تكتيك “تقييد الحركة”: الضغط على حماس خلال مفاوضات غزة

تكتيك “تقييد الحركة”: الضغط على حماس خلال مفاوضات غزة

أمد/ ربما رأت حماس في الزخم المتصاعد حول المفاوضات فرصة لتصعيد شروطها أو التشبث بموقفها، بدلاً من اعتباره دافعًا للتنازل. ينبع هذا التصور من نظرة حماس للحراك الدبلوماسي والاهتمام الدولي المتجدد كنقطة قوة استراتيجية. فبدلًا من أن يدفعها هذا الزخم نحو المرونة، ربما عزز لديها الاقتناع بأن موقفها قوي وأن الوقت مناسب للمطالبة بالمزيد أو للتمسك الشديد بما تعتبره حقوقًا أساسية.

اتسمت جولات المفاوضات الأخيرة بتكثيف الزخم الدبلوماسي والضغط الدولي المكثف لإنهاء الصراع في غزة. رأت حماس هذا الضغط موجهًا بشكل أساسي نحو إسرائيل لتلبية مطالبها، مما منحها هامشاً للمناورة.

فسّرت حماس الزخم كإشارة إلى حاجة الطرف الآخر والوسطاء الملحة للتوصل إلى اتفاق، ربما لأسباب داخلية أو دولية، مما عزز موقفها التفاوضي. بالتزامن مع ذلك، ربما رأت حماس في التصعيد العسكري على الأرض (كما تعكسه بيانات المقاومة) تأكيداً لمكاسبها التي يجب أن تُترجم إلى شروط تفاوضية أفضل. هذا التفكير دفع حماس للمراهنة على أن صمودها سيجبر إسرائيل والوسطاء (مثل مصر وقطر والولايات المتحدة) على تقديم المزيد من التنازلات لتجنب فشل المفاوضات. لقد رأت في تزايد جهود الوسطاء فرصة للضغط عليهم لإقناع إسرائيل بقبول شروطها، معتقدة أن الوسطاء تواقون لتحقيق اختراق. بعبارة أخرى، كانت رسالتهم: إذا كنتم تريدون اتفاقاً، فعليكم إقناع إسرائيل بقبول شروطنا.

في خطوة ذات دلالة، أعلن بنيامين نتنياهو عن سحب الوفد الإسرائيلي المفاوض من الدوحة بعد أن قدمت حماس مطالب جديدة رداً على أحدث مقترح لوقف إطلاق النار في غزة. وصرّح نتنياهو بحزم: لن نقبل أن تفرض حركة حماس شروط استسلام علينا.

بالتزامن مع ذلك، أشار المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى أن واشنطن ستدرس الآن خيارات بديلة لإعادة الأسرى، معتبراً رد حماس دليلاً على عدم رغبتها في التوصل إلى اتفاق بشأن غزة، وذلك على الرغم من آماله السابقة في إبرام اتفاق هذا الأسبوع.

يُعد سحب الوفدين الأمريكي والإسرائيلي من المفاوضات تكتيك ضغط واضح، يهدف صراحةً إلى الإشارة إلى تراجع الزخم التفاوضي على أمل دفع حماس لقبول المقترح الأخير. يبعث هذا الانسحاب من طاولة المفاوضات برسالة قوية بوجود نفاد صبر إزاء مطالب تُعتبر غير واقعية أو متعنتة. ويسعى هذا التكتيك إلى زعزعة قناعة حماس بأن الوقت في صالحها، وأن التمسك بمواقفها لن يؤدي إلا إلى طريق مسدود.

إذا كانت حماس ترى في الزخم فرصة لرفع سقف مطالبها، فإن سحب الوفود يحاول إعادة تعريف طبيعة هذا الزخم. فبدلاً من أن يكون زخمًا نحو التقدم، يصبح زخمًا نحو الانسداد والفشل، بهدف إجبار حماس على إعادة تقييم موقفها.

يخلق هذا الانسحاب حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل المفاوضات. قد تتساءل حماس الآن: هل هذا التوقف مؤقت أم دائم؟ وما هي “الخيارات البديلة” التي قد تلجأ إليها إسرائيل والولايات المتحدة؟ هذا الغموض قد يدفع الجماعة للتفكير بجدية أكبر في المقترح الحالي قبل فوات الأوان.

يزيد الانسحاب بشكل كبير من تكلفة رفض حماس للمقترح. فالرفض لم يعد مجرد استمرار للمفاوضات، بل أصبح يحمل خطر فقدان فرصة التوصل إلى هدنة وتبادل، وبالتالي استمرار الصراع وتدهور الوضع الإنساني في غزة. علاوة على ذلك، فإن التهديد بـ”الخيارات البديلة” الذي لوحت به واشنطن قد يشير إلى تصعيد عسكري محتمل أو تحول في الاستراتيجية الإسرائيلية قد لا يكون في صالح حماس.

في المحصلة، يمثل هذا التكتيك محاولة لتحويل دفة المفاوضات من لعبة “من يصمد أكثر” إلى “من يقتنص الفرصة المتاحة”. الهدف هو أن تدرك حماس أن الشروط الحالية قد تكون الأفضل المتاحة، وأن رفضها قد يؤدي إلى نتائج أسوأ بكثير.
إن كبح جماح المفاوضات، أو إفراغها من حيويتها ووضعها في حالة جمود، هو تكتيك متعمد يأتي كرد فعل على تفسير حماس للزخم التفاوضي الذي جاء بنتائج عكسية. هذا الضغط يهدف إلى إجبار حماس على إعادة تقييم موقفها. فعندما تتوقف المحادثات فجأة أو ينسحب الوسطاء، تُرسَل رسالة واضحة بأن الصبر قد نفد، وأن النهج الحالي لم يعد مجديًا. هذا الإجراء يسعى لوضع حدٍ لمماطلة حماس وإجبارها على قبول المقترح المقدم.

يهدف هذا التكتيك بشكل أساسي إلى تغيير تصور حماس للوقت والفرص المتاحة. فإذا كانت الحركة تعتقد أن الزخم التفاوضي يمنحها فرصة لتصعيد مطالبها، فإن تجميد العملية التفاوضية أو إضعاف ديناميكيتها يحاول إثبات العكس تمامًا: أن التشدد لن يؤدي إلا إلى توقف العملية برمتها، وربما فقدان أي مكاسب محتملة كانت في المتناول.

تزداد تكلفة الرفض بالنسبة لحماس مع هذا الضغط. فبدلاً من الاستمرار في المساومة، يصبح رفض المقترح يعني فقدان فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق ينهي الصراع أو يخفف من تبعاته الإنسانية. كما أن التلويح بـ”خيارات بديلة” يزيد من هذا الضغط، حيث قد تشير إلى تصعيد عسكري أو خطوات أخرى تضر بموقف حماس.

ببساطة، هذا التكتيك هو محاولة لقلب الطاولة التفاوضية، وتحويلها من موقف تبحث فيه حماس عن المزيد من المكاسب إلى موقف نجد فيه نفسها مجبراً على تقييم ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وبالتالي إنهاء مماطلة حماس.