هل يوجه “بنيامين الثاني” إسرائيل نحو أزمة سياسية واجتماعية؟

هل يوجه “بنيامين الثاني” إسرائيل نحو أزمة سياسية واجتماعية؟

أمد/ مفهوم “التماسك / التفكك” وتطبيقاته على المستويين السياسي والاجتماعي داخل إسرائيل

تبحث القوى الأكثر تطرفا في إسرائيل دوما عن خطر خارجي يؤجل الخلافات الداخلية ويزيد منسوب التماسك في مواجهة شبح الانقسام والصدام الشامل.. فما الذي جنته وما الذي أخفقت فيه وإلى أين تقود إسرائيل في المستقبل القريب والمنظور؟ وهل بنيامين نتنياهو – تحديدا- يقود أنصاره وربما إسرائيل كلها لحرب أهلية على غرار تلك التي وردت في سفر الخروج (توضح تستر سبط بنيامين على مجرمين قتلوا ببشاعة إمرأة حلت ضيفة عليهم مع زوجها، ثم رفض قادة السبط تسليم المجرمين مما أدى لاندلاع حرب أهلية استمرت لثلاث جولات أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من بني إسرائيل وفناء سبط بنيامين) أم سيتمكن كثعلب عجوز من المناورة بميكافيلية قد تنقذه أيضا من السقوط وربما السجن؟ 

لا يمكن القول بأن خسائر إسرائيل منذ ديسمبر 2022 حين تولت حكومة الخراب الحالية في إسرائيل مقاليد الأمور تعد تكتيكية أو أنها نالت من نتنياهو وأسرته أو حتى حزبه ومعسكره فقط.. فإلى أين تسير الأحداث حاليا في قلب وعقل إسرائيل ؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة؟

تمهيد:

يُعد مفهوم “التماسك/التفكك” من المفاهيم المركزية في علم الاجتماع السياسي، وسيفيد كثيرا الاستعانة به لدراسة بنية إسرائيل المتعددة والمتنازعة، خاصة وأنها تخلط الدين بالسياسة منذ تأسيسها، وتستغل الدين وتسيء إليه. ولا تراعي التنوع الإثني، والسياسي في نموذج أقرب لنموذج نظام بريتوريا العنصري قبل سقوطه. وهو المصير الذي تحاول تل أبيب -بقيادة بينامين نتنياهو- الفرار منه؛ باللهث وراء خطر خارجي يؤجل الانفجار الداخلي ولو لبعض الوقت.  فهي تواجه بالفعل أحداثا غير مسبوقة، انعكست على حديث داخلي متكرر عن مخاطر اندلاع حرب أهلية، وتبادل اتهامات بشأن المسؤول عن اندلاعها واشعالها.. وهو ما تم التعبير عنه بتسريبات وتسريبات مضادة وسلسلة من الاقالات وقت الحرب لقادة المستوى العسكري بالكامل. وهو ما جعل هاارتس.. تتحدث لأول مرة وفي صفحتها الأولى بشكل متعاطف ضحايا غزة .. منوهة إلى أن “الجميع في غزة فقدوا أقارب أو ممتلكات”.. رافعة شعار “لا للحرب.. نعم للمحتجزين”.. وسط مطالبات للقادة العسكريين بالتدخل. وهو ما سبق وأن عبر عنه وزير الدفاع المقال يؤاف جالانت حين قال أن أمن إسرائيل الشامل، ومقاومة الانقسام الداخلي ورفضه يعد من مهام وزير الدفاع المباشرة. يضاف لذلك أن الجنرال المُقال -الذي أعادته المحكمة لمنصبه كمدير للاستخبارات الداخلية- رونين بار تحدث عن مخاوفه من تعرضه لمحاولة اغتيال أو إعدام!

يلاحظ المراقب أن دوائر صنع القرار في تل أبيب انتقلت بعد نحو عامين في سدة الحكم من يمين متطرف يرفع شعارات وأفكار جابوتنسكي زعيم تيار الصهيونية التنقيحية، إلى أفكار مائير كاهانا.. مؤسس حركة كاخ الإرهابية وفق القانون الإسرائيلي نفسه!

