بعد انسحاب الوفود: هل وصلت مفاوضات غزة إلى النهاية؟

بعد انسحاب الوفود: هل وصلت مفاوضات غزة إلى النهاية؟

أمد/ إن انسحاب الوفود من المفاوضات حول غزة يشير بوضوح إلى أن العملية التفاوضية قد وصلت إلى طريق مسدود. هذا التطور يعكس تعقيد الموقف، حيث يبدو أن حماس، في ظل ضعفها العسكري، كانت تستخدم المفاوضات لترسيخ حضورها على الساحة وكسب الوقت. لكن هذا المسار، المعتمد على المماطلة والرهائن كـ”سلعة استراتيجية”، لسد عجزها العسكري في الميدان، بينما ترى في عملية المفاوضات منصة إستراتيجية للحفاظ على مكانتها، لم يعد مجديًا.

من الكيانية إلى الوجود: الضرورة الاستراتيجية لحماس

يضع الواقع الحالي حماس أمام مفترق طرق حاسم. فالاستمرار في التشبث بفكرة “الكيانية الخاصة بها في غزة”، وهي فكرة التي أصبحت هوسًا يعيق التقدم، يخدم الأجندة الإسرائيلية ويدفع بالقطاع نحو كارثة أكبر. إن هذا الهوس قد أفقَد حماس القدرة على مواكبة الزمن والتكيف مع التحديات الحالية. إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو التحول الاستراتيجي الجذري. يجب على حماس أن تنتقل من التركيز على كيانها السياسي الخاص إلى أولوية الوجود الإنساني في غزة، عبر ضمان صمود الناس في غزة وثبيتهم على أرضهم، وحفظ وجودهم وعلاقاتهم، وكل ما يمكنهم من الاستمرار في ديارهم. هذا الوجود هو الأهم بكثير من أي كيانية سياسية للحركة.

مثل هذا التحول لن ينقذ أهل غزة من مزيد من التضحيات البشرية فحسب، بل سيفرض أيضًا منطقًا جديدًا على الاحتلال. فالصمود الشعبي لا يمكن مواجهته بالقوة العسكرية الغاشمة كما يمكن مواجهة جماعة مسلحة، بينما تُعدّ حماس كقوة عسكرية (وإن كانت غير متكافئة) هدفاً سهلاً للاحتلال، الذي يتّخذ من ذلك ذريعة لضرب المدنيين وتأديبهم بالقتل والنزوح. هذا التغيير في النهج هو مفتاح النصر الحقيقي، وهو ما يمثل الهجوم المضاد الأكثر تأثيرًا الذي يمكن لحماس أن تقوم به في ظل الفجوة الاستراتيجية التي تواجهها حاليًا.

يتطلب ذلك أن تفك حماس ارتباطها الاستراتيجي بقطاع غزة كليًا، عبر الانسحاب من المشهدين السياسي والعسكري. وبفك حماس ارتباطها الاستراتيجي بقطاع غزة، يحمل في طياته تحولاً استراتيجياً جذرياً. هذا الانسحاب من شأنه أن يرفع العبء عن أهالي غزة، وتحويل العبء الاستراتيجي عنها وناسها، ويخفف معاناتهم، ويُلزم إسرائيل بتحمل المسؤولية المباشرة عن إدارة القطاع، وهو ما تسعى لتجنبه. بدلاً من استنزاف عسكري عقيم، يتحول الصراع إلى صمود شعبي لا تستطيع القوة العسكرية مواجهته. هذا النهج يفتح آفاقاً لحلول سياسية مستدامة، ويُعيد تعريف النصر ليصبح في بقاء الشعب الفلسطيني وليس في كيانية زائلة، مما يؤكد أن مصالح الناس هي البوصلة الحقيقية للخروج من المأزق الراهن.

هل يعني هذا نهاية المفاوضات حقًا؟

سحب الوفود يعني أن الفرصة المتاحة لحماس لإبرام صفقة بشروط كانت تعتبر تقدمًا قد تلاشت. الرسالة واضحة: على حماس أن تقبل العرض المطروح أو تواجه عواقب انتهاء العملية التفاوضية، بما في ذلك احتمال التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي سيترجم أي مكاسب فيه إلى ورقة تفاوضية ضد حماس.

في النهاية، يبدو أن المماطلة لم تعد خيارًا، وهامش المناورة يضيق. يبقى السؤال: هل ستختار حماس الطريق الأصوب بالتركيز على الوجود الإنساني، أم ستستمر في التمسك بـ”الكيانية” التي قد تدفع بغزة إلى مصير لا رجعة فيه؟