هل تستطيع الدول العربية التوحد؟

أمد/ سؤال “هل الدول العربية قادرة على الاتحاد؟” ليس مجرد تساؤل نظري، بل هو اختبار عملي لطبيعة العلاقة بين الدول العربية في عالم يميل نحو التكتلات والتحالفات الإقليمية. فبين الحنين إلى مشروع الوحدة، والواقع السياسي المعقد، يبقى هذا السؤال مطروحًا بإلحاح، خاصة في ظل التحديات المشتركة التي تواجهها المنطقة.
معوّقات موضوعية
الواقع يشير إلى أن هناك جملة من العوامل التي تعيق تحقيق اتحاد عربي فعّال. أولها التباين في النظم السياسية: بين الملكيات والجمهوريات، والأنظمة المركزية واللامركزية، ما يجعل من الصعب الاتفاق على رؤية موحّدة. ثانيًا، التفاوت الاقتصادي الكبير بين الدول العربية، وغياب سياسة اقتصادية مشتركة، يفرضان تحديات حقيقية على أي محاولة للوحدة.
كما أن الصراعات البينية، والتوترات السياسية، وانخراط بعض الدول في محاور إقليمية متضادة، تعمّق الانقسام وتُضعف فرص التنسيق الجماعي. أضف إلى ذلك التدخلات الأجنبية، التي غالبًا ما تُغذّي هذه الانقسامات، وتوظفها لمصالحها الجيوسياسية.
مؤشرات إيجابية
رغم ذلك، هناك إشارات تدل على إمكانية تعزيز العمل العربي المشترك. فتجربة مجلس التعاون الخليجي أظهرت أن التنسيق الإقليمي ممكن حين تتوفر الإرادة السياسية المشتركة. كما أن الأزمات الكبرى، كجائحة كورونا أو الحروب الإقليمية، دفعت بعض الدول للتعاون في ملفات الصحة والطاقة والأمن.
وتبقى بعض المؤسسات العربية المشتركة، مثل الجامعة العربية والبنك العربي للتنمية، أطرًا قابلة للتطوير، إذا ما حظيت بالدعم والتحديث الهيكلي.
هل الاتحاد ممكن؟
الاتحاد الكامل، على غرار الاتحاد الأوروبي، قد لا يكون واقعيًا في الظروف الحالية. لكنه ليس مستحيلًا على المدى الطويل إذا تم بناء الثقة المتبادلة، ووضعت أسس تعاون تدريجي في ملفات محددة كالتجارة والتعليم والطاقة. التدرج في العمل العربي المشترك قد يكون أكثر فاعلية من القفز نحو مشروع وحدوي شامل في ظل التباينات القائمة.
خاتمة
الاتحاد العربي ليس حلمًا مستحيلًا، كما أنه ليس مسألة عاطفية فقط. هو مشروع يحتاج إلى إرادة سياسية، وتكامل اقتصادي، ووعي شعبي، وخطوات واقعية تبدأ من الأرض، لا من الشعارات. والأهم أن يتم احترام الخصوصيات القطرية، دون أن يكون ذلك عائقًا أمام بناء مستقبل مشترك يقوم على المصالح والتحديات المشتركة.
هل العالم العربي مستعد لذلك؟ الجواب يعتمد على ما ستفعله القيادات والنخب في السنوات القادمة، وما إذا كانت الشعوب قادرة على دفع الأمور نحو وحدة واقعية لا شعاراتية.