اجتماع حول تطبيق رؤية الدولتين في نيويورك…!

اجتماع حول تطبيق رؤية الدولتين في نيويورك…!

أمد/ خطوة دولية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية كضرورة للسلام والاستقرار ….
في لحظة فارقة من اشتداد المحرقة الجارية في قطاع غزة، وتزايد جرائم الضم والتطهير العرقي في الضفة الغربية، يأتي الإعلان عن عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى لتنفيذ حل الدولتين، برئاسة مشتركة فرنسية وسعودية، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، ليعيد الزخم الدولي لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة كضرورة حتمية، لا خيارًا تفاوضيًا مرهونًا بالإرادة الإسرائيلية أو الأجندات المرحلية.
أهمية المؤتمر وتوقيته: المؤتمر، الذي يُعقد خلال أيام، يشكّل تطورًا نوعيًا في الجهود الدولية لإعادة الاعتبار لمبدأ حل الدولتين، بعد سنوات من المراوحة والتآكل السياسي والإنساني للقضية الفلسطينية، خصوصًا مع تصاعد سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وتكريسها لواقع الأبارتهايد الزاحف على الأرض.
اللافت في هذا المؤتمر ليس فقط إعادة طرح حل الدولتين، بل الإطار التنفيذي الذي يُراد منه كسر جمود العملية السياسية وتحويل الدعم الدولي اللفظي إلى فعل سياسي وقانوني مُلزم، من خلال مرجعيات الأمم المتحدة، وبتوازن جديد في الرعاية الدولية، بعيدًا عن الاحتكار الأمريكي المنحاز تاريخيًا.
الدور الفرنسي والسعودي….
رمزية ومضمون …
إن رئاسة كل من فرنسا والسعودية لهذا المؤتمر تمنحه ثقلاً استثنائيًا.
ففرنسا تمثل الضمير الأوروبي المتجدد، وقد عبّرت مؤخرًا عن نيتها الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين خلال سبتمبر القادم، ما يعكس تحوّلًا في المزاج السياسي الغربي تجاه الصراع.
أما السعودية، فبصفتها دولة إقليمية مركزية، تمثل ليس فقط البعد العربي والإسلامي، بل أيضًا ثقلًا سياسيًا واقتصاديًا قادرًا على التأثير في موازين العلاقات الدولية، خصوصًا بعد تصريح وزير خارجيتها الذي أكد التزام المملكة بإنجاح المؤتمر، ورفضها لأي حلول تلتف على الحق الفلسطيني في تقرير المصير.
وقد أضاف تصريح سفير فلسطين في الرياض، مازن غنيم، ثقة كبيرة في هذا الحراك، عندما أشار إلى أن السعودية عازمة على أن يكون المؤتمر محطة تأسيسية لمرحلة جديدة، تضمن الانتقال من خطاب “السلام مقابل السلام” إلى “الاعتراف مقابل الاعتراف”، ومن “إدارة النزاع” إلى “حل النزاع”.
من الاعتراف الرمزي إلى الترسيم السياسي:
ومن أبرز النتائج المتوقعة من المؤتمر، الدفع باتجاه موجة جديدة من الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، تبدأ بإعلان فرنسي مرتقب في سبتمبر، وقد تشمل لاحقًا دولًا أوروبية أخرى، مما يعزز شرعية الدولة الفلسطينية ويمنحها أدوات قانونية ودبلوماسية جديدة لمواجهة الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية.
كما أن هذا المسار من شأنه أن يحرّك ملف العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ويعيد صياغة الخطاب الدولي تجاه فلسطين كقضية تحرر، لا مجرد أزمة إنسانية أو “ملف تفاوضي مؤجل”.
هذا الزخم المتوقع، إذا ما تم استثماره وطنيًا بصورة موحدة وواعية، سيسهم في تعزيز المسار نحو إعلان الدولة الفلسطينية مجددًا “تحت الاحتلال”، كخيار تحرري استراتيجي، يُحمّل إسرائيل كامل المسؤولية كقوة احتلال، ويعيد بناء المؤسسات الوطنية تحت سقف الدولة، لا مجرد سلطة حكم ذاتي مرتبطة بشروط المانحين والتنسيق الأمني.
ردود الفعل وتحديات التنفيذ:
ورغم أهمية المؤتمر، إلا أن العقبات ما زالت حاضرة، وأبرزها الموقف الإسرائيلي الرافض لأي حديث عن دولة فلسطينية، واستمرار الضغوط الأمريكية الرامية إلى احتواء الحراك الدولي ضمن حدود السيطرة دون المساس بجوهر الاحتلال.
كما أن حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني تشكّل تحديًا كبيرًا أمام بلورة موقف وطني موحد يستثمر الزخم الدولي بالشكل الأمثل.
ومع ذلك، فإن المؤتمر قد يشكل مناسبة تاريخية لبدء صياغة “خارطة خلاص وطني”، تبدأ بحكومة إنقاذ تنهي الانقسام، وتعيد بناء منظمة التحرير ومؤسسات الدولة على قاعدة الشراكة والمقاومة والصمود.
خلاصة القول: الدولة ليست خيارًا بل ضرورة وجودية، في ظل الجرائم اليومية بحق الشعب الفلسطيني، وتحولات الرأي العام العالمي، لم تعد فكرة الدولة الفلسطينية ترفًا سياسيًا أو تفاوضيًا، بل أصبحت ضرورة وجودية، لإرساء السلام العادل والاستقرار الإقليمي والدولي.
إن العالم، كما الشعب الفلسطيني، أمام لحظة اختبار حقيقية: إما أن يتم الاعتراف الكامل بحق فلسطين في دولة مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، أو أن يستمر النزاع الدموي المفتوح، الذي لم يعد يُهدد فقط فلسطين، بل أسس النظام الدولي نفسه.