الاعتراف بفلسطين: رد الفعل الأمريكي

الاعتراف بفلسطين: رد الفعل الأمريكي

أمد/ تعزيزا للموقف الفرنسي الإيجابي المعلن سابقا، عاد الرئيس ايمانويل ماكرون أول أمس الخميس 24 تموز / يوليو الحالي وجدد عزم بلاده على الاعتراف بدولة فلسطين رسميا في أيلول / سبتمبر القادم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها القادمة ال79، في خطوة وصفها بأنها تأتي “وفاءً لالتزام فرنسا التاريخي من اجل سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.” جاء ذلك في منشور له على حسابه في منصة فيسبوك. وشدد ماكرون على ان الأولوية اليوم هي وقف الحرب في غزة وإغاثة السكان المدنيين، مشيرا الى ان السلام ممكن إذا تحقق وقف فوري لإطلاق النار، وتأمين قطاع غزة وإعادة اعماره. وأشار الى انه بعث برسالة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، عبر فيها عن عزمه “على المضي قدما في هذا المسار.”
وفي السياق ذاته، أعلن رئيس الحكومة الكندية مارك كارني، ان بلاده تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة. وكتب على منصة “إكس”: ان كندا تدعم حل الدولتين الذي يضمن السلام والأمن لشعبي إسرائيل وفلسطين”، وأضاف أن اوتاوا “ستعمل بنشاط لتحقيق هذا الهدف في جميع المنظمات.” بما في ذلك اجتماع وزراء الخارجية في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن هذه القضية، الذي تقوده كل من فرنسا والسعودية.
وهناك ضغوط من أوساط نواب حزب العمال البريطاني على رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر كي يحذو حذو فرنسا وكندا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا سيما وان ستارمر هو رئيس الحزب، وهناك تقديرات من بعض أوساط حزب العمال البريطاني بإمكانية لحاق بريطانيا بشركاء البيان الثلاثي السابق، حيث أعلنت الدول الثلاث عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية لدفع خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 قدما، والعمل المشترك لوقف الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني في جناحي الوطن وخاصة في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية بكميات كبيرة لوقف المجاعة الإسرائيلية الأميركية، والحؤول دون التهجير القسري للفلسطينيين من ارض وطنهم الام، وإعادة اعمار القطاع.
هذه المواقف للدول الغربية المركزية، رغم تأخرها كثيرا، ومشاركة الدول الثلاث مع دول الغرب الرأسمالي بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 بالحرب لدعم إسرائيل تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتبنيها الشعار الغربي “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” الفاسد، وتجاهل تلك الدول تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الممتد على 77 عاما منذ نكبة العام 1948، الا ان التحول الأخير في مواقفها الرافض للإبادة الجماعية واستعدادها رسميا الاعتراف بدولة فلسطين، يعتبر خطوة هامة وذات ابعاد استراتيجية ستساهم بقوة في تعزيز خيار السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، ورفض المنطق الإسرائيلي الأميركي الاجرامي، الذي هدد ويهدد السلام والتعايش بين شعوب ودول الإقليم في الشرق الأوسط.
وتعقيبا على المواقف الإيجابية للرئيس الفرنسي من الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الولايات المتحدة ترفض بشدة “قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتراف بدولة فلسطينية.” وأضاف روبيو في منشور على منصة “إكس” أول أمس الخميس إن “هذا القرار متهور لا يخدم سوى دعاية حماس، إنه صفعة على وجه ضحايا 7 أكتوبر. ويعيق تحقيق السلام.” وتجاهل الوزير الضحايا الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم الربع مليون وفق مصادر دولية خبيرة، وأكثر دقة من المعلومات التي تنشرها وزارة الصحة الفلسطينية.
ولم يتأخر السفير الأميركي مايك هاكابي في التعليق بدوره على القرار الفرنسي، حيث غرد على منصة “إكس” متهكما على موقف الرئيس الفرنسي، التي أثارت ردود فعل سلبية وانتقادات واسعة لمنطقه العبثي الاستعماري، وجاء فيما كتبه “إعلان ماكرون الأحادي عن دولة فلسطينية، لم يحدد أين تقع بالضبط.”. مضيفا بشكل ساخر وتافه “يمكنني الآن أن أكشف حصريا أن فرنسا ستقدم الريفيرا الفرنسية، وستسمى الدولة الجديدة “فرانس ستين”.
المواقف الأميركية المعلنة من وزير الخارجية وسفيرها في تل ابيب تكشف بؤس وعقم السياسة الأميركية، وانقطاعها عن العالم، ومعاداتها للسلام، وهي تدعي حسب روبيو العكس تماما، والسؤال الذي يطرح نفسه، أين هو السلام الذي تريده إدارة ترمب؟ وهل هي معنية أساسا ببناء جسور السلام، أم تصر على التهجير القسري للفلسطينيين من وطنهم الام فلسطين لبناء ريفيرا ترمب على شواطئ قطاع غزة، وإدامة الصراع والابادة الجماعية للشعب الفلسطيني؟ وفي السياق ذاته تعقيبا، على السفير هاكابي المتصهين، الدولة الفلسطينية موجودة وقائمة تحت نير الاستعمار الإسرائيلي النازي الذي تدعمه وتقف خلفه إدارته المارقة، مؤججة الحروب والإرهاب في المنطقة والعالم. ولعلم السفير الذي ادعى قبل أيام قليلة اثناء لقائه مع بعض اركان القيادة الفلسطينية، ان الإدارة الأميركية تريد بقاء السلطة الفلسطينية، وترفض القرصنة على أموال المقاصة الفلسطينية، والذي تساءل في منشوره على منصة “إكس” عكس ما ذكره، عن مكان الدولة الفلسطينية في تناقض فاضح وخطير، يكشف عبثية سياسات الإدارة الترمبية، المكان هو فلسطين ارض الشعب العربي الفلسطيني التاريخية، ولا وطن للشعب الا وطنه الام فلسطين.
ورغم الموت والابادة والكارثة والتجويع المتعمد واللاأخلاقي والمعادي للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، فإن الدولة الفلسطينية ستستقل على ارضها فلسطين، ومن يريد السلام وانهاء الصراع، عليه ان يلتزم بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، لا ان يعطل الاعتراف بالدولة، ويتهكم على رؤساء الدول الحليفة للولايات المتحدة ويغرد خارج السرب الاممي المؤيد بغالبيته الساحقة وفقا لقرارات الشرعية الدولية والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في تموز / يوليو 2024، بأن على الاحتلال الإسرائيلي ان يرحل بشكل نهائي وكامل عن تراب الدولة الفلسطينية فورا وخلال شهور معدودة. على إدارة ترمب التوقف فورا عن سياسة الغطرسة والاستعلاء الجهنمية، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ووقف الإبادة الجماعية فورا، وإلزام بنيامين نتنياهو وأركان حكومته باستحقاقات السلام وخيار حل الدولتين.