ونرى أن إسرائيل كانت تعاني من انقسامات الهوية وهو ما اشار لتفاصيله مبكرا د. رشاد الشامي في “إشكالية الهوية في إسرائيل” الصادر عن عالم المعرفة. فهناك دوما تفرقة بين مهاجرين جدد وقدامى وبين شرقيين وغربيين .. ومتدينون حريديون ومتدينون قوميون وعلمانيون.. وأصحاب بشره سمراء من أصول أثيوبية .. وبين يهود و”عرب” في اشارة لمواطنين من فلسطيني ال48 يحملون الجنسية الإسرائيلية ويلتزمون بقوانين الدولة دون التمتع بحقوق كاملة.  

 تلقت بسبب اجراءات وقرارات حكومة أقصى اليمين الإسرائيلية تلك صدمات موجعة سياسيا واجتماعيا سنتناولها في السطور التالية.

أولا سياسيا:

ترتكز الصهيونية السياسية (التيار الرئيسي للصهيونية بقيادة تيودور هرتزل في مقابل التنقيحية لجابتونسكي، وأيضا الدينية، والثقافية، والعملية.. وغيرها من التيارات الداخلية للصهيونية) على حشد وضمان تأييد قوى عظمى تحمي المشروع الصهيوني .. وهو ما بات محل تشكك حاليا وسيكون له آثاره السياسية والاجتماعية.. فقد تخلى ترامب بسرعة لافتة للنظر عن مشروع/ مقترح/ رؤية “التهجير” من غزة التي طرحها -بكل ثقة- على مصر والأردن.. ثم زعم بأنه ليس من الضرورة أن تتحمل القاهرة وعمان فقط هذا العبء وأن هناك 10 عواصم أخرى -لم يسمها- جاهزة لاستقبال الفلسطينيين!! ثم سرعان ما نفي أن يكون لديه نية ل “أخذ غزة” أو فرض تهجير على الفلسطييين!! وهو بهذا يدير ظهره لأحلام بنيامين نتنياهو بعد مواقف قوية رسمية وشعبية مصرية رافضة للتهجير وحشد عربي مساند.. وبلورة خطة مصرية لإعادة الإعمارة دون تهجير. بجانب دخول واشنطون في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين وحماس.. أسفرت عن اطلاق سراح جندي جيش الاحتلال حامل الجنسية الأمريكية الأخير على قيد الحياة في غزة.. بعد نحو 600 يوم في الأسر، واجبار حكومة نتنياهو على تدشين جولة تفاوض في اليوم التالي في الدوحة، وعدم زيارة ترامب لإسرائيل في جولته الأخيرة في المنطقة.

ضاعف من هواجس تل أبيب في هذا الصدد تخلي ترامب ومصفوفات داخل الإدارة الأمريكية عن الحليف الاوكراني الرئيس فولوديمير زيلنسكي على غرار ما حدث منذ عقود في فيتنام وسقوط سايجون المدوي، والتخلي عن الأنصار في أفغانستان في مواجهة طالبان، حيث تلقى الرئيس الأوكراني هجوما علنيا مهينا وتوبيخا غير مسبوق.

وعلى رأس قائمة الخسائر السياسية التي تسببت فيها حكومة بينامين نتنياهو تحولات ومراجعات في مواقف دول كانمت داعمة لإسرائيل ولسرديتها في غزة.. حيث تبنت فرنسا مواقف متقدمة لدعم القضية الفلسطينية والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقبلية ودعم الخطة المصرية للإعمار دون تهجير. وهي المواقف التي عبرت عنها تصريحات، وزيارات التي قام بها ماكرون في مصر موجعة ومثيرة للكدر لأن فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن وكان صوتها فارق عند التصويت على تأسيس إسرائيل.. وهي من شاركت في العدوان الثلاثي 1956مع تل أبيب ولندن، وهي من منحت إسرائيل الركن الأساسي في مشروعها النووي متمثلا في تشييد وتشغيل مفاعل ديمونة. 

يجدر بنا الاشارة إلى أن إسرائيل حاولت كثيرا أن تروج لسردية مفادها أنها واحة الديمقراطية في المنطقة وأنها فيلا وسط إحراش.. لكن على المحك تبين وجود فساد مستشري وتلوين للأخبار في الإعلام وشيطنه للآخر طوال الوقت.. فضلا عن تكبيل صلاحيات القضاء، رغم أنه القريب الوحيد على الحكومة باعتبار أن البرلمان (الكنيست) تسيطر عليه عناصر الائتلاف الحكومي، ولذا توجهت سهام الحكومة نحو المحكمة العليا التي كان من حقها أن تقضي بعدم معقولية قرار حكومي، أو ترفضه لكون مشوب بتعارض المصالح. 

