عندما يتعالى صراخ قتلة تل أبيب: اسكتوا.. نحن نقتل!

أمد/ -حرب غزة ليست حفلة قتل ترعاها إسرائيل بمعداتها العسكرية الثقيلة،بل هي حفلة الغرب كله. ولم يعد هناك مَن يُخفي رأسه..! ( الكاتب)
-دورة حياة غزة تبدأ بالموت لتنتهي إليه كما أن دمارها يمر بالإعمار لينتهي إلى دمار جديد..(الكاتب)
اقتضت السنّة الكونية أن يظل الحق والباطل في صراع دائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن الغلبة في الآخر ستكون للحق ورجاله طال الوقت أو قصر..
قد لا أجانب الصواب إذا قلت إن اليهود لم يتعرضوا بتاتا لأي اضطهاد من العرب،بل كانوا جزءا من المجتمع العربي،ولكن الغرب العنصري أراد التخلص من اليهود بدفعهم إلى تأسيس دولة تقوم على أساس ديني،وعلى أساس اختلاق تاريخ كامل،عناصره الأسطورة ومعاداة المنطق..!
من هنا كان دعم الغرب الاستعماري العنصري لقيام دولة إسرائيل ليس كخطيئة وجريمة في حق العرب عامة والفلسطينيين خاصة،إنما كخطيئة أيضا ضد اليهود بحشرهم في «غيتو» اتخذ هذه المرة شكل دولة،دولة تقوم على أساس عنصري، المتميزون فيها هم اليهود لأنهم يهود وداخل اليهود أنفسهم تمييز آخر بين من هو غربي ومن هو شرقي.
الفكرة العنصرية
ما الفرق بين الفكرة العنصرية والفكرة الصهيونية، فهما يقومان على أساس الانتقاء العنصري، والتعصب لجنس وفكرة.
هكذا جنّد الغرب طاقته لإزاحة شعب كامل من مكانه،وإحلال اليهود مكانهم،وما نراه الآن على أرض غزة من قصف بأحدث الأسلحة الأمريكية لمنازل ومستشفيات وسيارات إسعاف ومربعات سكنية برمتها،ما هو إلا فصل من فصول المأساة التي أعلنت رسميا باسم دولة إسرائيل…
والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع: كيف لم يفكّر العرب وأنظمة حكمهم طوال سبعة عقود ونيف من الوجود الإسرائيلي في الأسس الناجعة التي تسمح بالحد من سطوة إسرائيل،وتتيح للكفاح الفلسطيني أن يحقق أهدافه العادلة، وللجماهير العربية أن تتخلص من التخلّف والتبعية والحكم الفردي؟!
هل سينتظر العرب السقوط الأمريكي الحتمي معولين على نظرية ابن خلدون حول صعود الامبراطوريات وهبوطها ؟!
وهل سيستمرون على حتمية تصدع الكيان الصهيوني وانفجاره من الداخل وابتلاعه ديموغرافيا بالاعتماد على قوة الخصوبة الإنجابية عند الفلسطينيين؟
ألم ندرك بعد أن الواقع في الغرب بدأ يتغير وبدأ الرأي العام يكتشف حقيقة جرائم حفاة الضمير والمنفلتين من العقال،واستهداف العزل بالرصاص الحي..لاسيما بعد أن أمطرتنا الفضائيات بمشاهد بربرية دموية لا يمكن لعاقل أن يصدّق وقوعها في القرن الحادي والعشرين.
قتل وحشي على مرأى ومسمع من العالم.. و.. يستمر الدم في النزيف..ويستمر الشهداء في السقوط..ويستمر “أبناء غزة”في مواجهة القاتل الإسرائيلي المدجج بأسلحة الموت وبحقد دفين لا شفاء منه…
إلى متى؟!
وكم يحتاج الأمر إلى مثابرة وزخم ودم ليضطر العالم إلى سماع الصوت الفلسطيني الذي لا يصل إن لم يكن له هذا الثمن الفادح؟!..
لن يصدّق العالم اليوم أن الديمقراطية الإسرائيلية هي ارستقراطية الأكثرية وديكتاتورية الأكثرية وأنها في عالم قوام الديمقراطية فيه حقوق الأضعف وحقوق الأقليات،مختلفة عن العالم وعن العصر.
الفلسطينيون وحدهم يستطيعون أن يتحدثوا عن نصر ممكن ينبثق من دفقات الدم ووضوح الموت. المواجهة عندهم تعني الفعل الذي لا يقف عند حدود الكلام والنوايا،إنما هو فعل وجود يصرخ أمام كل العالم بأن الاستعمار غير مقبول وبأن الحرية والسيادة لا يمكن التخلي عنهما مهما كانت سطوة الجيش الإسرائيلي وعماء الدول الكبرى المتفرجة على إسرائيل وهي تستعرض عضلاتها.
عدالة القضية
في مثل هذه الوضعية،كيف أقنع النفس بأن عدالة القضية ستحميها من وحشية الذين يمارسون سياسة اليد الطولى ولا يحترمون قوانين المنظمات العالمية؟!
اكتفي بأن أتابع المشهد،أنام وأصحو لأحصي عدد الشهداء،وأرى بعيون دامعة الدم الفلسطيني مراقا وعلى الجنائز تخب كل يوم في مشهد قيامي مروّع باتجاه المدافن.
كيف يستعيد المنطق قدرته على اقناعي بأن هذه المواجهة غير المتكافئة لن تعرّض جزءا كبيرا من شعبنا هناك للإبادة؟
لماذا يعبّر الماسكون بزمام العالم عن تخوفاتهم من زعزعة دولة إسرائيل ولا ينادون بتصفية الاستعمار في فلسطين؟!
من أي موقع إذن،أتكلم ويكون لكلامي معنى أو ثقلاً..؟
أحس كأن ودفقات الدم “الغزاوي” عبر الفضائيات، تذكّرني أكثر فأكثر،بهذا العجز الخانق.وتضيف إليّ وجعا قاسيا وأنا أرى وجوه الشهداء مرفوعة أمام سماء عمياء،فيما القذائف والصواريخ تواصل هجماتها،وليس هناك فعل عربي يساند بالملموس عظمة هذا الشعب الجبّار في صموده وتصديه.
وهنا أسأل دون أن أنتظر جوابا: كم مرة يجب تدمير-غزة-لكي تضمن إسرائيل أمنها؟ كم ألفا من أهل غزة يجب أن يُقتلوا لكي يكون الإسرائيليون في أمان؟!
كم مليارا من الدولارات يجب أن يتم هدرها في عمليات إعمار،ستبدو بعد كل حرب كما لو أنها لم تقع؟!
دورة حياة غزة تبدأ بالموت لتنتهي إليه كما أن دمارها يمر بالإعمار لينتهي إلى دمار جديد.!
لا يجد أهل غزة متسعا للسؤال: متى وقعت الحرب الأخيرة؟ فهم في انتظار حرب لم تقع غير أنها ستقع.لا بد أن تقع.من غير حرب لا يمكن أن تستمر دورة الحياة ولا يبدأ الإعمار ولا تُفتح الأبواب للمساعدات الإنسانية.
وأختم: حرب غزة ليست حفلة قتل ترعاها إسرائيل بمعداتها العسكرية الثقيلة،بل هي حفلة الغرب كله.ولم يعد هناك مَن يُخفي رأسه..
لأكون صادقا أقول إنني الآن،وأنا غارق في عجزي، أحسّني على حافة ليل طويل،موغل في الدياجير، ولا أستطيع أن أعزّي النفس بأنني أنتظر فجرا أو قيامة.!