ماذا سيحدث لو كانت غزة دولة أوروبية؟

ماذا سيحدث لو كانت غزة دولة أوروبية؟

أمد/ تخيل لو كانت غزة مدينة أوروبية تقع على ساحل المتوسط…
تخيل لو كان أطفالها يتحدثون الفرنسية أو الألمانية، ويذهبون إلى مدارسهم في أحياء أنيقة، وتغطيهم بطانيات صوفية مصنوعة في مصانع هولندية.
تخيل لو قُصفت تلك المدينة لأسابيع، ودُمرت مستشفياتها، وقُطعت عنها المياه والكهرباء، وفرض عليها حصار خانق، ونام أطفالها جوعى…
ماذا كان سيفعل العالم؟

كنا سنشاهد اجتماعات طارئة في مجلس الأمن تُعقد خلال ساعات،
كنا سنسمع أصوات الزعماء تصرخ: “لن نسمح بحدوث ذلك!”
كنا سنشاهد نشرات الأخبار تتصدرها عبارة: “مجزرة في أوروبا!”
وكانت العواصم ستُضاء بألوان علم تلك المدينة، وتتدفق المساعدات من كل الاتجاهات، وتُفرض العقوبات العاجلة على المعتدي بلا نقاش ولا انتظار.

لكن لأن غزة ليست أوروبية…
ولأن وجوه أطفالها سمراء، وأسماءهم محمد وعلاء وأحمد،
ولأنهم لا يحملون جوازات سفر أوروبية،
فلا بأس أن يموتوا جوعًا، ولا بأس أن يُدفنوا تحت الأنقاض، ولا بأس أن يُمحى اسمهم من الحياة.

هذه هي الحقيقة المرّة: الإنسانية في هذا العالم انتقائية، وحقوق الإنسان خاضعة للجغرافيا ولون البشرة والانتماء الديني.
الدم الغربي أغلى، والوجع الغربي أهم، والمأساة هناك تصنّف “كارثة”، أما هنا، فهي مجرد “صراع في الشرق الأوسط”.

يا من تشاهدون المجاعة في غزة وتكتفون بالتأوه أو تحويل القناة…
هل خطر ببالكم أن سكوتكم اليوم هو جريمة صامتة؟
هل تدركون أن ما تسمحون به لغزة اليوم، قد يصبح غدًا مشهدًا في وطنكم؟
لأن الظلم إذا تُرك يتمدد، لا يتوقف عند حدود الجغرافيا.
ولأن الله لا يُهمل، بل يُمهل، ثم يبتلي الجميع بما فرّطوا فيه، وبما سكتوا عنه.

لو كانت غزة أوروبية، لما استمر هذا الجنون ساعة واحدة.
لكن لأنها عربية، فلسطينية، محاصرة… فهي تُترك لتُباد، قطعةً قطعة، وجيلًا بعد جيل.

ومع ذلك، تذكروا جيدًا:
غزة وإن لم تكن أوروبية، فهي شرف البشرية، ومقياس ضميرها،
وغدًا، حين يُسأل العالم: أين كنتم؟
لن يُجدي الصمت، ولن تنفع التبريرات،
لأن التاريخ لا يرحم،
والله لا ينسى.