ثانيا اجتماعيا:

ضربت اجراءات وتصرفات حكومة بنيامين مساعي خلق شرق أوسط جديد فيه تعاون اقتصادي وأمني ومائي بالطبع تقوده وتخطط له إسرائيل ضربة موجعة، وجعلت من الصعب حاليا الوصول حتى إلى مرحلة اسحق رابين وشيمون بيريز؛ حين كانت العلاقات متميزة عواصم عربية مؤثرة بعد تأثر العلاقات مع مصر والأردن بالسلب.. ومحاولات إسرائيلية متكررة لفرض التهجير أو تحقيقه بالابتزاز وكيّل الاتهامات. وسط رشقات صاروخية متبادلة من اليمن والعراق ولبنان وإيران لأول مرة وكأننا أمام شرق أوسط قديم.. وانحدر الحال إلى حد أن ضباط وجنود يتم ملاحقتهم وتهريبهم بشكل مهين من بلدان غير عربية وغير إسلامية.. بمعنى أن مقولة “العالم كله ضدنا” باتت تنطبق على الداخل الإسرائيلي، حيث يشيطن نتنياهو وأنصاره القضاء والمستوى العسكري والأجهزة الاستخباراتية. وهو ما يجعل الاوضاع الاجتماعية في إسرائيلية طاردة للبشر.. ويجعل إسرائيل تتعرض لنزيف عقول، وهجرة عكسية .. في تخصصات نادرة على رأسها الطب وخبراء الحاسب الآلي. وبعد موجات من التخوين .. فقد المجتمع الإسرائيلي ركائز محددة منها:

-المزاعم بشأن إعلاء قيمة الفرد .. وعدم التخلي عن أسير أو مصاب. حيث تم التخلي عنهم، بل وقصفهم بشكل عشوائي بأسلحة ثقيلة تطلقها دبابات وطائرات لصد الاختراق الشامل لحدود ال48 بعد انهيار فرقة غزة.. والشرطة الإسرائيلية وعناصر تأمين الكيبوتسات في ساعات قليلة أمام هجوم المقاومة.

-سقوط قيمة الردع حيث تجرأت فصائل أو عناصر محدودة الإمكانيات على استهداف منزل رئيس الوزراء والوصول إليه بالفعل رغم وجود منظومات دفاع جوي تم الترويج لقدراتها لسنوات، وهو ما ينطبق على استهداف المقاومة للقدس وتل أبيب برشقات صاروخية .. حتى بعد مرور عام ونصف من العدوان على غزة وما صاحبه من تصريحات بشأن القدرة على النصر التام وتحرير كل المحتجزين والأسرى.

– سقوط هيبة سلاح الطيران والاستخبارات الإسرائيلية والتفوق التقني الذي يسمح باستشراف القادم أو رصده فور حدوثه بالفعل.. أو حسم المعارك بالطيران خلال وقت وجيز.. خاصة وأن الهدف ملاصقة لأراضي ال48 ولا يحتاج إلى لوجيتسيات معقدة. 

اجتماعيا أيضا يمكن الاشارة إلى مرارة تشعر بها شرائح معينة داخل المجتمع الإسرائيلي تعاني حاليا من تقتير هنا وسفه وإسراف هناك، فقد رصدت تلك الشرائح والمقصود تلك الأغلبية العلمانية التي تخدم لأيام وشهور طويلة في العام في خدمة الاحتياط تاركة أسرتها وعملها ومعرضة نفسة لخطر الموت أو الاصابة.. مع رفض كامل لمطلبها تجنيد الجميع (حتى يتم توزيع الأعباء بشكل أكثر انصافا وتقل عدد أيام الخدمة في الاحتياط) وهو ما يتعلق أيضا بمطلب إعادة إعمار التجمعات السكنية التي تضررت .. من 7 أكتوبر حيث لم تقر الحكومة الميزانيات التي تسد حاجاتهم ومطالبهم.

وهو ما تصوره بعض الصحف في إسرائيل على أنه سطو علني بحماية الحكومة.. حيث عبر عن هذا رسام كاريكاتير جريدة هاارتس برسم يبدو فيه سموتريتش وزير المالية كشرطي يطلب من المواطنين .. عدم ازعاج ما يصفه هو نفسه بأنه “سطو على أموال الدولة” على يد أعضاء الائتلاف من المتدنيين وعلى رأسهم آرييه درعي ومالكا استروك!!

