كارثة اقتصادية جديدة تلوح في الأفق تهدد الاقتصاد العالمي.. والمصدر ليس البنوك

كارثة اقتصادية جديدة تلوح في الأفق تهدد الاقتصاد العالمي.. والمصدر ليس البنوك

يحذّر عدد متزايد من الخبراء الماليين وصنّاع السياسات من أن تغيّر المناخ قد يكون في طريقه للتسبب بأزمة مالية عالمية جديدة، وهذه المرة من بوابة قطاع التأمين العقاري، الذي يشهد انهياراً تدريجياً في ظل ازدياد الكوارث الطبيعية.

فعلى عكس أزمة عام 2008 التي نشأت عن فقاعة الرهن العقاري عالي المخاطر، يرتبط التهديد الجديد بتسارع الظواهر المناخية القاسية، والتي تجعل التأمين على الممتلكات مستحيلاً في العديد من المناطق المعرضة للخطر، مهددة بتبخّر ثروات الأسر وتقويض استقرار النظام المالي العالمي، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز».

انسحاب شركات التأمين

في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، بات التأمين على الممتلكات أكثر تكلفة وأقل توفراً.

ففي المناطق عالية المخاطر، مثل تلك المعرّضة للحرائق أو الأعاصير، ارتفعت الأقساط 82% في المتوسط مقارنة بالمناطق الآمنة، وفق تقرير صادر عن وزارة الخزانة الأميركية لعام 2024، حلّل 246 مليون وثيقة تأمين بين عامي 2018 و2022.

كما تسجّل وثائق التأمين غير المجددة ارتفاعاً حاداً، مع امتناع المزيد من شركات التأمين عن تغطية المنازل في مناطق الكوارث.

في المقابل، تحذّر مؤسسات مالية كبرى من أن هذا الانسحاب قد يشعل أزمة إسكان، إذ أشار تقرير صادر عن لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ الأميركي إلى أن «قيمة العقارات ستبدأ في التراجع، كما حدث في 2008، ما سيؤدي إلى انهيار في ثروات الأسر».

وتتضاعف المخاطر مع تراجع إتاحة القروض العقارية، نظراً لارتباطها الإلزامي بوجود تأمين. وقد حذّر رئيس الاحتياطي الفيدرالي من أن بعض المناطق في الولايات المتحدة قد تشهد خلال 10 إلى 15 عامًا انسحاباً كاملاً للخدمات المالية، بما في ذلك المصارف والصرافات الآلية.

خطر عالمي يتجاوز حدود الولايات المتحدة

لا يقتصر هذا التهديد على أميركا، فمن جنوب أستراليا إلى شمال إيطاليا، تتزايد الكوارث المناخية، ما يدفع شركات التأمين إلى تقليص تغطياتها ويثير قلق الأسواق المالية.

وفي ألمانيا، حذّر مسؤول في شركة «أليانز» (Allianz) للتأمين والخدمات المالية من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى انهيار نماذج التأمين بالكامل، محولاً مناطق شاسعة إلى فجوات مالية مدمرة.

وصرح المسؤول: «الأسواق ستعيد تسعير الأصول بسرعة وبقسوة»، وهو ما يعكس قناعة متزايدة بأن تراجع قيمة العقارات بسبب تغيّر المناخ قد يؤدي إلى أزمة ائتمان عالمية.

تهديد مادي لا مجرد أزمة مالية

يرى الخبراء أن هذه الأزمة المرتقبة تختلف عن الأزمات السابقة ذات الطابع الدوري، إذ إنها أزمة بنيوية ناتجة عن مخاطر مستمرة ومتفاقمة. ويؤكد أحد الخبراء الاقتصاديين أن «هذا النوع من المخاطر المناخية ليس دورياً؛ بل يتحرك في اتجاه واحد».

من جهته، أشار الرئيس السابق لـ«هيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة»، اللورد جوناثان أدير تورنر، إلى أن سوق العقارات العالمية، الذي يُقدّر حجمه بنحو 250 تريليون دولار، قد يكون مركز الأزمة المالية التالية، قائلاً: «لو كنت أبحث عن عامل قد يؤدي إلى أزمة مالية، لبدأت من هنا».

خسائر متزايدة وسط انتكاسات سياسية

تتزامن الأزمة مع تراجع في السياسات المناخية، لا سيما خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقيات مناخية عالمية وقلّصت عمليات الرصد المناخي الفيدرالية. كما انسحب الاحتياطي الفيدرالي ومكتب التأمين التابع لوزارة الخزانة من مبادرات التنسيق الدولي بشأن التمويل المناخي، ما أضعف الجهود العالمية في هذا المجال.

ورغم أن عام 2023 شهد استثمارات تجاوزت تريليونَيْ دولار في التحوّل إلى الطاقة النظيفة، 40% منها من الصين، إلا أن وتيرة النمو تباطأت. وتثير السياسات الأميركية المتغيرة مخاوف من إبطاء التحوّل العالمي نحو الاقتصاد الأخضر.

أزمة تتصاعد ببطء… أم انفجار مفاجئ؟

يرى بعض الخبراء أن هذه الأزمة أشبه بـ«حريق بطيء» وليس انهياراً مفاجئاً، إذ أكد مفوّض التأمين السابق في ولاية كاليفورنيا، ديف جونز، أننا قد نشهد «المزيد من حالات إفلاس شركات التأمين، وزيادة في حالات تعثر الرهون العقارية، وانخفاضاً في قيمة الأصول، وتجميداً للائتمان»، بدلاً من انهيار شامل وسريع.

لكن في ضوء شدة وتسارع الكوارث المناخية الأخيرة، من حرائق الغابات في كاليفورنيا وكندا إلى الفيضانات المدمّرة في أستراليا وأوروبا، يثير خبراء الشكوك في قدرة الأسواق المالية على استيعاب الصدمة، رغم ما تشير إليه اختبارات الضغط الرسمية.

مع تصاعد المخاطر المناخية المادية وتحوّل التأمين إلى رفاهية يصعب الوصول إليها في المناطق المعرّضة للكوارث، يبدو أن العالم يواجه عصراً جديداً من عدم الاستقرار المالي. فبينما كانت أزمة 2008 ناتجة عن الديون السامة، قد تكون الأزمة التالية مشتعلة بسبب تغيّر المناخ، بتداعيات مالية لا تقل كارثية.