التوترات الإقليمية تعرقل صادرات الفستق الإيراني في ظل زيادة الطلب العالمي

التوترات الإقليمية تعرقل صادرات الفستق الإيراني في ظل زيادة الطلب العالمي

ألقى النزاع المستمر بين إسرائيل وإيران، رغم سريان وقف هش لإطلاق النار، بظلال من الشك على سوق الفستق العالمية، التي تعاني أصلاً شحّا في الإمدادات وارتفاعاً كبيراً في الطلب، تغذّيه جزئياً منتجات رائجة على وسائل التواصل مثل شوكولاتة دبي.

تُعد إيران، إلى جانب الولايات المتحدة وتركيا، من أكبر ثلاث دول منتجة للفستق في العالم. وقد تبادلت هذه الدول مواقع الصدارة على مرّ السنين، إلا أن الولايات المتحدة، بقيادة كاليفورنيا تحديداً، وسّعت تقدمها في حجم الإنتاج، وأصبحت مسؤولة عن نحو نصف الإمدادات العالمية، وفقاً لتقرير نشره موقع AGBI.

وتشير بيانات عُرضت في «مؤتمر الفواكه المجففة والمكسرات العالمي» في إسبانيا في مايو الماضي، وحصلت عليها AGBI، إلى أن إنتاج الولايات المتحدة بلغ نحو 504 آلاف طن متري من الفستق خلال موسم 2024-2025، مقابل 415,500 طن في تركيا و200 ألف طن في إيران. أما سوريا، فقد سجّلت رابع أعلى إنتاج، بكمية بلغت 28 ألف طن.

ويُعتقد أن جزءاً من صادرات الفستق الإيراني يُعاد توجيهه عبر تركيا لتفادي التعقيدات المرتبطة بالعقوبات الدولية، لكن تصاعد الحرب في المنطقة أعاد تسليط الضوء على هشاشة سلاسل الإمداد الزراعي الإيرانية.

ويُلاحظ أن أسعار الفستق ارتفعت منذ فترة، بفعل عوامل عدة من بينها انخفاض المحاصيل، وازدياد الطلب الاستهلاكي، وانتشار بعض المنتجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب نيك موس، مراسل أسعار المكسرات في شركة «إكسبانا» (Expana) الأميركية.

وقال موس لـAGBI إن الإنتاج الأميركي جاء هذا الموسم دون التوقعات التي كانت منخفضة أساساً، مما قلّص العرض في وقت ارتفع فيه الطلب على الفستق، لا سيما كمكوّن رئيس في شوكولاتة دبي، التي حققت شهرة واسعة على منصات التواصل نهاية عام 2023 وأسهمت في قفزة بصادرات وأسعار الفستق التركي مطلع عام 2024.

وصرّح محمد يلدرم، رئيس جمعية منتجي البقلاوة والحلويات، لموقع AGBI في نوفمبر الماضي، بأن سعر الجملة للفستق في تركيا ارتفع من 850 ليرة تركية، أي ما يعادل 24 دولاراً للكيلوغرام، إلى نحو 1,400 ليرة، أي نحو 41 دولاراً.

ومع اقتراب نهاية موسم الحصاد، الذي يمتد عادة من أواخر الصيف إلى أوائل الخريف، أصبحت الإمدادات أكثر شحاً. وأوضح موس أن «الأسعار تواصل الارتفاع تدريجياً»، مضيفاً أن بعض التحركات الأخيرة في الأسعار قد تكون مرتبطة بالحرب، لكن من الصعب تحديد ما إذا كانت النزاعات هي السبب المباشر، أم أن الضغوط على العرض ما زالت العامل الرئيس.

وتباينت ردود الفعل في القطاع، فبينما عبّر بعض المعنيين عن قلقهم من تأثير الحرب في الصادرات الإيرانية، يرى آخرون أن التوزيع الجغرافي لبساتين الفستق في إيران قد يحدّ من التأثير. وقال موس: «من المرجح أن يكون المحصول بأكمله محمياً»، لكنه حذّر من أن العمليات اللوجستية قد تمثل الحلقة الأضعف إذا تصاعدت التوترات.

وفي الهند، التي تُعد من كبار مستهلكي الفستق إلى جانب الولايات المتحدة وتركيا والصين ومنطقة الشرق الأوسط، أفاد أحد تجار المكسرات والفواكه المجففة في ولاية ماديا براديش لوسائل إعلام محلية بأن أسعار الفستق ارتفعت نحو 26% خلال أسبوع من اندلاع النزاع.

ويشير موس إلى أن التوترات المستمرة في إيران، حتى في ظل وقف إطلاق النار، قد تجعل من العمليات اللوجستية، ليس الإنتاج نفسه، العائق الأكبر أمام صادرات الفستق، في حال تصاعد الصراع مجدداً؛ فالتحدي الأساسي لا يتمثل في زراعة المحصول، بل في قدرة الشركات الإيرانية على إيصال المنتج إلى الأسواق العالمية.

وتؤكد الأرقام هذا الاعتماد الكبير على التصدير؛ إذ صدّرت إيران، بين سبتمبر 2024 ومارس 2025، ما نسبته 64 بالمئة من إجمالي إمداداتها، بما في ذلك المحصول الموسمي والمخزون المتبقي من مواسم سابقة.

ووفقاً لبيانات «رابطة الفستق الإيرانية» التي طُرحت خلال المؤتمر في إسبانيا، فقد توجه 26% من هذه الصادرات إلى أسواق إعادة التصدير مثل الإمارات وتركيا، و26% إلى شرق آسيا، و19% إلى جنوب آسيا، و10% إلى دول الشرق الأوسط.

وأشارت لويز فيرغسون، أستاذة علوم النبات في «جامعة كاليفورنيا»، إلى أن أي اضطرابات مرجّحة ستؤثر في طرق الشحن أكثر من تأثيرها على البساتين. وقالت: «لا أظن أنهم سيقصفون المناطق التي توجد فيها البساتين»، مضيفة أن تراجع الإنتاجية في إيران مرتبط أساساً بعوامل طويلة الأمد مثل نقص المياه.

وانخفض إنتاج الفستق في إيران بمعدل 4% سنوياً خلال العقد الماضي بسبب موجات الجفاف والصقيع المتكررة، بحسب تقرير صدر في يناير عن ديفيد ماغانيا، كبير محللي البستنة في مؤسسة «رابوبنك» (Rabobank) الهولندية.

ورغم كل ذلك، بدأت آثار الحرب تتسلل إلى قطاع صناعة الفستق الإيرانية، إذ كتب أحد ممثلي شركة «دارا كوميرشال» (Dara Commercial)، ومقرها طهران، على منصة «لينكد إن»، الأسبوع الماضي، أن الشركة لا تزال «ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها» وتلبية احتياجات عملائها حتى في «أوقات النزاع».