تأثير على الانعكاس

أمد/ كانت ليان كالزهرة التي تتفتّح في صمتٍ فتُخفي بين ثنايا روحها عشقاً دفيناً لابن خالتها كريم… لم تكن تجرؤ على البوح فالكلامُ في حضرةِ العشق الخجول قد يُفسدهُ أو يفضحُ معانيه السامية.. لكنها كانت تراقبهُ من بعيدٍ.. تلتقطُ أنفاسهُ حين يمرّ.. وتذوبُ في صوتهِ وهو يروي حكاياتهِ كما هي طبيعته.
لم تكن تعرفُ كيف تُحبّ إلاّ بصمت… فالحبُّ في نظرها كالظلّ.. موجودٌ لكنه لا يُعلن عن نفسه إلاّ عندما تتعامدُ الأشياءُ مع النور… وكان ذلك النور هو الذي أدار ظهره دون أن يدري أنه يُلقي بظلالهِ الطويلة على كلّ شيء.
كانت تراقبهُ من وراء ستائرِ الحذرِ وتتبعُ أخبارهُ.. تلتقطُ تفاصيلهُ كما تُجمّعُ النحلةُ الرحيق… صوتهُ حين يضحك، وحتى طريقةُ امساكهِ لكأس الشاي بيديه، وذلك التنهدُ الذي كان يفلتُ منهُ أحيان كثيرةٍ… كلّ هذه التفاصيل الصغيرةَ كانت تشكّلُ عالماً موازياً في داخلها.. عالماً لم يكن له وجودٌ إلاّ في مساحاتِ اللاّ قول.
لكنّ الحياة بتفاصيلها القاسيةُ لم تسمح لهذا الحبّ أن يستمرّ… ولم يكن القدر كريماً معها فقد جاء خبرُ خطبنهُ لفتاةٍ من خارج العائلة كالصاعقة… احتفل الجميعُ وزغردتِ النساءُ بينما وقفت كشجرةٍ في يومٍ عاصفٍ… تُحاولُ التمسّك بجذورها كي لا تُقتلع.
في الليلةِ التي سبقت سفرَها فكّرت ليان بأن تترك له شيئاً لا يُمكنُ قولُه بالكلمات… اشترت صباع روجٍ أحمر.. لونُه كالجرحِ النازفِ بقلبها والخفيِّ عن الجميع… استخدمتهُ لمرةٍ واحدةٍ في غرفتهِ ووضعتهُ على خزانة ملابسه وكأنها تبعثُ إليه رسالةً أخيرةً علَّهُ يفهمُ فحواها..
في اليوم التالي سافرت… وفي مساءٍ يليه وبينما كان يحضرُ نفسه للخروج عثر على صباع الروجِ ذلك والذي كان من الواضح أنهُ اُستخدم لمرةٍ واحدةٍ فقط.. تذكر حينها أنه رآها ولمرةٍ واحدة تضع روجاً واستغرب منها ذلك لأنه يدركُ تماماً أنها لا تستخدمُ أي مستحضراتٍ للتجميل!
كلم أمّه التي أخبرتهُ بالحقيقةِ التي كان يجهلها..
أخبرتهُ أنها أحبتهُ بصمتٍ ملاْ القلوب المُحبةُ ضجيجاً.. لكنهُ كان ضجيجاً صامتاً!
وقفَ كريم أمام المرآة فرأى وجهَه ينقسمُ إلى نصفين… نصفٌ ينتمي إلى الواقعِ الذي اختاره، ونصفٌ آخر يذوبُ في ذلك الحبّ الذي لم يُعطَ فرصةٌ كي يولد… وضعَ إصبعهُ على الـروجِ ثمّ مرّرهُ على خدّه كأنّه يلمسُ روحَ ليان التي ستظلّ معلّقةً في الهواء كرائحةِ عطرٍ يُذكّرُ بشيءٍ جميلٍ لم يكتمل.
أدركَ حينها أن بعضَ المشاعر لا تحتاجُ إلى أن تُعاشَ كي تكونَ حقيقية… فلو كانت الأقدارُ أكثرَ إنصافاً لكانت هي من تُلوّنُ أيامه بذلك الـروج الأحمر لكنّ الحياة في نهاية المطاف لا تسيرُ إلاّ على خطوطٍ متوازية نراها تتقاطعُ في الأفق لكنّنا نعلمُ في قرارة أنفسنا أنّها لن تلتقي أبداً.