أدب الفظائع…!

أمد/ منذ أكثر من 610 يومًا، وغزة تختنق تحت ركام البيوت، ويمشي سكانها في جنازاتهم بلا توقف، على وقع مجازر تُرتكب أمام شاشات العالم، دون خجل أو مساءلة.
المجزرة لم تعد حدثًا طارئًا، بل صارت نظامًا مستمرًا يُعيد إنتاج الموت كل صباح، وينهش ما تبقى من إنسانية الإنسان.
في مثل هذه اللحظات، تنكسر السياسة، ويتلعثم الإعلام، فتتقدم الكلمة الحرة، لا لتواسي، بل لتشهد.
إنه أدب المجازر، حيث تتحول القصيدة إلى شاهد قبر، والمقال إلى وثيقة إدانة، والرواية إلى أرشيف للدمع الذي لم يجف بعد.
لا نتحدث هنا عن بلاغة اللغة، بل عن بقاء الحقيقة.
من دير ياسين إلى كفر قاسم، ومن صبرا وشاتيلا إلى مخيم جنين، وصولًا إلى غزة اليوم، ظل الأدب الفلسطيني والعربي صوتًا ضد المحو، ضد التزييف، ضد النسيان.
لقد قاومت الكلمات المجازر حين صمتت العواصم، ودوّنت أسماء الضحايا حين محتها البيانات السياسية.
لكن، هل نُقلت الحقائق كما ينبغي؟
هل استطاعت الصحافة والأدب أن يرفعا الغطاء عن كل جريمة، وأن يسمّيا القاتل والمجرم؟
الجواب المؤلم: ليس بعد.
فلا تزال كثير من الروايات تُروى بلغة غامضة، وتحفّظات دبلوماسية، وبعض وسائل الإعلام تصف المجزرة بـ”العملية”، والضحايا بـ”القتلى”، والقاتل بـ”الجيش”.
إن هذا التواطؤ في اللغة هو امتداد للتواطؤ في الموقف، وإنقاذ للجلاد من محكمة التاريخ.
وحده الأدب – حين يرفض أن يكون محايدًا – ينتصر للعدالة.
وحده النص الذي يصرخ بالحقيقة، يملك أن يواجه ركام الكذب والتشويه، ويكتب ما لا تريد القوى الكبرى أن يُكتب.
إننا بحاجة إلى أدب لا يهادن، إلى شهادة لا تخاف، إلى صوت لا يساوم على دم الشهداء.
فالكلمة، إن لم تُنطق لتفضح الجريمة، قد تُستخدم لتبريرها.
في زمن المجازر، كل من يصمت شريك، وكل من يكتب بصدق مقاوم، وكل من يحوّل الألم إلى وثيقة… أمين على الذاكرة.