خطة تعزيز التجارة الخارجية: هل سيتمكن المغرب من تحسين صادراته؟

خطة تعزيز التجارة الخارجية: هل سيتمكن المغرب من تحسين صادراته؟

ثمّة تحركات حكومية في المغرب لإعادة رسم ملامح الاقتصاد خلال السنوات المقبلة كان أحدثها إطلاق خريطة طريق التجارة الخارجية للفترة 2025-2027، والتي تستهدف مضاعفة القدرات التصديرية، وفتح آفاق جديدة أمام الإنتاج الصناعي وتعزيز رصيد البلاد من النقد الأجنبي.

تمثل هذه الخريطة، بحسب ما جاء في التصريحات الرسمية، رؤية طموحة تنسجم مع توجهات المغرب نحو الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، وتكريس موقعه محوراً تجارياً صناعياً إقليمياً.

وتسعى الخريطة الجديدة من خلال أهدافها المحددة، إلى تحقيق صادرات إضافية بقيمة 84 مليار درهم (9.08 مليار دولار) على مدى ثلاث سنوات، مع إحداث 76 ألف منصب شغل مباشر، وتوسيع قاعدة المقاولات المصدرة عبر إدماج 400 مصدر جديد سنوياً.

محاور متعددة 

ترتكز خريطة طريق التجارة الخارجية، وفق ما أوضحه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، على أربعة محاور رئيسة للتدخل، إلى جانب ستة إصلاحات متقاطعة، تشمل تسريع رقمنة التجارة الخارجية، دعم صادرات الصناعات التقليدية، الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلى جانب إحداث مكاتب جهوية جديدة لمواكبة المقاولات في عمليات التصدير بمختلف جهات المملكة.

ويؤكد خبراء اقتصاديون تحدثوا لـ«إرم بزنس» أن هذه الخريطة تأتي في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحولات متسارعة، تفرض على الدول النامية تطوير منظوماتها التصديرية والتكامل الصناعي، وهو ما يعكس إدراك المغرب لأهمية التجارة الخارجية كرافعة أساسية للنمو الاقتصادي.

تنشيط الاقتصاد

يرى الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، أن خريطة طريق التجارة تمثل تحولاً نوعياً في الرؤية الاقتصادية للدولة، حيث لم تعد التجارة الخارجية مجرد أداة لدعم النمو، بل مكون استراتيجي لبناء اقتصاد متوازن وأكثر اندماجاً في السوق الدولية.

ويشير جدري في تصريح لـ«إرم بزنس» إلى أن رفع قيمة الصادرات بما يزيد على 80 مليار درهم في 3 سنوات سيسهم بشكل مباشر في تحسين ميزان المدفوعات وتقليص العجز التجاري، ومن ثم تعزيز احتياطي المغرب من النقد الأجنبي، ولا سيما في ظل ارتفاع كلفة الواردات.

خلال العام 2024، ارتفع العجز التجاري في المغرب إلى 306.47 مليار درهم، بزيادة 7.3% مقارنة بالعام السابق، وذلك بحسب بيانات مكتب الصرف التابع لوزارة الاقتصاد والمالية والمكلف بإحصاء المبادلات التجارية والاقتصادية مع الخارج.

كما تظهر بيانات بنك المغرب المركزي، أن الاحتياطات الرسمية من العملات الأجنبية بلغت 368 مليار درهم (36.7 مليار دولار)، حتى الـ17 من يناير الماضي؛ ما يعادل أكثر من خمسة أشهر من الواردات.

توسيع قاعدة المصدرين

يعتقد جدري أن توسيع قاعدة المصدرين سيوفر بيئة تنافسية تشجع على الابتكار، وتدفع نحو تنمية الصناعات المحلية ذات القيمة المضافة العالية؛ ما سيؤدي إلى تنشيط الدورة الاقتصادية ورفع وتيرة التشغيل، خصوصاً في المناطق الصناعية الناشئة.

وبحسب البرنامج المعلن للخريطة، فإن أحد الأهداف المحورية لها يتمثل في الانتقال من تصدير المواد الأولية إلى تصدير المنتجات المصنعة عالية الجودة، خصوصاً في القطاعات الواعدة، مثل: السيارات، والطيران، والصناعات الغذائية، والنسيج، والمنتجات المرتبطة بالطاقة المتجددة.

أهداف واقعية أم طموح مفرط؟

ورغم الطموحات الكبيرة التي تحملها خريطة طريق التجارة الخارجية، فإن بعض المراقبين يرون أن تحقيق 76 ألف وظيفة مباشرة في ظرف ثلاث سنوات يتطلب تفعيلاً سريعاً وفعّالاً لكل المكونات المعلنة، وتعاوناً وثيقاً بين القطاعين العام والخاص.

وفي هذا الصدد، يؤكد رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة رشيد الساري في حديثه مع «إرم بزنس»، أن النجاح في خلق هذا الحجم من الوظائف يستوجب بيئة استثمارية محفزة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، إضافة إلى توفير التمويلات المناسبة للمصدرين الجدد، والتقليل من التبعية للأسواق التقليدية.

تطوير الصناعات التصديرية

يوضح الساري، أن توجيه دعم حكومي مباشر نحو تطوير الصناعات التصديرية، خصوصاً عبر إنشاء مكاتب جهوية، سيساعد على تقليص الفوارق الجهوية وتحقيق تنمية اقتصادية أكثر شمولاً، وإنعاش الاستثمارات الصناعية، وخلق فرص عمل تتماشى مع الكفاءات المحلية.

وتضاعفت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة للصناعة في المغرب 3 مرات خلال العقد الأخير، إذ بلغت 16.5 مليار درهم خلال عام 2024، فيما تم توفير 1868 مشروعاً صناعياً، منذ عام 2014 وحتى بداية شهر يونيو 2025، وفق تصريحات وزير الصناعة والتجارة المغربي، رياض مزور، في الـ12 من يونيو الجاري.

تقليص العجز التجاري

يتوقع الساري أن تسهم الخريطة في تقليص عجز الميزان التجاري تدريجياً، وتعزيز الصلابة الاقتصادية أمام الصدمات الخارجية، ولا سيما بعدما ارتفع العجز التجاري في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2025، بنسبة 22.8% على أساس سنوي إلى 109 مليارات درهم ( 11. مليار دولار).

ويؤكد أن البرنامج الجديد للخريطة سيكون عاملاً محورياً في بلوغ أهداف التشغيل والاستثمار، كما يعكس التزاماً عملياً برؤية المملكة 2023-2030 التي تركز على تنمية الصادرات التي ارتفعت بشكل غير مسبوق خلال العام الماضي مسجلة 455 مليار درهم (45.5 مليار دولار) بزيادة 5.8% مقارنة بعام 2023، فضلاً عن تحسين قدرة الاقتصاد المغربي على المنافسة عالمياً.