وفي المقابل نجد أن احتمالات التماسك تقوم على الإلهاء عن أي معارك جانبية في ظل وجود خطر خارجي داهم.. والواقع أنه في زمن الحرب .. رفض شريحة من الرجال الإسرائيليين اليهود الحرب. لكنها تصطدم باقالات في زمن الحرب وتبادل اتهامات وتخوين. وهو ما كان له وسيظل آثارا لا يمكن توقع أبعادها الكاملة حاليا.

محاولات التماسك من قبل نتنياهو: ارتكزت جهود نتنياهو الساعية لخلق حد أدنى من التماسك أو توفير مسكنات لأزماته السياسية والاجتماعية الطاحنة.. على الحرب النفسية على طريقة اطلاق شائعات مفادها أن إسرائيل قررت بل وبدأت بالفعل في “إغراق الأنفاق” في غزة بمضخات مياه، أو من خلال مقولة: “سنصل للسنوار وقيادة حماس داخل مستشفى الشفاء”، أو الزعم بأنه: “سنصل إليهم في رفح..” أو” السنوار هرب إلى سيناء”، و”النصر التام على بعد خطوة واحدة..”، أو “من بين 24 كتيبة للمقاومة متبق كتيبتان فقط.. وسيتم تدميرهما”. فكل هذه المزاعم والاشاعات كان هدفها اجبار المقاومة أو مصر على تغيير تكتيها ومواقفها أو القيام بعمليات واجراءات سريعة عشوائية وغير محسوبة وغير مخطط لها.. ويمكن هنا الاشارة إلى أن مهاجمة مصر، ومحاولة ابتزازها كان الهدف منه هو أن تضغط بدورها على المفاوض المقاوم أو تراجع موقفها الرافض للتهجير.. وتصفية القضية الفلسطينية. 

وهو ما اتضح كذبه بالكامل مما يعني أن نتنياهو استنفذ كل الأسهم التي في جعبته.. وأضع كل الفرص التي منحتها له إدارة بايدن ثم إدارة ترامب ذاته.. وأن مقولة ” لتحرق اسرئيل.. سأغادر أن وأسرتي للولايات المتحدة طالما لا تقدرون زعيم كبير بحجم نتنياهو” والتي اطلقته سارة نتنياهو شريكة الحكم غير المنتخبة.. في تصريحات سابقة تعكس مكنونات ما يدور في عقلية تلك الأسرة وفرص نجاحها شبه المعدومة في فرض رؤيتها على الجميع. 

من بين محاولات الإلهاء ومن أبرز مظاهر الحرب النفسية التي حاول نتنياهو أن يستفيد منها لشق صف الآخرين والسعي لتماسك إسرائيلي داخلي: سقوط الترويج إلى قدرات رئيس أركان جيش الاحتلال الجديد وتصويره على أنه نمر يمني (لأنه يمني الأصل).. وأنه سيغير حال جيش الاحتلال ويفرض ارادته على حماس وحزب الله بسرعة، حيث تبين العكس حيث أظهر قوته وقدراته فقط على وزير الدفاع (مترهل الجسد قليل الخبرة) .. الإسرائيلي وضد المقاومة..  حين اشتبك مع وزير الدفاع وقال له: لا اتلقى تعليمات عبر وسائل الإعلام، وهو ما جعل وزير الدفاع يرد بقوله : أمرر التعليمات بالوسيلة التي أراها جيدة. أي أن الأزمة كانت حادة وغير مسبوقة. وعلى نفس المنوال يمكن الاشارة إلى تصريحات رئيس الأركان الجديد بشأن نقص الموارد البشرية.. وهذا يطرح السؤال كيف ومن أين ستوفر إسرائيل جنودا لتحارب للأبد في غزة ولبنان وسوريا واليمن وبالطبع في الضفة الغربية؟!

السيناريو الأكثر ترجيحًا:

إلى أين ستؤدي حالة الاحتقان الحالية وهل هناك فرصة للتماسك المستقبلي؟ نرصد في محاولة للاجابة على هذا السؤال استمرار حدة المظاهرات والاعتصامات ودخول مؤسسات تعليمية خطير.. والأخطر انضمام الهستدروت وشل اقتصاد إسرائيل المنهك من الأساس.

