استثمارات من الصين ومناقشات أولية مع موانئ أبوظبي لتحسين كفاءة الموانئ السورية

استثمارات من الصين ومناقشات أولية مع موانئ أبوظبي لتحسين كفاءة الموانئ السورية

تسعى سوريا اليوم عبر هيئة المنافذ البرية والبحرية، إلى تحويل المناطق الحرة والمرافئ إلى محركات اقتصادية حقيقية، في إطار خطة شاملة لتعزيز التعافي وجذب استثمارات استراتيجية، خاصة من الدول الصديقة.

هذه الخطوات لا تقتصر على تطوير بنية تحتية متهالكة، بل تهدف لبناء بيئة أعمال حديثة، تعيد ربط سوريا بممرات التجارة الإقليمية والدولية، وتنعش الصناعات المحلية والصادرات، بحسب ما أكده مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش، في تصريحات خاصة لـ«إرم بزنس» 

استثمارات في المناطق الحرة والموانئ

شهدت الفترة الماضية استقبال وفود استثمارية من دول صديقة، من بينها مستثمرون صينيون أبدوا اهتماماً واسعاً بالاستثمار في المناطق الحرة السورية.

وتم توقيع مذكرة تفاهم معهم لاستثمار المنطقة الحرة في «حسياء» وقسم من المنطقة الحرة في «عدرا»، حيث تُعد هذه الاستثمارات خطوة مهمة باتجاه إعادة ربط سوريا بممرات التجارة الإقليمية والدولية.

كما أكد علوش التزام الهيئة بسياسة الشفافية والتدرّج المدروس في جذب الاستثمارات، بما يحافظ على السيادة الوطنية والمصلحة العامة، ويعزز فرص التعافي الاقتصادي المستدام. 

أما في ملف المرافئ، فقد جرت مباحثات تقنية وتمهيدية مع مجموعة موانئ أبوظبي، ومن قبلها مجموعة موانئ دبي وبضع شركات متخصصة في إدارة وتشغيل الموانئ،

وطُرحت مقترحات لتطوير ميناء بانياس النفطي، إلى جانب دراسات أولية لرفع كفاءة بعض الأرصفة ومحطات الحاويات في مرافئ طرطوس واللاذقية، وتوسيع نطاق الخدمات الفنية واللوجستية المقدمة فيها.

وأكد علوش أن هذه المباحثات لا تزال ضمن الإطار الفني والاستشاري، وأي اتفاقات مستقبلية ستُعلن بشكل رسمي فور التوصل إلى صيغ تنفيذية نهائية.

تطوير متكامل للمناطق الحرة والمنافذ

تنفذ الهيئة خطة طموحة لإعادة هيكلة وتطوير المناطق الحرة في سوريا، تتضمن إعادة تأهيل البنى التحتية، وتحفيز الاستثمارات النوعية، وتحويل بعض المناطق إلى مراكز لوجستية تخصصية تخدم قطاعات محددة، مثل: الزراعة والصناعة والنقل والخدمات اللوجستية.

كما تعمل على تحديث اللوائح الناظمة لتكون أكثر جاذبية للمستثمر المحلي والأجنبي.

وبحسب علوش، تتوزع المناطق الحرة جغرافياً في سوريا ما بين مناطق داخلية مثل عدرا، حسياء، المسلمية، وأخرى مرفئية في اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى مناطق حدودية، مثل: المنطقة الحرة السورية–الأردنية المشتركة، واليعربية.

 ويتم اختيار المواقع بناء على معايير القرب من المعابر والمرافئ، وتوفر شبكات النقل، وتكاملها مع القطاعات الإنتاجية.

حتى الآن لا توجد إحصاءات دقيقة للطاقة الاستيعابية الفعلية لمرفأي طرطوس واللاذقية، نظراً لاستمرار مرحلة التعافي وإعادة التأهيل بعد سنوات من التراجع والتحديات المرتبطة بالحصار والبنى التحتية.

وتعمل الهيئة بالتعاون مع الجهات المعنية على إعداد تقييم شامل للقدرة التشغيلية والفنية للمرافئ، وسيتم تزويد الجمهور بإحصائيات دقيقة وموثّقة في نهاية العام الجاري.

أما ميناء بانياس، فهو يُستخدم بشكل رئيس لأعمال الصيانة والإصلاح البحري بالإضافة لاستيراد النفط، ولا يُعد من موانئ الشحن التجاري العامة في الوقت الحالي.

وأوضح علوش، أن الخطط المستقبلية تتضمن توسيع الأرصفة، وزيادة أعماق المرافئ، وتحسين التجهيزات اللوجستية. وهناك مفاوضات متقدمة مع شركات دولية لتنفيذ مشاريع شراكة في مرفأي طرطوس واللاذقية لتطوير محطات الحاويات ومراكز الخدمات البحرية.

التبادل التجاري عبر المرافئ

لا تتوفر حالياً أرقام دقيقة لحجم التبادل التجاري عبر المرافئ، نظراً لكون سوريا في مرحلة إعادة التعافي وتحديث البيانات. وتعمل الهيئة حالياً على إعداد إحصائية شاملة، وسيتم الإعلان عنها نهاية العام الجاري.

مع لبنان، تعمل معابر جديدة يابوس، العريضة، وجوسية بشكل فعّال، وهناك حركة عبور منتظمة مع خطط صيانة مستمرة لباقي المنافذ.

