دور إيران في تهريب المخدرات وتأثير ذلك على الأردن

أمد/ كان لمحيطنا المضطرب خاصة في سوريا وفلسطين المحتلة دوراً كبيراً ولا زال فيما نعانيه من أزمات في الأردن، وقد كلفتنا عملية حماية الحدود وحفظ السيادة كلفة باهظة ثقيلة بسبب رفع درجات الإنذار والجاهزية على الحدود، وكذلك الاستنفار الأمني الداخلي وتبعاته القاسية، وتُعدّ تجارة المخدرات واحدة من أخطر أدوات الحرب غير التقليدية التي يستخدمها النظام الإيراني لزعزعة استقرار الدول المجاورة، وفرض نفوذه من خلال شبكات تهريب عابرة للحدود؛ وفي السنوات الأخيرة تصاعدت المخاوف في المملكة الأردنية الهاشمية من تدفق المخدرات ولا سيما مخدر الكبتاغون عبر الحدود السورية في ظل تورط ميليشيات مدعومة من طهران في هذه الأنشطة.
سوريا كنقطة انطلاق
منذ اندلاع الحرب السورية وتحول البلاد إلى ساحة نفوذ إيراني أصبحت سوريا مركزًا رئيسيًا لتصنيع وتوزيع الكبتاغون وغيره من المخدرات منخفضة التكاليف عالية التدمير، وبحسب تقارير متعددة فإن ميليشيا حزب الله اللبناني المدعومة مباشرة من الحرس الثوري الإيراني تلعب دورًا محوريًا في تأمين طرق التهريب عبر الجنوب السوري نحو الحدود الأردنية، وتُستخدم المناطق الجنوبية من سوريا مثل درعا والسويداء كممرات لعبور المخدرات إلى الأردن حيث تُنقل بكميات ضخمة باستخدام وسائل تهريب متقدمة تشمل الطائرات المسيّرة أحيانًا.. أو عبر جماعات محلية تتلقى تمويلًا وتسليحًا من شبكات التهريب المرتبطة بإيران.
الأردن في مواجهة الخطر
بسبب خطورة الموقف ومساسه بالسيادة والاقتصاد والأمن الاجتماعي تواجه الأجهزة الأمنية الأردنية ضغطًا هائلًا بسبب تكرار محاولات التهريب وتزايد حجم المضبوطات؛ فخلال العامين الماضيين أعلن الأردن عن ضبط ملايين الحبوب من الكبتاغون واشتباكات مسلحة على الحدود مع المهربين، وتشير البيانات الأمنية إلى تطور تكتيكات المهربين الذين باتوا أكثر تسليحًا وتنظيمًا ما يعكس طبيعة الجهات الداعمة لهم.
يؤكد مسؤولون أردنيون أن ما يجري ليس مجرد عمليات تهريب فردية.. بل جزءا من شبكةٍ منظمةٍ تعمل بدعم سياسي وعسكري من أطراف إقليمية على رأسها النظام الإيراني، وقد بات تهريب المخدرات تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني والاجتماعي في البلاد في ظل ارتفاع معدلات الإدمان ومحاولات زرع الفوضى.
تهريب المخدرات كسلاح سياسي
يستخدم النظام الإيراني تجارة المخدرات كأداة سياسية للضغط على دول الجوار ووسيلة لتمويل ميليشياته الإقليمية.. وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الإيراني من العقوبات والركود تمثل تجارة الكبتاغون مصدرًا مهمًا للتمويل غير المشروع، ووفق تقارير استخبارية غربية فإن الحرس الثوري الإيراني متورط بشكل مباشر في تنسيق شبكات التهريب وتوزيع الأرباح عبر وسطاء وشركات واجهة في لبنان وسوريا.
يرى مراقبون أن طهران تهدف من خلال هذه الاستراتيجية إلى خلق حالة من الفوضى والاضطراب الاجتماعي داخل الأردن الذي يمثل نقطة توازن مهمة في منطقة الشرق الأوسط.. كما تسعى إلى فتح جبهة ضغط جديدة على الدول التي تعارض مشروعها التوسعي خاصة وأن الأردن يحتفظ بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ودول الخليج.
مع استمرار السياسة الإيرانية بعد سقوط الأسد فإن المعطيات تشير إلى أن طهران لا تنوي التخلي عن استراتيجيتها التخريبية في المنطقة حتى في حال تغيّر السلطة في دمشق؛ فقد بنت إيران على مدار أكثر من عقد شبكات تهريب متغلغلة في الجنوب السوري، وهي تسعى اليوم لتثبيتها كخلاية حيوية نائمة وأدوات نفوذ دائمة لها واجباتها وأهدافها بغض النظر عن هوية الحاكم في سوريا.
يؤكد محللون أن الحرس الثوري الإيراني يعمل على نقل خبراته إلى ميليشيات محلية وجماعات إجرامية لضمان استمرارية تدفق المخدرات والأسلحة، واستغلال المناطق الحدودية كوسيلة للابتزاز السياسي والأمني ضد الدول المجاورة وفي مقدمتها الأردن.
جهود أردنية وتحذيرات إقليمية
رغم الجهود الأمنية الكبيرة التي يبذلها الأردن.. فإن حجم التهديد يتطلب تنسيقًا أوسع على المستويين الإقليمي والدولي، وكذلك إلى تكثيف التعاون مع الدول المجاورة خصوصًا العراق والسعودية من أجل مواجهة شبكات التهريب وتفكيكها من المصدر.. كما ناشدت الحكومة الأردنية بدورها المجتمع الدولي مرارا وتكراراً لممارسة ضغط أكبر على النظام الإيراني لوقف دعم الميليشيات المتورطة في تجارة المخدرات، وتؤكد تقارير إعلامية أن العشائر السورية في الجنوب بدأت تعاني من تبعات تفشي تجارة المخدرات الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من الانفلات الأمني.
ختاماً..
إن الدور الإيراني في تهريب المخدرات وخاصة نحو الأردن لم يكن ولم يعد خفيًا.. حيث يستخدم هذا النظام هذا السلاح الخبيث لتوسيع نفوذه وبث الفوضى في دول الجوار لهدمها، وبينما تسعى عمان للحفاظ على أمنها واستقرارها تواجه تحديات متصاعدة تتطلب استراتيجية شاملة تشمل المواجهة الأمنية، والتحرك السياسي، والدعم الإقليمي والدولي، وقد كانت المواجهات الأمنية الصلبة والتحركات السياسية الدقيقة الفاعلة.. إلا أن الدعمين الإقليمي والدولي كانا محدودين إقليميا ومعدومين دوليا؛ فقد كنا جدارا حاميا لدول الجوار من حملات التهريب هذه التي شملت تهريب المخدرات والسلاح في آن واحد..، ومن يهرب السلاح والمخدرات معا فإن لديه توجهاتٍ أمنية وسياسية عدائية أخطرها المساس بالمجتمع، وما لم يتم التصدي الحازم لهذه الظاهرة فإن المخدرات القادمة من مناطق النفوذ الإيراني لا تقف عند كونها مواد قاتلة وهدامة وإنما مسار حياةٍ وتفعيل لدور خلايا النظام الإيراني النائمة في سوريا، وستواصل دورها الأمني التدميري بالإضافة إلى حصد الأرواح وتفكيك المجتمعات.