وعلى هذا قد يكون من بين سيناريوهات إسقاط نتنياهو ضغط الشارع والانتخابات المبكرة نتيجة استقالات تؤدي لفقدان الأغلبية. أو استقالة نتنياهو تحت ضغط جيش الاحتلال والمؤسسات الأمنية  ومن الواضح أنه تمارس حاليا ضغوطًا غير مباشرة على الحكومة الإسرائيلية في هذا الصدد عبر تسريبات أو تصريحات قادة الجيش المتقاعدين. وقد  تدخل المحكمة العليا وإجراءات قانونية ضد نتنياهو.. على أرضية مواجهة نتنياهو اتهامات بالفساد منذ سنوات، والمحاكمة ضده مستمرة.

نظريا وفي واقعة غير مسبوقة قد تقرر المحكمة العليا أن قرارات نتنياهو غير دستورية أو تنتهك القوانين، وتجبره على الاستقالة. أو تكليف قائم بعمله. كما يمكن أن تنهار الحكومة بسبب رفض الجيش تنفيذ الأوامر.

وغير مستبعد أيضا في حالة إصدار نتنياهو أوامر أمنية يعتبرها الجيش خطيرة أو غير قانونية (مثل تصعيد مفاجئ في غزة أو قرارات قمعية ضد المتظاهرين)، قد يرفض بعض القادة تنفيذها. لينضموا بذلك إلى ألف من عناصر سلاح الطيران .. ذو الأهمية البالغة لجيش الاحتلال وأكثر من ألف متضامن من أسلحة أخرى .. وهو ما يستدعي للأذهان احتجاجات ظباط وجنود احتياط ضد بيجين بقيادة حركة السلام الآن في 1982 والتي أسفرت عن استقالة بيجين.. ورحيله الكامل والنهائي عن المشهد. هذا قد يؤدي إلى أزمة دستورية داخل إسرائيل وقد يسرّع انهيار الحكومة، نظرا لأن ما يحدث الآن هو أقرب إلى تمرد مدني واسع قد يؤدي إلى إسقاط نتنياهو بوسائل سياسية أو قضائية، وليس انقلابًا عسكريًا وهو ما تسميه سارة نتنياهو ويائير نتنياهو إنقلاب، ويسميه نتنياهو: “ديب ستات” في اشارة إلى دولة عميقة تعاديه!

خاتمة:

في تقدير كاتب هذه السطور فإن العدوان الشامل على الشعب الفلسطيني منذ ديسمبر 2022 والذي تفاقم بشكل بربري مع 7 أكتوبر 2023 كان له ارتداته الموجعة في الداخل الإسرائيلي سياسيا واجتماعيا بمعنى أن كل دانة دبابة تم إطلاقها أو قنبلة تحوي آلاف الكيلو جرامات من المتفجرات تم اسقاطها على منازل غزة ومبانيها الخدمية ضربت أيضا ركائز روج لها الاحتلال لعقود وأصابت النسيج الداخلي المهتريء.. باصابات واسعة وقاتلة.

ولا يمكن تقدير مدى وايقاع هذه الارتدادت ، لكنها باتت منظورة على المدى القريب .. ومن غير المستبعد أن تحدث زلزال حقيقي في المشروع برمته..نظرا لأنه: لا يوجد دستور .. ولا يوجد عقد اجتماعي بالمعنى المتعارف عليه.. هناك فقط قوانين أساسية، واتفاق الوضع الراهن بين العلمانيين والمتدنيين والذي تجاوزه الزمن حيث يرى كل معسكر أنه أصبح غير مناسب وغير منصف.. ولا يلبي طموحاتهم ولا يتناسب مع ميزان قوتهم الحالية مقارنة بالأطراف الأخرى.

وبالنظر لدروس التاريخ نجد أن ما يحدث حاليا من تخوين متبادل وفقدان للثقة في القيادة ورفض للخدمة العسكرية والتضحية بالأسرى وبحياة الجنود والضباط بدون تحقيق أي هدف.. تعد أمور أخطر بمراحل من تلك الأسباب والحيثيات التي أدت إلى ثلاث جولات من القتال الداخلي المرير بسبب رفض سبط بنيامين تسليم قتلة .. سفكوا بوحشية دماء إمرأة حضرت إليهم بصحبة زوجها. وتجاوز إجالي عدد القتلى 70 ألف وأسفر في النهاية عن فناء سبط بنيامين تقريبا. (للمقارنة يمكن الاشارة إلى أنه في كل حروب إسرائيل سقط نحو 23 ألف قتيل تقريبا).. وقد تكرر المشهد بشكل موسع حين انقسمت مملكة سليمان سريعا إلى إمارتين شمالية وجنوبية فقط للتهرب من دفع الضرائب. 

