أن تفقد حياتك جوعًا وسط القصف

أمد/ أن تموت قصفًا… فهذا ما تعود عليه أهل غزة منذ سنين.
أن تموت جوعًا… فهذا ما لم يتخيله أحد، حتى في أسوأ الكوابيس.
لكن أن تموت جوعًا تحت القصف؟
فهنا تبلغ المأساة ذروتها، وتنهار كل القوانين، وتسقط كل الشعارات،
ويظهر وجه العالم القبيح كما هو: صامت، عاجز، ومشارك.
في غزة، الموت ليس اختيارًا، ولا توقيتًا يُقرره الإنسان.
يموتون لأنهم بقوا على قيد الحياة.
يموتون لأنهم ما زالوا يتمسكون بحقهم في الأرض، في الكرامة، في البقاء.
في كل ثانية، هناك من يسقط شهيدًا…
ولكن ليس كل الشهداء قُتلوا بالصواريخ، بعضهم ماتوا وهم يتضورون جوعًا، وأجسادهم الهزيلة لم تصمد أمام الحصار.
هل يمكن لعقلك أن يتخيل ذلك؟
طفل يموت جوعًا في نفس اللحظة التي تسقط فيها القذائف حوله؟
أمٌ تُمسك بطفلها المحتضر وهي لا تعرف:
هل تبكي من شدة الجوع؟ أم من الرعب؟ أم من فقر الحيلة؟
وهل هناك أقسى من أن ترى فلذة كبدك يذبل أمامك، ولا تملك له شيئًا؟ لا دواء، لا طعام، لا حتى ماء!
أي جريمة هذه؟ وأي زمان هذا؟
الموت في غزة لا يأتي بشكل واحد، بل يتزاحم:
جوع وقصف، رعب وعطش، عزلة ودمار.
يموتون بصمت، على مرأى من العالم،
يموتون في بيوت دُمرت، في مخيمات محاصرة، في أزقة ضاقت بأنفاسهم.
الأمم المتحدة تتحدث بلغة باردة،
الدول العظمى تساوي بين الجلاد والضحية،
والقنوات العالمية تصف المجازر بأنها “أحداث مؤسفة”.
لكن في غزة، لا شيء مؤسف… كل شيء مروع، ومخطط، ومقصود.
الناس هناك لا يسألون عن الحياة، بل عن وجبة تسند يومهم الأخير،
لا يفكرون في الغد، بل في اللحظة القادمة:
هل سيصلون إلى المساء؟ هل سيصمد البيت؟ هل سينجو الأبناء؟
يا من تقرأ هذا الكلام:
اعلم أن غزة لا تحتاج فقط إلى طعام ودواء،
بل تحتاج إلى أن تصرخ أنت بصوتك، وأن تكتب، وأن تفضح، وأن ترفض،
فكل ساكت اليوم، شريك في الجريمة.
أن تموت تحت القصف… قد يكون قدرك،
لكن أن تموت جوعًا تحت القصف،
فذلك يعني أن العالم كله قرر أن يُغلق عينيه،
ويتركك وحدك تموت في العتمة، بلا صوت، بلا اسم، بلا وداع.