عندما يتحول الخبز إلى حلم!

عندما يتحول الخبز إلى حلم!

أمد/ في غزة، لا يُكتب الحلم بالحبر، بل بالجوع.
في غزة، لا يبحث الناس عن الكماليات، ولا حتى عن الحياة الهانئة…
بل إنهم يحلمون برغيف خبز!
نعم، مجرد رغيف صغير، أصبح هناك أغلى من الذهب، وأثمن من كل أمنيات الدنيا.

في زمن تطبع فيه الدول النقود بلا غطاء، وتُرمى فيه الأطعمة الفاخرة في النفايات، هناك من يبحث في الرماد عن كسرة خبز محترقة، ومن ينام وجسده يئن من ألم الجوع، لا لأنه صائم، بل لأنه معدوم.

أطفال غزة لا يبكون لأنهم فقدوا ألعابهم…
بل لأنهم لم يذوقوا منذ أيام طعم الخبز…
أمهات في غزة لا ينهارُنَ لأن أطفالهن مرضى فقط،
بل لأنهن لا يملكن لقمة تسند الدواء، ولا طحينًا يعجنّ به دموعهن!

أيُّ عالمٍ هذا الذي يرى الطحين يُمنع عن المحاصرين، والخبز يُصبح حلمًا؟
أيُّ إنسانية هذه التي تقف عاجزة أمام حصار يجرد البشر من أدنى حقوقهم: الطعام؟
حين يُمنع الخبز عن شعبٍ بأكمله، فهذا ليس حصارًا فقط، بل جريمة كبرى بحق الوجود الإنساني نفسه.

غزة اليوم لا تطلب المستحيل…
لا تطلب طائرات، ولا نفطًا، ولا نفوذًا…
تطلب فقط أن تأكل لتعيش، أن تُطعم أبناءها قبل أن يلفظوا أنفاسهم جوعًا، أن تنام دون صوت معدة تصرخ في الظلام.

هل رأيتم مدينةً في العصر الحديث يُحرم شعبها من الخبز والماء والكهرباء في آنٍ واحد؟
هل رأيتم طفلاً يحمل في يده كيسًا فارغًا ويتجول بين الركام، على أمل أن يجد شيئًا يسد به رمقه؟
هل رأيتم أعينًا تطل من بين الأنقاض، لا تسأل عن الأمان… بل تسأل:
“أين الخبز؟”

حين يصبح الخبز أمنية…
فاعلم أن العالم بلغ أقصى درجات الانهيار الأخلاقي.
وحين تُحاصر الأفران، وتُقصف المستودعات، وتُقطع الإمدادات عن المدنيين،
فاعلم أننا في عصرٍ مات فيه الضمير، ودُفنت فيه الإنسانية، وانكسرت فيه القلوب الجائعة.

غزة اليوم تصرخ جوعًا،
والعالم يتثاءب أمام الشاشات،
ينظر إلى الأرغفة القليلة وكأنها مشهد عادي في فيلم وثائقي ممل.
لكن هذه ليست مشاهد… إنها أرواح تموت ببطء، وكرامة تُسحق في العلن، وجريمة تُرتكب باسم الصمت.

وغدًا…
حين يسألك الله عن الجائع الذي مات ولم تنصره،
عن الخبز الذي مُنع عنه وأنت قادر على أن ترفع صوتك أو تنشر كلمة أو تفضح ظالمًا…
فماذا سيكون جوابك؟