هل تمثل حماس “الخطوة التالية” بعد نزاع غزة؟ تحليل للمعطيات والنتائج المحتملة

أمد/ في خضمّ الحديث المتصاعد عن “اليوم التالي” بعد الحرب في غزة، يطرح بعض المحللين فرضية مثيرة للجدل: أن حركة حماس، رغم كل شيء، ستكون هي الطرف الحاكم أو المركزي في المشهد القادم. قد يبدو هذا الطرح صادماً للبعض، لكنه يستحق التوقف عنده بعيدًا عن الانفعال، ضمن قراءة واقعية للوقائع والخيارات.
أولاً: هل هُزمت حماس حقاً؟
تعرضت حماس خلال الحرب لضربات عسكرية غير مسبوقة، ودفعت غزة ثمنًا إنسانيًا باهظًا. ومع ذلك، فإن الحركة لم تُجرد بالكامل من قدراتها القتالية، ولم تُجتث تنظيميًا من القطاع. ما زال لديها تماسك نسبي، بنية أمنية سرّية، وقاعدة شعبية – مهما تقلّصت – تملك خطابًا تعبويًا يمكن توظيفه مجددًا.
ثانيًا: غياب البديل
الحديث عن “اليوم التالي” يفترض وجود بديل جاهز قادر على ملء الفراغ، ولكن الحقيقة أن:
السلطة الفلسطينية تعاني من أزمة شرعية وأداء، وغير قادرة على دخول غزة منفردة أو بالقوة.
التيارات الإصلاحية، رغم صعودها، لم تُمنح حتى الآن إطارًا تمثيليًا موحّدًا، ولا دعماً دولياً فعّالًا لتقود المرحلة.
القوى المدنية والاجتماعية مغيّبة أو مُحيدة قسرًا، وليست جزءًا من أي ترتيبات جادة.
وبالتالي، فإن فكرة “ما بعد حماس” تظل أمنية أكثر منها خطة قابلة للتنفيذ، ما يفتح الباب لعودتها، سواء كسلطة أمر واقع أو طرف في صيغة هجينة.
ثالثًا: الحسابات الدولية والإسرائيلية
رغم أن إسرائيل تعلن سعيها لـ”تفكيك حماس”، إلا أن تجاربها تقول إنها لا تمانع بقاء عدو يمكن احتواؤه، مقارنة بفوضى أمنية أو سيطرة أطراف قد تفتح الباب لخطر أكبر (كالفوضى المسلحة أو الجماعات المتطرفة).
أما المجتمع الدولي، فهو بحاجة إلى شريك يُسيطر على الأرض لتأمين المساعدات وإدارة الإعمار. وإن لم تُنتج تفاهمات فلسطينية داخلية، فقد يُضطر للتعامل مع حماس كأمر واقع، كما حدث بعد حروب سابقة.
رابعًا: من يمنع سيناريو العودة؟
الشرط الجوهري لمنع عودة حماس كلاعب منفرد في اليوم التالي، يتمثل في:
صياغة مشروع وطني فلسطيني جامع، يتجاوز الثنائية المدمرة بين “فتح” و”حماس”.
إطلاق شراكة حقيقية مع القوى المجتمعية والمستقلة.
توفير ضمانات دولية لتقاسم السلطة ومراقبة المرحلة الانتقالية.
إخراج ملف الإعمار والمساعدات من حسابات التمكين السياسي.
خاتمة: حماس ليست قدراً… إن وُجد البديل
من الخطأ أن يُترك مستقبل غزة رهينة للمعادلة الصفرية: إما حماس أو الفراغ. الشعب الفلسطيني – وخاصة في غزة – يستحق نظاماً سياسياً مدنياً، تعدديًا، خاضعًا للمحاسبة، لا يولد من رحم الحرب بل من إرادة الناس.
إن لم يُنجز هذا البديل في القريب، فليس مستبعدًا أن تعود حماس، بوجه جديد، إلى الواجهة… لا لأنها انتصرت، بل لأن الآخرين خذلوا الناس مرة أخرى.