ومع الأردن، يشهد معبر نصيب نشاطاً كبيراً ومتزايداً. مع العراق، يعمل معبر البوكمال بشكل طبيعي، ومعبر التنف قيد التأهيل.

أما مع تركيا، فتعمل معابر السلامة، باب الهوى، الراعي، جرابلس، الحمام، وكسب بشكل منتظم وفقاً لعلوش. 

وتعتمد الهيئة حزمة متكاملة من الإجراءات لتسهيل حركة عبور الأفراد والبضائع، تشمل الإعفاء التام من أي رسوم عبور أو نقل داخل المعبر، تأمين وسائل نقل مجانية، توفير فرق استقبال وخدمة ميدانية، نقاط طبية إسعافية مجانية، إجراءات مبسطة وسريعة لتخليص البضائع، وربط المعلومات إلكترونياً بين الجهات الجمركية والأمنية.

حوافز واسعة لجذب الاستثمارات

أوضح علوش أن الهيئة تقدم عدداً من التسهيلات في المناطق الحرة البحرية للمستثمرين وتشمل: الإعفاء الجمركي الكامل، إعفاءات ضريبية، خدمات جمركية سريعة، وتراخيص فورية للأنشطة الاستثمارية.

وتقدّم الهيئة، بالتنسيق مع المؤسسة العامة للمناطق الحرة، حزمة واسعة من الحوافز الاستثمارية لتشجيع رؤوس الأموال المحلية والخارجية، أبرزها: إعفاءات جمركية وضريبية شاملة على الآلات والمواد الأولية والبضائع، حرية تحويل الأرباح والرساميل إلى الخارج بالقطع الأجنبي دون قيود، الترخيص الفوري للمشاريع عبر نافذة واحدة، إمكانية استئجار العقارات داخل المناطق الحرة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، حرية التشغيل والاستيراد والتصدير وإعادة التصدير دون قيود، وتوفير بنية تحتية متكاملة مع خطط تطوير مستمرة.

كما يجري العمل حالياً على إصدار نظام استثمار جديد يمنح المزيد من الحوافز، خاصة للمشاريع الصناعية ذات القيمة المضافة العالية، والمشاريع التصديرية، أو تلك الداعمة لسلاسل الإنتاج المحلية.

يسمح في المناطق الحرة بمختلف الأنشطة الصناعية، التجارية، الخدمية، اللوجستية، تجارة الترانزيت، التخزين، التغليف، والتجميع؛ ما يمنح مرونة كبيرة للمستثمرين.

لا ضرائب في المناطق الحرة

لا يوجد حالياً رقم محدد لحجم الاستثمارات وعدد الشركات المسجلة، إذ تعمل الهيئة على تحديث البيانات، ومن المقرر الإعلان عن الأرقام نهاية العام الجاري بعد الانتهاء من عمليات الجرد والتوثيق.

ولا يتم فرض ضرائب مباشرة في المناطق الحرة، بل هناك فقط رسم رمزي على التراخيص والتجديدات السنوية.

رغم التقدم الكبير، فلا تزال الهيئة تواجه تحديات تتعلق بتأهيل البنى التحتية، نقص الكوادر الفنية، تسريع الأتمتة والربط الشبكي، وتذليل العقبات الإدارية. وتتم معالجة هذه التحديات عبر خطط إصلاح مرحلية ومتابعة ميدانية مباشرة.

وتلعب سوريا دوراً مهماً كنقطة وصل بين آسيا وأوروبا، وتخطط الهيئة لإنشاء مراكز لوجستية ونقاط تجميع للبضائع العابرة نحو الخليج والعراق وتركيا، وقد بدأ تنفيذ بعض هذه المشاريع فعلياً.

تؤدي المناطق الحرة أيضاً دوراً محورياً في عملية إعادة الإعمار، عبر توفير المواد والمعدات، وتشكل منصات للإنتاج والتصدير، وتدعم القطاعات الاقتصادية الأخرى.

تتوقع الهيئة زيادة تدريجية بنسبة 15% سنوياً في حركة البضائع عبر المنافذ، مدعومة بتحسين البنية التحتية وعودة الاستقرار الأمني والسياسي.

تسعى الهيئة لتحويل المناطق الحرة إلى مراكز إقليمية للتجارة والصناعة والخدمات اللوجستية، وجذب استثمارات استراتيجية في النقل، الصناعات التحويلية، التخزين، والتوزيع.

وفيما يتعلق بالمشاريع التطويرية الجديدة المخطط لها، أكد علوش أن هناك عدداً من المشاريع الجديدة تشمل إنشاء منطقة حرة وميناء جاف في إدلب، توسعة المنطقة الحرة في حسياء، إعادة تأهيل المنطقة الحرة السورية–الأردنية المشتركة، تطوير مرفأ بانياس، تطوير الموانئ السورية خاصةً موانئ الصيد والنزهة، وصيانة وتأهيل المنطقة الحرة في المسلمية بحلب وجذب الاستثمارات الأجنبية إليها، بالإضافة لعشرات المشاريع قيد الدراسة.

وتخطط الهيئة لاستقطاب استثمارات جديدة من خلال طرح فرص استثمارية واضحة عبر النافذة الواحدة، تنظيم حملات ترويجية، تقديم ضمانات قانونية، وتسهيلات مصرفية، ما يعزز دور هذه المناطق في دعم الاقتصاد الوطني وإعادة بناء سوريا.