وفي ظل معارك إعلامية وقضائية واقتصادية طالت قائمة طويلة من دول العالم من تركيا إلى جنوب أفريقيا واسبانيا وبولندا باتت مقولة العالم كله ضدنا متحققه ولها تبعات ثقيلة على الداخل الإسرائيلي.

يلاحظ المراقب للداخل الإسرائيلي إلى انخفاض منسوب اندماج الأفراد داخل بنية اجتماعية واحدة، وظهور خلافات لا يمكن تجاوزها في الرؤى بشأن منظومة القيم والسياسات التي تُنظم العلاقات فيما بينهم؛ ناهيك عن عدم وجود حد أدنى من الاتفاق على شرعية النظام السياسي ومصداقيته، وتماسك مؤسسات الدولة وجهوريتها وقدراتها مما يجعل سيناريو التصدع داخل المجتمع والبنية السياسية والأمنية بالتالي هو السيناريو الأقرب.. بكل ما يمهد له من توتر، عنف، قد يفجر حرب أهلية. ومن حيثيات هذه الرؤية استمرار سيطرة حالة التفكك والاستقطاب الأيديولوجي الحاد فبعد حالة من الشلل واعادة الانتخابات للمرة الخامسة في نحو عامين، وعدم الاستقرار الحكومي.

في المقابل يمكن القول بأن تجاوز هذه التوترات الداخلية وتعزيز العوامل التي تدعم التماسك وتقاوم قوى التفكك في إسرائيل تتطلب:

إزاحة القيادة الإسرائيلية التي أوصلت المشهد إلى حالته الراهنة.. معتقدة أنها ستستفيد منه أو أنها معركتها الأخيرة قبل الاعتقال والمحاكمة.

معالجة القضايا الجوهرية التي تثير الانقسام، مثل الصراع الفلسطيني وهل سيفيد أمن المواطن الإسرائيلي ابرام سلام عادل مع الفلسطينيين وإعادة الضفة وغزة لهم، أم ودور الدين في الدولة، والفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز قيم التسامح والمساواة والعدالة الاجتماعية.

الارجح حاليا في ضوء المعطيات المتوافرة أن تتعرض إسرائيل – إذا ما تشبثت بسياسات التهجير والابادة والتجويع والنهم لضم مزيد من الاراضي في الضفة وغزة ولبنان وسوريا (ومخخطاتها لتصدير خلافات داخلية للشارع الفلسطيني والعربي بدلا من السعي لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية) لتسونامي نقيض التماسك وأن يعتريها حالة تصدع داخل المجتمع أو بين مكوناته على مستوى الهوية التي كانت تعول على التعليم وعلى الخدمة العسكرية كبوتقة يمكن فيها صهر الخلافات والثقافات المتباينه والمصالح المتعارضة.. لكن تبين أنها لم تساهم كثيرا في تماسك المجتمع الذي عانى من هجرة عكسية في ظل وجود مؤسسات تعليمية متباينه في الميزانيات والتوجهات، وفي ظل اصرار الحريديم على رفض الخدمة العسكرية حتى في زمن الحرب.

 وهو ما عبر عنه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، وعراب “خطة الجنرالات” لتفريغ شمال قطاع غزة، الجنرال جيورا آيلاند في أحدث حواراته لمعاريف حين قال: “في اللحظة التي اعتقدت فيها إسرائيل أن الضغط العسكري فقط هو الذي سيجلب النصر، خسرت، ونتنياهو يراوغ حتى لا تجرى انتخابات في إسرائيل”.

وهو ما يعني في النهاية اصرار بنيامين نتنياهو على تكرار أخطاء سبط بنيامين مما سيكون له تبعات خطيرة على مستقبل إسرائيل في المدى المنظور ويقضى على أية محاولات لإيجاد حد أدنى من التماسك سياسيا أ وحتى اجتماعيا.

قائمة بأهم المراجع:

رشاد عبد الله الشامي، إشكالية الهوية في إسرائيل- عالم المعرفة، الكويت ، العدد 224، أغسطس 1997.

أحمد فؤاد أنور، “مآلات عودة التأييد الداخلي الإسرائيلي لنتنياهو على غزة واستقرار المنطقة”، شؤون عربية، العدد 199 (خريف 2024).

صحيفة هاارتس https://www.haaretz.co.il/opinions

صحيفة معاريف https://www.maariv.co.il/news/military/article-1189098

موقع العين السابعة https://www.the7eye.org.il/