التطرف الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي: تحليل قانوني بناءً على تصريحات الرئيس ترامب ووزير الأمن بن غفير

أمد/ تتناول هذه الدراسة مضمون التصريحات الأخيرة الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير و سومتيرش بشأن الحرب في قطاع غزة، وتناقش أبعادها القانونية والسياسية في ظل تصاعد الكارثة الإنسانية في غزه كما تسلط الضوء على مواقف إسرائيلية داخلية معتدلة تعارض التصريحات المتطرفة، وتفكك حالة الغموض العربي الرسمي، مؤكدة أن السلام لا يُبنى على أساس العنف أو سياسات التطهير العرقي.
1. مقدمة
تُشكّل التصريحات السياسية الرسمية حول النزاعات المسلحة مواقف ملزمة وذات دلالة قانونية، خاصة إذا صدرت عن رؤساء دول أو وزراء في السلطة التنفيذية. وفي ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، جاءت تصريحات كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية سومتيرش، لتكشف عن انحراف خطير في الخطاب السياسي السائد، يتقاطع مع ممارسات تنتهك بوضوح قواعد القانون الدولي الإنساني.
2. تصريحات الرئيس ترمب: تواطؤ قانوني وانحياز سياسي
في تصريح علني قال ترمب:
> “غزة ليست مشكلة الولايات المتحدة فقط، بل هي مشكلة العالم بأسره… على إسرائيل أن تتخذ قرارها بشأن غزة… تحدثت مع نتنياهو بشأن إدخال المساعدات… وسنقدم مزيدًا من المساعدات لكن على الدول الأخرى المشاركة في هذا الجهد”
(Fox News, 2025).
وبصفته الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذه التصريحات تمثل موقفًا رسميًا للبيت الأبيض، وتدل على أن الإدارة الأمريكية:
تتبنى سياسة تحميل المجتمع الدولي مسؤولية تداعيات الحرب، رغم كون الولايات المتحدة هي المورد الأول للسلاح والدعم السياسي لإسرائيل.
تتنصل من توجيه أي إدانة للجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين، وتغض النظر عن الحصار والتجويع والتدمير المنهجي للبنية التحتية في غزة.
تربط المساعدات الإنسانية بشروط سياسية، رغم أن القانون الدولي الإنساني يوجب إيصال المساعدات دون قيد أو شرط، بموجب المادة 70 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.
> ملاحظة قانونية:
المادة (1) من اتفاقيات جنيف تلزم الأطراف المتعاقدة بـ”احترام هذه الاتفاقية وتطبيقها في جميع الأحوال”. أي أن الامتناع عن إدانة الانتهاكات أو تسهيلها يعد خرقًا ضمنيًا للالتزام الدولي (ICRC, 1949).
3. تصريحات بن غفير: تحريض على الإبادة الجماعية
قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير:
> “كان يجب إرسال القنابل لغزة بدل المساعدات، واحتلال القطاع، وتشجيع الهجرة، وكسب الحرب”
(Israel Hayom, 2025).
هذه التصريحات تمثل تحريضًا علنيًا على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتنتهك:
المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الإبادة الجماعية.
المادة 7 بشأن الترحيل القسري والتجويع كجريمة ضد الإنسانية.
المادة 8 بشأن الهجمات المتعمدة ضد السكان المدنيين.
> ملاحظة قانونية:
وفقًا للمادة (25) من نظام روما، فإن “التحريض العلني والمباشر” على ارتكاب جرائم يدخل ضمن الاختصاص الشخصي للمحكمة، ويُعد مشاركة في الجريمة.
3.1. تصريحات سموتريتش: تجويع، وتطهير عرقي مُمَنهج
قال بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، في تصريحات متكررة خلال الحرب على غزة:
> “يجب وقف دخول الغذاء والماء والكهرباء لغزة حتى تحرير جميع الرهائن… لا ماء، لا وقود، لا كهرباء”
(Jerusalem Post, 2025).
وفي مناسبات أخرى دعا صراحة إلى:
تشجيع تهجير الفلسطينيين من القطاع كحل نهائي.
إعادة احتلال غزة عسكريًا وتقسيمها لمناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
وصف المدنيين في غزة بأنهم “جزء من العدو” ويجب معاملتهم وفق هذا التصنيف.
تحليل قانوني:
تُصنّف هذه التصريحات ضمن التحريض العلني على التجويع كسلاح حرب، وهو محظور بموجب القانون الدولي الإنساني:
المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977):
> “يُحظر مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو جعل الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين عديمة الفائدة، بغرض تجويع السكان المدنيين”.
المادة (8-2-ب-25) من نظام روما الأساسي:
> “التجويع المتعمد للمدنيين كأسلوب من أساليب الحرب يُعد جريمة حرب”.
