمة العملة مقابل اليورو.
قانون ترامب
يواجه المستثمرون ضبابية بشأن جهود مجلس الشيوخ الأميركي لإقرار مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب والإنفاق، والذي أدى إلى انقسامات حزبية داخلية بسبب التوقعات بأن يرفع ديون الولايات المتحدة 3.3 تريليون دولار.
أدت المخاوف المالية إلى تراجع المعنويات ودفعت بعض المستثمرين إلى تنويع استثماراتهم، والتخلي عند الدولار كعملة رئيسة بين الملاذات الآمنة.
تبخر الاستثنائية
كتب ناثان هاميلتون، المحلل في شركة «أبردين للاستثمار» في مذكرة: «في عام 2025، أصبحت الاستثنائية الأميركية موضع تساؤل، بعد أن تعرض الطلب على مزادات سندات الخزانة لضغوط في الأشهر القليلة الماضية، وانخفض إقبال المستثمرين الأجانب».
كما كتب جوناس جولترمان، نائب كبير اقتصاديي الأسواق في كابيتال إيكونوميكس في مذكرة : «رواية الاستثنائية الأميركية التي دعمت سابقا ارتفاع أسواق الأسهم الأميركية خلال العامين الماضيين، وعززت الدولار، وفقدت الكثير من بريقها».
في حين قال داريل كرونك، رئيس معهد «ويلز فارغو للاستثمار»، في مذكرة :«القائمة النهائية للرسوم الجمركية لا تزال غير محسومة، وهو التي ستُحدد ما إذا كان هناك ركود في الاقتصاد العالمي أم لا».
وفقا لمذكرة «ويلز فارغو للاستثمار»، من المتوقع أن تبقى التقلبات مرتفعة، خاصة بعد موجة البيع الواسعة التي أرهقت العملة الأميركية، تزامنا والإقبال على أصول الملاذات.
قهر الفيدرالي
في غضون ذلك، واصل ترامب انتقاد مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لدفعه لتيسير السياسة النقدية.
أرسل إلى رئيس الفيدرالي جيروم باول قائمة بأسعار فائدة البنوك المركزية حول العالم مصحوبة بتعليقات مكتوبة بخط اليد تفيد بأن سعر الفائدة في الولايات المتحدة يجب أن يكون بين 0.5 %، كما هو الوضع في اليابان، و1.75 % مثل الدنمارك.
في الوقت ذاته عززت هجمات ترامب اللاذعة على مجلس الاحتياطي وباول مخاوف المستثمرين بشأن استقلالية البنك المركزي ومصداقيته، ولا يستطيع ترامب إقالة باول بسبب خلاف على السياسة النقدية، لكنه حثه الأسبوع الماضي على الاستقالة.
الأنظار صوب باول
بدأ المستثمرون يراهنون على وتيرة أسرع لتيسير السياسة النقدية في الولايات المتحدة هذا العام، قبيل صدور سلسلة من البيانات الاقتصادية خلال الأسبوع الجاري، أبرزها تقرير الوظائف في القطاعات غير الزراعية الذي سيصدر يوم الخميس.
وستنصب أنظار المستثمرين على تعليقات باول، الذي سينضم إلى العديد من رؤساء البنوك المركزية الآخرين في منتدى البنك المركزي الأوروبي في البرتغال اليوم الثلاثاء.
في غضون ذلك كتب خبراء «غولدمان ساكس»: «من المتوقع حاليا أن يجري مجلس الاحتياطي هذا العام ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية في المرة الواحدة، مقارنة بتوقعات سابقة بخفض واحد في ديسمبر».
تقرير مهم
من المتوقع أن تُظهر بيانات الوظائف غير الزراعية التي ستصدر بعد غدٍ الخميس 110 آلاف وظيفة جديدة في يونيو ، بانخفاض عن 139 ألف وظيفة في مايو.
في الوقت ذاته من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة تدريجيا إلى 4.3% من 4.2% الشهر الماضي.
مع اقتراب الموعد النهائي لقرار تعليق الرسوم الجمركية في التاسع من يوليو، يراقب المستثمرون أيضا الاتفاقيات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها، على الرغم من عدم وجود العديد من الاتفاقيات حتى الآن.
رحلة إلى الماضي
في ظل السياسات الحمائية التي يتبناها ترامب، ظهرت تكهنات إعلامية تشير إلى احتمال إبرام اتفاق دولي جديد، غير رسمي على خفض قيمة الدولار على غرار اتفاق حدث العام 1985.
في العام 1985، بادر وزير الخزانة الأميركي آنذاك، جيمس بيكر، إلى جمع قادة ماليين من أكبر 5 اقتصادات في العالم (اليابان، ألمانيا الغربية، فرنسا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة) في فندق بلازا بنيويورك، حيث تم التوصل إلى اتفاق تاريخي لخفض قيمة الدولار الأميركي بشكل منسق.
عُرفت هذه المبادرة باسم اتفاقية بلازا، وهدفت الاتفاقية إلى تقليص قيمة الدولار من خلال التزامات واضحة: الولايات المتحدة تعهدت بخفض عجزها الفيدرالي، في حين التزمت اليابان وألمانيا بتحفيز الطلب المحلي.
وفقا لتقارير إعلامية أميركية، فإن الاتفاق على خفض الدولار تكرر من جديد في منتجع يملكه ترامب في ولاية فلوريدا يسمى «مار-أ-لاغو».