قرارات الأمم المتحدة المتعاقبة، من أبرزها قرار الجمعية العامة رقم (ES-10/20) لعام 2023، الذي يُدين استخدام الحصار والتجويع الجماعي كأدوات ضغط سياسي أو عسكري.
خطر التواطؤ السياسي:
كون سموتريتش وزيرًا رسميًا في الحكومة، فإن تصريحه يحمل وزنه القانوني، ويُدخل إسرائيل في دائرة الاشتباه بارتكاب جرائم ممنهجة ضد الإنسانية.
وتُصبح الدول الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة، معرضة للمساءلة الدولية بموجب مبدأ عدم الإعانة أو التسهيل أو التحريض على الجرائم الدولية
4. الموقف الإسرائيلي المعتدل تجاه تصريحات سموتريتش
لم تمر تصريحات سموتريتش وبن غفير دون انتقاد داخلي، حيث رفضتها جهات متعددة داخل إسرائيل، خاصة من قادة الأمن والخبراء القانونيين:
روني ألشيخ (المفتش العام السابق للشرطة):
> “التحريض على التجويع الجماعي عمل لا يمكن الدفاع عنه، ولا يخدم أمن إسرائيل، بل يعرضها لملاحقة دولية”
(Channel 12, 2025).
البروفيسور أمنون روبنشتاين (وزير سابق للقانون والتعليم):
> “ما يصدر عن بعض أعضاء الحكومة يتعارض مع القيم اليهودية والقانون الدولي، ويهدد مكانة إسرائيل بين الأمم الديمقراطية”.
يائير لبيد (زعيم المعارضة):
> “ما يُقال من قبل بعض الوزراء هو دعوة للعار والانهيار الأخلاقي”
(Haaretz, 2025).
غادي آيزنكوت (عضو الكابينت، جنرال سابق):
> “لن يحقق الأمن بالتحريض أو الدعوات لتفجير غزة… هذا ليس انتصارًا، بل انتحار أخلاقي”
(Ynet, 2025).
هذا الانقسام يعكس تخوفًا داخليًا من تبعات الفاشية على أمن إسرائيل وشرعيتها الدولية.
خلاصة مكثفة لهذا القسم:
> إن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش تنقل موقفًا رسميًا يُشجّع على استخدام التجويع كأداة حرب جماعية، وهو ما يُعد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي، ويستوجب الإدانة العاجلة والتحرك القانوني الدولي.
5. الصمت العربي: غموض، تقاعس، وغياب فاعلية
رغم فداحة التصريحات وخطورتها القانونية، لم تُقابل بردود عربية ترتقي إلى حجم الكارثة:
اكتفت العديد من الدول العربية ببيانات عامة خالية من خطوات تنفيذية.
لم تُبادر أي جهة عربية إلى رفع شكوى رسمية لدى محكمة الجنايات الدولية.
لم يُفعَّل الميثاق العربي لحقوق الإنسان في أي مسار قانوني فعّال.
هذا الصمت أو التراخي يُمثل في حقيقته إسهامًا ضمنيًا في تهميش القضية الفلسطينية وتطبيع الخطاب الإقصائي.
6. في معنى السلام الحقيقي
إن السلام لا يمكن أن يُبنى على جماجم المدنيين أو عبر سياسات التهجير والتجويع الجماعي.
فالتاريخ، من البوسنة إلى رواندا، ومن جنوب إفريقيا إلى فلسطين، علّمنا أن السلام العادل لا يتحقق إلا بـ:
وقف انتهاكات حقوق الإنسان.
محاسبة المحرضين على الإبادة والعنف.
الاعتراف بالحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف.
تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة على أسس القانون والكرامة.
> “لا سلام يُبنى على أنقاض المجازر، ولا مصالحة تتحقق على جثث الجوعى والمطرودين. بل لا معنى للسلام دون عدالة، ودون مساءلة، ودون احترام للكرامة الإنسانية”
7. توصيات قانونية ودبلوماسية
1. إدانة رسمية من الأمم المتحدة لتصريحات بن غفير وسموتريتش باعتبارها تحريضًا على الإبادة.
2. تحرك عربي وإسلامي لرفع دعاوى قضائية دولية ضد التحريض العنصري الإسرائيلي.
3. دعم المواقف الإسرائيلية المعتدلة التي تحذر من الانزلاق إلى الفاشية.
4. إلزام الولايات المتحدة – بصفتها الدولة الداعمة – بتحمل مسؤوليتها القانونية وفقًا لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف.
5. إنشاء لجنة تقصي حقائق دولية بإشراف مجلس حقوق الإنسان بشأن استخدام التجويع والقصف ضد المدنيين في غزة.